محمد بن محمد الفيزازي، الخارج من ثمان سنوات سجنا، من أصل 30 سنة حوكم بها. قيل إنه زعيم «السلفية الجهادية» ويقول إنها ابنة زنا ! يتحدث من على كرسي اعتراف «المساء» عن «طيش الشباب» وكيف أحب وتزوج، وكيف كان يرسم اللوحات ويبيعها، ويوم غنى لعبد الحليم حافظ عام 1969 فأعجب به الملحن عبد النبي الجيراري، ثم يوم رأى والده يبكي على شريط للشيخ كشك، فكان ذلك سببا لتحوله العميق نحو «التوبة» ثم الانقطاع للعبادة وللعلم. على كرسي الاعتراف يُقِر الشيخ الفزازي، دونما مركب نقص، بأنه كان مخطئا يوم وصف علماء السعودية بعلماء الفاتيكان، وبأنه وصف الحركات الإسلامية بما لا يليق.. كما يعترف بأنه أساء أدبه مع الشيخ القرضاوي ومع آخرين... وصف الشيخ المغراوي ب«عالم السلطان». ووصف اليسار بالكفر... ليرجع عن كل ذلك يوم كان في السجن وقبل الإفراج عنه بسنين... - والدك محمد الفزازي واحد من شيوخ السلفية الذين ألّفوا عدة كتب في مجالات متعددة متعلقة بعلوم الدين، تحدث لنا قليلا عن الجوانب الفكرية لوالدك؟ أبي هو شيخي الذي تعلمت عنه الشيء الكثير وأخذت عنه عقيدة السلف والعديد من الأمور الفقهية والعلمية واللغوية، كما أخذت عنه إجازة في علم مصطلح الحديث قبل 20 سنة، وقد أخذها، هو الآخر، على يد الأستاذ الشيخ تقي الدين الهلالي، رحمة الله عليه. وقد ألّف الوالد، في الحقيقة، عدة كتب، عرف بعضها طريقه إلى النشر، منها «تفسير سورة الفاتحة»، «حجاب المرأة المسلمة» وكتيبات ورسائل أخرى كثيرة، ولديه الآن موسوعة فقهية كبيرة جدا، تصل إلى ما يناهز 50 مجلّدا، وكل مجلد يحوي حوالي 500 صفحة. -لم تعرف الموسوعة طريقها بعدُ إلى النشر؟ طبعت منها 3 مجلدات في فقه الصلاة. - والباقي؟ ما يزال مخطوطا، وربما يعرف طريقه إلى النشر إذا وجد رأس المال. - كان والدك، وهو شيخ سلفي يسدل لحيته إلى صدره، ضابطا في الجيش الملكي، ألم يخلق له ذلك أي مضايقات؟ لدى والدي مكانة محترمة جدا في الجيش. - بأي رتبة تقاعد؟ تقاعد برتبة «نقيب» (Capitaine) لكنه، حسب ما سمعت منه في بعض الحوارات الخاصة، وُعِد برتبة جنرال في 1957 بناء على أنه قائد لجيش التحرير في منطقة الريف، وهي الرتبة التي وُعِد بها كل قادة جيش التحرير، بعدما التحقوا بالرباط وانضموا إلى الجيش الملكي وولجوا المدرسة العسكرية ليتعلموا فنون المهنة علميا وعصريا. كان فوج أولئك القادة برتبة «ملازم أول»... لم يحظ والدي بأي ترقية طيلة حياته العسكرية، أي مدة 25 سنة، ولم يُرَقَّ إلا مرة واحدة، بعد قيامه بما يشبه «الانتفاضة». - كيف ذلك؟ القصة طويلة، لكنني أقول لك إنها كانت غضبة شرسة، وقد علمت منه أنه ذهب من مدينة الراشيدية إلى القيادة العليا في الرباط، وقال: «يجب أن ألتقي الملك لأخبره أن في الأمر سرا، فتلامذتي أصبحوا أعلى رتبة مني، هناك «العقيد» و«الجنرال» و«الكوموندو»، فكيف أبقى، وأنا أستاذهم، في رتبتي دون حراك؟ هل هم أعلم مني؟ أم أخلص للبلد مني؟ أم إن الأمر فيه ما فيه، لأنني تخرجت من القرويين ولأنني أؤم الناس في الصلاة، ولأنني أقاوم اختلاس المال من الثكنات العسكرية، وأقاوم الانحلال في الجنود؟!.. هل هذا ما يحول دون ترقيتي؟ إذا كان الحرص على سلامة المؤسسة العسكرية وعلى «نظافة» أهلها جريمة فأنا مجرم»... كان هذا الحوارَ الذي دار بين والدي وبين الجنرال ادريس بن عمر يومها، ومباشرة بعد ذلك، تمت ترقيته إلى رتبة «نقيب»، زد على ذلك أن والدي كان المسؤولَ الأول عن الفوج الذي انطلق من فاس للمشاركة في المسيرة الخضراء عام 1975. - هل كانت مسألة تدينه وإطلاقه اللحية سببا في إيقاف ترقيته؟ لقد تعرّض والدي لانتهاكات للكثير من حقوقه من طرف الإدارة. لقد أسس مسجدا في فاس في العمارة حيث يقيم، وهناك من اعتبر ذلك المسجد وكرا للتطرف والإرهاب، لذلك أخذت وزارة الأوقاف المسجد إلى يومنا هذا. - هل قيل له، أثناء اشتغاله في الجيش، إن مسجده وكر للتطرف؟ تقاعد والدي سنة 1981، على ما أذكر، المهم إن الوالد هو رجل علم وفقه ومؤلف كبير، لكنْ هناك تعتيم، ومع الأسف، أقول إن هذه البلاد لا تُعظّم أعلامها ورجالاتها ولا تدفعهم إلى مزيد من العطاء والإبداع، وهذا من الأمور التي يجب أن تُصحَّح. - هناك من اعتبر أن اعتقالك كان اعتقالا استباقيا، لوضع حد لخطبك وتصريحاتك «النارية»، التي كانت تصل حد التكفير، وقيل إنه كان من شأنها أن تحرّض على الكراهية والعنف؟ الاعتقالات الاستباقية لا أساس لها من الصحة في الحق ولا في القانون، فلا يوجد شِقّ في قوانين الدنيا كلها يسمى اعتقالا استباقيا. ما تعرضت له كان اعتقالا تعسفيا لا علاقة له بدولة الحق والقانون. من ناحية أخرى، إذا كنتُ قد اعتُقِلتُ وحوكمت من أجل أفكاري، فإن المحكمة لم تقل ذلك علنا.. إلى حد الآن، لم يقل لي أي شخص، لا في المحكمة ولا في غيرها، إنني أحاكَم بسبب أفكاري، هم حاكموني من أجل الإرهاب والتفجير والقتل والتخريب والدمار وإحداث العاهات وإنشاء منظمات سرية ومحاولة قلب النظام... ولك أن تتخيل كل الموبقات التي وُضِعت على أكتافي وأكتاف من اعتُقِلوا معي. - القول إن محاكمتك كانت بناء على ممارسات خطيرة وعنيفة لم تقل به السلطات الأمنية والقضائية فحسب، بل سبقها إلى القول به أحد زملائك في المجال السلفي والدعوي، وهو الشيخ المغراوي، الذي اتهمك بإدخال العمل المسلح إلى المغرب؟ الحكم بدليله لا بقائله، وأنا أضيف هذا القول إلى رأي أصحاب المحاكم. هذا مجرد ادعاء. - ألم تطالب في المحكمة بإحضار الشيخ المغراوي كشاهد؟ لم يكن الشيخ المغراوي، أبدا، ضمن لائحة المتحدَّث حولهم ولا ضمن لائحة المتهمين، ولا ضمن لائحة الشهود. - ولكنه رجل علم، واتهامه لك كان له تأثير، على الأقل، على مستوى الرأي العام، إذ كيف لشيخ له مكانته العلمية «السلفية» أن يرمي شيخا آخر بالباطل؟ هذا ما ينبغي أن تسأل عنه الشيخ المغراوي. - أنت من الناس الذين تَحلّوا بالجرأة لكي يعلنوا عن مجموعة من المراجعات، أعدت النظر بمقتضاها في عدد من الأفكار والمواقف التي كانت لديك قبل مرحلة السجن. ما هي أهم هذه المراجعات؟ دعني أقلْ لك، أولا، إن هذه المراجعات هي أمر محمود بالنسبة إلى كل شخص، عملا بقول سيدنا عمر «حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا»، فسواء كان الإنسان داخل السجن أو خارجه، فهو مطالَب بمراجعة أفكاره والتراجع عما يبدو له فيه خلل، ولاسيما أهل الفكر. حين أقول إنني راجعت بعض كتبي أو مقالاتي أو أفكاري فهذا أمر طيّب ولا يمكن إلا أن أتباهى به، هذه فضيلة من عند الله عز وجل، كما كان أمرا طيبا عندما أعلنت أنني تراجعت عن بعض القضايا، وكما قلت، فمن المحمود أن نتراجع عما بدا لنا فيه خلل.. ولا ينبغي أن يُحصَر هذا الأمر في شخصي أو في المعتقَلين من هذه الفئة أو تلك، بل يجب أن يكون عامّا بين كل الناس، كل من له أداء فكري أو منتوج علمي فهو مطالَب بمراجعته وبالتراجع عنه إذا ما ظهر أنه كان خطأ، وبذلك، عندما يعلن المرء عن أخطائه، فإنه يتبرأ منها ويُعْلِم الناس أنه قد تراجع عن كذا أو كذا.