أكد راشد الغنوشي، رئيس حزب النهضة التونسي الإسلامي، أن الدولة لا يجب أن تتدخل في عقائد الناس وفي مأكلهم ومشربهم ولباسهم، مؤكدا، في حوار مع «المساء»، أن حزبه لا يرى ضرورة أن تتدخل الدولة لمنع الخمور، وأنه في حال فوز حزبه فإنه سينهج أسلوب تجفيف الطلب على الخمر وليس منع عرضه, عبر إقناع الناس بالتخلي عن شربه - أمضيتم 22 سنة في المنفى ببريطانيا، لماذا لم تعودوا من قبل وانتظرتم إلى حين انهيار نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي؟ لم تكن العودة من قبل ممكنة وسهلة، إلا إذا أردنا أن نحقق ما كان الطاغية بن علي يريده، لأن هذا الأخير كان يتعاون مع «البوليس» الدولي من أجل استعادة المهاجرين المعارضين بهدف إحكام قبضته عليهم ووضعهم في السجن حتى يرتاح من القلق والإزعاج الذي يتسببون له فيه، عبر فضحهم لممارساته في العالم، لقد كان بن علي يسعى بكل الوسائل، بما فيها التنسيق مع الأمن الدولي، من أجل إرجاع المعارضين الذين فروا من قبضته، لذلك ما كان لنا أن نحقق ما كان يريده ونسلم له أنفسنا، لأننا نعتقد أن إضافة سجين إلى آلاف السجناء لا يمثل بالنسبة إليه أي مشكل أو صعوبة، خاصة أن الآلاف من أبناء حزب النهضة كانوا خلف القضبان، لذلك لم نكن في حاجة إلى تعزيز تمثيليتنا داخل أقبية المعتقلات، وهذا هو السبب الذي جعلني لم أعد إلى تونس وأقدم نفسي، لأنني أعتقد أن المناضل الحقيقي هو الذي يتمرد على إرادة الظالم ولا يستسلم له أبدا، ولا يسلم له نفسه بالمرة. - هل كنتم تتوقعون انهيار نظام زين العابدين بن علي؟ لم أشك قط في أن نظام الرئيس السابق زين العابدين بنعلي سيسقط وسينهار، وقد كنت دائما أحرض ضده وأدعو الشعب إلى أن يثور في وجهه، وفي الذكرى التاسعة والعشرين لولادة حركة الاتجاه الإسلامي (أي حركة النهضة)، كتبت مقالا يوم 6 يونيو من سنة 2010، نشر على الموقع الالكتروني ل«الجزيرة نت»، وقلت فيه إن الذكرى القادمة سنقيمها في تونس إن شاء الله، وقدمت عددا من المؤشرات تدل على أن الشعب التونسي بدأ ينتفض وأن هذه الانتفاضات ستشب في العاصمة وهذا ما حصل بفضل الله. - ما هي طبيعة العلاقة التي تربط حركة النهضة بتنظيم الإخوان المسلمين؟ حركة النهضة هي جزء من الحركة الإسلامية العالمية تلتقي مع كل الحركات ولها خصوصياتها وتتمتع باستقلاليتها. - ما هو الدور الذي لعبته حركة النهضة في إنجاح الثورة على المستوى الميداني ؟ لا أحد زعم أنه قاد هذه الثورة التي كانت ثورة شعب، وأعضاء حركة النهضة جزء من المجتمع التونسي، ولحركتنا وزنها، فهي تعتبر من أوسع الحركات شعبية وانتشارا، وأبناء الحركة موجودون في صفوف الثورة وهم أكثر من تضرر من نظام بن علي، فهم آباء لهذه الثورة وغيرهم أيضا آباء لها. وخلاصة القول إن لهذه الثورة آباء من الإسلاميين ومن غير الإسلاميين، فلا أحد له الحق في احتكار هذه الثورة. - اتهم رئيس الحكومة التونسية المؤقتة، الباجي قائد السبسي، جهات لم يسمها بالمسؤولية عن موجة الاحتجاجات التي شهدتها تونس مؤخرا، ما دفع البعض إلى تفسير كلامه بكونه إشارة إلى حركة النهضة الإسلامية، كيف تنظرون إلى هذا الاتهام؟ لم نر أنفسنا معنيين بكلام عام وتصريحات وجهت فيها اتهامات إلى أقصى اليمين وأقصى اليسار، ونحن لسنا من هؤلاء، فنحن لسنا يمينا ولا يسارا، بل نحن حزب وسط. - انسحبتم من الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة في تونس، هل تعتقدون أن الانسحاب هو الحل؟ نحن انسحبنا لأننا رأينا أن الهيئة انحرفت عن المسار الذي أسست من أجله، فقد أصبحت تتصرف وكأنها برلمانا منتخبا، بينما هي هيئة ليست منتخبة والأصل أن يكون التقرير فيها مبنيا على التوافق وليس عبر اعتماد آلية التصويت بالأغلبية، نحن خرجنا من الهيئة احتجاجا على انحرافها عن هذا النهج وبسبب اعتمادها جداول أعمال ليس متفقا عليها واشتغالها بما هو من اختصاص المجلس التأسيسي المنتخب لإصدار القوانين. - هل ستعودون إلى هذه الهيئة؟ وما هي شروطكم؟ نحن في تفاوض مع قيادة الهيئة من أجل العودة إليها إذا حصل وفاق جديد بمقتضاه تلتزم هذه القيادة بجدول أعمال متفق عليه، وليس جدولا تفرضه على الناس، وتعتمد نهج التوافق في التقرير عوض التصويت، وتصبح الهيئة متوازنة عكس ما هو عليه الوضع الآن. - ماذا تقصدون بالتوازن؟ أعتقد أن الهيئة بها مكونات وتيارات مختلفة، لكن حزب النهضة ممثل بنسبة أقل رغم أنه لا يمثل أقلية داخل المجتمع التونسي، ونجد أن الأغلبية تريد أن تقرر بالتصويت، فهذا يقتضي أن يكون أفراد الهيئة منتخبين حتى تكون لهذا التصويت شرعية. - حسب بيان لوزارة الداخلية التونسية، بلغ عدد الأحزاب السياسية 100 حزب، في وقت تم فيه رفض 145 طلبا، لماذا كل هذا العدد؟ هذه ثمرة من ثمار الكبت الذي حصل للتونسيين في النظام السابق، فلما توفرت لهم الحرية حصل هذا الفيض وكثرت طلبات تأسيس الأحزاب السياسية، ولكن ستأتي الانتخابات لترسو على عدد محدود من هذه التنظيمات. - أعلنتم أنكم لن تترشحوا للانتخابات الرئاسية ولا للوزارة الأولى، هل ما زلتم مصرين على موقفكم، وما سبب هذا القرار؟ هذا أمر يخصني ولا يلزم باقي أعضاء حزب النهضة، وقراري جاء من منطلق أن هذه ثورة شباب لا ثورة مسنين، ينبغي أن نشجع الشباب كي يرى نفسه في دولة الثورة، لأنني أعتقد أن هذه الفئة لم تجد نفسها بعد في الحكم، لأننا لاحظنا كيف أنه بعد الثورة أصبح يتسابق عدد من متقدمي السن على المسؤوليات، وإذا كنا نجد حاليا أن هناك مبررا لوجود المسنين على اعتبار أن المرحلة انتقالية، وأن هذه الحكومة هي حكومة مؤقتة، فنتمنى في المستقبل أن يفتح المجال أمام الشباب حتى يخوض ثورته بدل أن يتولى كبار السن تسيير زمام الأمور في تونس. - في حالة فوز حزب النهضة في الانتخابات المقبلة، كيف ستتعاملون مع التوجه العلماني لتونس؟ تونس ليست دولة علمانية، بل هي دولة إسلامية حسب البند الأول من الدستور وبمقتضى القانون، فهي دولة حرة لغتها العربية ودينها الإسلام، فبلدنا له دين وليس علمانيا، وهذا البند محل اتفاق الجميع ولا يخص حزب النهضة لوحده، إضافة إلى وجود اتفاق بين عموم النخبة التونسية حول نموذج المجتمع الذي نريد أن نبنيه، نحن نريد دولة ديمقراطية تتسع لجميع أبنائها ولمختلف تياراتها وتنظيماتها، وأن تكون سلطات الرئيس محدودة بدل أن تكون مطلقة، وأن يصبح لدينا قضاء مستقل، ونتوفر على إعلام حر، وهذا كله محل اتفاق بين مختلف المكونات. ونريد أيضا أن تعيد الدولة التوازن الاقتصادي والاجتماعي بين كل الفئات وجميع الجهات، كل هذا محل اتفاق بين مختلف ألوان الطيف السياسي التونسي، ونحن بصدد وضع اللمسات الأخيرة على برنامج اقتصادي واجتماعي سنعلن عنه بعد أيام قليلة إن شاء الله. - صرحتم بأنكم لن تمنعوا الخمور ولا لباس «البكيني» في الشواطئ، في حال فوزكم، هل ستتجهون نحو الاستفادة من تجربة تركيا؟ نحن نرى أن تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا ناجحة بكل المقاييس، هي استفادت من فكرنا، ونحن نستفيد منها أيضا، ولكن تبقى لكل تجربة خصوصياتها، على كل حال، نحن نرى أن الدولة لا يجب أن تتدخل في عقائد الناس وفي ما يأكلون ويشربون، وفي ما يلبسون، ولا شك أن دولة بن علي هي التي تدخلت ومنعت النساء من ارتداء الحجاب، لكن نحن نؤمن بأن المرأة لها الحق في اختيار لباسها وفي نمط حياتها الذي ترغب في عيشه، نحن ضد الخمر لأنه حرام ونرى أنه أم المعاصي وأم الآفات، ولكن لا نرى أي جدوى من أن تتولى الدولة منعه، نحن نريد تجفيف الطلب على الخمر وليس منع عرضه، وأن نقنع الشعب التونسي بالانصراف عن الخمر كما نقنعه بالإقلاع عن التدخين وتناول المخدرات والكذب وغيرها من السلوكات التي نرى أنها تضره، ونحن ضد أن يكون ذلك عن طريق الدولة القهرية لأن ذلك لن يجدي نفعا حسب عديد من التجارب السابقة التي بينت فشل هذه المقاربة. - هناك من يؤاخذ على الحركة الإسلامية أنها لا تتوفر على مشاريع مجتمعية حقيقية وأنها لا تتقن سوى لغة الانتقاد، ما رأيكم في هذا الرأي؟ لعل هناك نماذج ملهمة وناجحة قدمتها الحركات الإسلامية في مجال التنمية كالتجربة التركية وتجربة أندونيسيا، ونتوقع أن يصل حزب العدالة والتنمية إلى الحكم بالمغرب ويقدم نماذج جيدة، كما نتمنى أن يصل حزب النهضة بتونس إلى الحكم وكذلك الإخوان المسلمين بمصر. وأنا دائما أدعو إلى حكومة وفاق وطني يشارك فيها الإسلاميون وغيرهم من أجل إنقاذ أوطانهم ومواجهة التحديات الكبرى. - لكن هناك من يتخوف من تجربة الحركات الإسلامية بمبرر أنها ستحد من العديد من الحريات نحن نحاول إقناع الناس ولا نمارس عليهم الإكراه «فلا إكراه في الدين»، لأن الأمر يتعلق بقناعات وقيم خاصة، إننا نبني آمالنا على التربية والتثقيف والإعلام ولا نعول على الشرطي من أجل إصلاح مجتمعنا.
- كيف تنظرون إلى مستقبل المغرب العربي في ظل ما أصبح يسمى بربيع الحرية؟ أعتقد أن المغرب العربي لم يخط ولو خطوة واحدة إلى الأمام، والحكام هم الذين أجهضوا هذه التجربة، وهذا درس واضح بكون الدكتاتورية لا خير فيها، وأن الأنظمة الفردية لم تنتج تنمية ولم تؤد إلى وحدة ولم تقق عدلا، ولذلك فإن اندلاع الثورات بالبلدان التي بها رؤساء دكتاتوريون أوضحت أن شعوبنا قادرة على إنتاج حكام يكونوا ديمقراطيين وهو ما سينعكس على الشعوب، لأن هذه الأخيرة هي الآن موحدة وستصبح أكثر في المستقبل. - ما هي أسباب فشل مشروع اتحاد المغرب العربي؟ اتحاد المغربي العربي يوجد، الآن، في العناية المركزة وهو في حالة شلل وجمود ولا نتحدث عنه لأنه غير مطروح اليوم على الساحة، ولكن نتوقع أن تدخل المنطقة بعد هذه الثورات في مرحلة جديدة، وقتها سيخرج من غرفة الإنعاش مشروع المغرب العربي. أما أسباب فشل المشروع، فهي راجعة بالأساس إلى الأنظمة الديكتاتورية لأن هذه الأخيرة لا تتوحد على عكس الأنظمة الديمقراطية التي تعبر عن مصالح الشعوب، والتي تتمثل في الوحدة، بينما الأنظمة الديكتاتورية تعبر عن مصالح الحكام الذين ينفردون بشعوبهم ليجعلوا منهم جزيرة خاصة بهم، وهو ما يجعل أن كل وحدة في رأيهم ستفقدهم هذه الملكية بتوحد الشعوب. - ما رأيكم في الطريقة التي تعامل بها المغرب مع الثورات العربية؟ لقد تأثرت المنطقة كلها بكل ما حدث من ثورات، فهناك بلدان قامت بها ثورات، وهناك بلدان بادر حكامها إلى مبادرات دستورية بعدما تحسسوا نبض شعوبهم ولبوا مطالبهم وطرحوا حلولا، كما حصل في المغرب، وهذا يبشر بالخير ونتمنى أن تصل هذه المبادرات إلى نهايتها، خاصة أن المغرب يصنع بنفسه ثورته السلمية. - لا شك أن لديك ذكريات بالمغرب، خاصة أنكم سبق أن شاركتم في جامعة الصحوة الإسلامية، ماذا بقي خالدا من هذا الملتقى؟ إن المغرب بلد شقيق وإسهاماته في حضارة الأمة إسهامات عظيمة ومتميزة، فقد أهدى للأمة فقهاء كبارا ومفسرين كبارا وثوارا أحرارا، لديه بيئة جميلة وجذابة وثرية، وله إسهاماته في حضارة الأمة قديما وحديثا، ونحن متفائلون جدا بمستقبل هذا البلد العريق. - هل هناك أشياء مازالت عالقة بذهنكم خلال وجودكم بالمغرب بعدما تلقيتم دعوة من وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق عبد الكبير العلوي المدغري؟ أحفظ في ذاكرتي صورا جميلة عن تلك الزيارة، التي جمعتني بوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري، حيث استقبلني بحفاوة وكرم، وحظيت باستقبال من كل ألوان الطيف السياسي المغربي وقتها، ورغم أن الزيارة كانت قصيرة إلا أنني التقيت بعدد من المسؤولين، كما هو الشأن بالنسبة إلى الزيارة الحالية، فقد التقيت مسؤولين كبارا مثل عباس الفاسي، الوزير الأول، وعبد الواحد الراضي، رئيس الغرفة الأولى، ومحمد الشيخ بيد الله رئيس الغرفة الثانية، الحفاوة نفسها التي لقيتها خلال زيارتي للمغرب سنة 1989 وجدتها خلال هذه الزيارة، فأنا ممتن لهذا البلد الكريم. - لا شك أنكم تعرفون جيدا مشكلة الصحراء المغربية التي ما زالت لم تحل بعد، ما رأيكم في هذا الملف؟ مشكل الصحراء هو مرض مازال مستمرا، وعلته هو التجزئة، فإذا وفقنا في التغلب على هذا المرض ووحدنا المغرب العربي سينتهي المشكل بطبيعة الحال، لأن الأنظمة التي تسعى إلى التجزئة هي التي ساهمت في تأخر وحدة المغرب العربي، فنحن نريد أن نتوحد ونكسر الحواجز بين التونسي والمغربي والجزائري، وسيصبح المغرب العربي بلدا واحدا يتنقل فيه الناس، وتتنقل فيه الأفكار والأموال بكل حرية كما يتنقل الأوربي من فرنسا إلى ألمانيا وإنجلترا وغيرها من بلدان الاتحاد الأوربي، فلماذا ما تزال الحدود قائمة بين دول العالم العربي؟ لو توحدنا لن تبقى هذه المشاكل. - ما هي علاقتكم بحزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح بالمغرب؟ هي حركات شقيقة، إذ لنا نفس المرجعية، ونشأنا في نفس المرحلة واستمررنا في تبادل الكثير من الأشياء منذ حوالي 30 سنة على الأقل. - أشدتم خلال تصريحاتكم بتجربة الإنصاف والمصالحة بالمغرب، ما سبب ذلك؟ بصراحة، هي تجربة مهمة جدا، وقد تحدثت في هذا الموضوع مع الإخوة المسؤولين الذين سنحت لي فرصة اللقاء بهم، لأن مشكل الضحايا والجلادين هو مشكل شبيه بما تعيشه تونس، ونرى ضرورة إيجاد حلول له دون اللجوء إلى أسلوب «الاجتثاث» و«الانتقام» الذي حصل في بعض الأقطار العربية مثل العراق، ونحن نشيد بالتجربة المغربية في مجال الإنصاف والمصالحة وكذا تجربة جنوب إفريقيا، وهي تجارب يمكن أن نستفيد منها. - ما هو تعليقك على اعتقال وحبس الصحافي رشيد نيني؟ اعتقال الصحافي رشيد نيني هو اعتقال جائر. إذ لا مبرر لاعتقال صحافي، فما بالك باعتقال مدير صحيفة هي الأوسع انتشارا في المغرب، فهذا الاعتقال يمس بسمعة مسار التحول الديمقراطي. نأمل أن يغلق هذا الملف في القريب العاجل ويطلق سراح هذا الصحافي المناضل بما يعطي المزيد من مصداقية مشروع الانفتاح والتعديلات الدستورية الجارية في المغرب الشقيق بقيادة جلالة الملك محمد السادس.