على طول رقعة هذا الوطن العربي، وعلى امتداد المخاضات التي مر منها إنسانه من أجل التحرر والبقاء والكينونة، نواكب هذا الحراك الذي لم يفتر يوما منذ اشتعل مع أحلام النهضة العربية المؤجلة، من خلال زاوية خاصة: زاوية الكاريكاتور ومبدعيه. في هذه السلسلة ننفتح على تجارب رسامي كاريكاتور عرب سخروا ريشاتهم وفنهم للانخراط في نهضة أمتهم، غير أن حبهم لهذا الوطن لم يكن دائما ليشفع لهم ويكف عنهم الأيدي. فكثير من فناني الكاريكاتور قدموا أرواحهم فداء لريشاتهم وأفكارهم وأحلامهم، لكن الكثير منهم أيضا ألهم القراء والمتابعين وطبع ذاكرة وتاريخ الوطن العربي. في هذه السلسلة نسترجع محطات من حياة هؤلاء وفاء لهم ولفنهم النبيل.. عندما أطل الرسام عبد المنعم رخا على ساحة الكاريكاتير كان الرسامون الأجانب هم وحدهم الذين يحتكرون هذا الفن في مصر: الإسباني سانتس في مجلة الكشكول والتركي رفقي في دار الهلال، والأرمني صاروخان في روز اليوسف. تعرف رخا في بداية حياته العملية على أحد الصحفيين الذي نشر له صورتين في روز اليوسف، وهكذا بدأت رسوماته تُنشر في مجلة «الصباح» التي كان يصدرها «مصطفى القشاشي»، ومجلة «أبو الهول»، ومجلتي «المسرح» و«المستقبل» اللتين كان يصدرهما إسماعيل وهبي شقيق الفنان يوسف وهبي، وصحيفة «البلاغ الأسبوعية» التي شهدت مولد الكاريكاتير السياسي. حكم على الرسام «رخا» سنة 1933 بأربع سنوات حبسا لأنه رسم صورة كاريكاتورية كتب عليها بخط صغير جدا لا تكاد تراه العين : «يسقط الملك فؤاد»، وكلام غير مؤدب عن صاحبة العصمة والدة رئيس الوزراء، يقول رخا : «لقد رسمت الصورة فعلا لكني لم أكتب هذا الكلام، و لكن خبير الخطوط الذي انتدبته المحكمة قدم تقريرا يؤكد فيه أن الخط خطي، ولما سمع أصدقائي المحامون بتقرير الخبير هربوا مني، صدقوا الخبير ولم يصدّقوني». في 19 مايو 1941 تولى مصطفى أمين رئاسة تحرير مجلة «الاثنين» الصادرة عن دار الهلال وطلب من رخا العمل معه، وفي هذا الصدد يقول مصطفى أمين: «في سنة 1941 عُينت رئيسًا لتحرير مجلة الاثنين التي تصدرها دار الهلال، وكان شرطي الوحيد أن يكون رسام المجلة هو عبد المنعم رخا ، وفوجئت بأن الرسام رخا يرفض أن يعمل في دار الهلال لأنها أساءت معاملته بعد خروجه من السجن، واتفقت معه على أن يعتبرني أنا صاحب مجلة الاثنين ، ومكث رخا يعمل معي أربع سنوات، وهو يرفض أن يصافح صاحب المجلة». وفي السنوات الأخيرة من حياته عاش الفنان رخا في عزلة بسبب ظروف المرض، وبينما كان يحتفل بعيد ميلاده الخامس والسبعين قرأ في صحيفة أخبار اليوم عن حصوله على جائزة مصطفى أمين تقديرًا لدوره الريادي ولأنه كان أول فنان كاريكاتيري يطرق أبواب الصحافة في مصر في وقت كان فيه الأجانب يسيطرون على الصحف والمجلات المصرية. توفي الفنان في 8 إبريل عام 1989.