محمد بن محمد الفزازي، الخارج من ثمان سنوات سجنا، من أصل 30 سنة حوكم بها. قيل إنه زعيم «السلفية الجهادية» ويقول إنها ابنة زنا ! يتحدث من على كرسي اعتراف «المساء» عن «طيش الشباب» وكيف أحب وتزوج، وكيف كان يرسم اللوحات ويبيعها، ويوم غنى لعبد الحليم حافظ عام 1969 فأعجب به الملحن عبد النبي الجيراري، ثم يوم رأى والده يبكي على شريط للشيخ كشك، فكان ذلك سببا لتحوله العميق نحو «التوبة» ثم الانقطاع للعبادة وللعلم. على كرسي الاعتراف يُقِر الشيخ الفزازي، دونما مركب نقص، بأنه كان مخطئا يوم وصف علماء السعودية بعلماء الفاتيكان، وبأنه وصف الحركات الإسلامية بما لا يليق.. كما يعترف بأنه أساء أدبه مع الشيخ القرضاوي ومع آخرين... وصف الشيخ المغراوي ب«عالم السلطان». ووصف اليسار بالكفر... ليرجع عن كل ذلك يوم كان في السجن وقبل الإفراج عنه بسنين... -هل أنت وحيد والديك؟ أنا وحيد أمي، التي انفصلت عن أبي وعمري سنتان. كان أبي عنده 11 ولدا، أنا أكبرهم. ولدت يوم ال16 من ذي القعدة 1369 (1949 م) في قرية تسمى «باب السهم»، (وأرجو أن أكون «سهم خير»).. في قبيلة «مرنيسة»، التي تقع بين تاونات وتازة، وهناك بدأت دراستي في الكُتّاب، كجل البدويين. كانت الدراسة حينها تتم في المسجد فقط، حيث حفظت الجزء الأكبر من القرآن الكريم. في تلك الأثناء، كانت الثورة قد اندلعت، بقيادة جيش التحرير لطرد المستعمر الفرنسي، وكان والدي، الشيخ محمد الفزازي، قائدا لجيش التحرير في منطقة الريف (منطقة تاوفة)، وأذكر أنه في هذه المنطقة تَشرّف والدي بزيارة محمد الخامس شخصيا، في سنة 1957 أي إبان الاستقلال، بعدها انتقلنا، وأنا صغير، إلى قرية «تاركيست»، حيث تابعت دراستي، أيضا، في الكتاب إلى أن انتقلنا إلى الرباط. -لماذا انتقلتم إلى «تاركيست»؟ فرارا من الجيش الفرنسي، الذي كان يسيطر على منطقة «مرنيسة».. انتقلنا إلى المنطقة التي كانت تحت نفوذ الإسبان. كان والدي خريج جامعة القرويين وكان طالبا مجاهدا ومناضلا منذ صغره، وشاءت الظروف أن يكون هو قائد جيش التحرير في منطقة «مرنيسة». وفي سنة 1957، عُيِّن ضابطا في الجيش الملكي، وهو السبب الذي جعلنا ننتقل، لاحقا، رفقة الوالد، إلى مدينة الرباط، حيث التحقت هناك بمدرسة في شارع لبنان في حي «المحيط»، والتي هي الآن مدرسة المعلمين.. تسجلت هناك في المدرسة العصرية لأول مرة وتلقيت تعليمي على يد الفرنسيين، فزاوجت بين التعليم الأصيل وحفظ القرآن الكريم وبين التعليم العصري، إلى أن انتقلنا، بعد ثلاث أو أربع سنوات، إلى مدينة الحاجب، حيث قضيت هناك حوالي تسع أو عشر سنوات، بعد أن اشترى والدي ضيعة من 35 أو 40 هكتارا، ثم أخرى من 5 أو 6 هكتارات، وفيها بقيتُ مع جدتي، فيما انتقل الوالد إلى مدينة الراشدية، التي كانت تسمى، حينها، «قصر السوق». -هل اشترى والدكم مزرعة الحاجب بعدما عين للاشتغال هناك؟ لا، لم يتمَّ تعيينه هناك، بل عُيِّن مباشرة بعد الرباط في مكناس ثم في الراشدية، وفي الفوج ال25 من السرية الخامسة على ما أظن. كان قائدا هناك في الجيش الملكي في مدينة «قصر السوق» (الراشدية)، لكن شراءه المزرعة كان مسألة استثمارية ليس إلا، لأن منطقة الحاجب منطقة فلاحية... لاحقا، انتقلتُ، سنة 1968، للدراسة في ثانوية سجلماسة في «قصر السوق»، وهناك حصلت على شهادة التعليم الثانوي، التي خولت لي ولوج سلك التعليم، فالتحقتُ، مرة أخرى، بمدرسة المعلمين في الرباط. -في الحاجب، هل اشتغلت في الفلاحة؟ كنت، وأنا في سن المراهقة، أقوم ببيع غلة الضيعة، من تفاح وإجاص وخضر وكل المنتوجات الفلاحية المتوفرة... - أنت ابن منطقة مجاورة لمنطقة الريف وقضيت جزءا من طفولتك في منطقة «تاركيست» إلى حدود سنة 1957، حيث وقعت «انتفاضة الريف»، كيف عشت هذه المرحلة، لاسيما أن والدك كان ضابطا في الجيش الملكي؟ لم يشارك والدي، بحمد الله، في قمع هذه الانتفاضة، أنا حينها كنت طفلا صغيرا ولم أكن مُلِمّاً بما يحدث، لكنْ في ما بعد، علمتُ بالموضوع، لكنني متأكد من أن والدي لم يشارك في هذا القمع. لقد حدثت، فعلا، هجمة شرسة على الشعب، حيث استبيحت أعراض النساء وفُعلت «الأفاعيل» في القرى.. لكن، الحمد لله الذي نجّا والدي من تلك الفتنة. غير أنني أظن أن ذلك القمع لم يكن ممنهجا رسميا بقدر ما كان انفلاتا معزولا، والله أعلم، لكن هذا لا ينفي أنها كانت واقعة فادحة، للأسف الشديد، وألحقت جروحا بليغة وشرخا عظيما بين السلطة وساكنة الريف، وأظن أن الملك محمد السادس استطاع أن يعالج هذه الجراح بشكل جيّد. - عشت في الريف وفي الحاجب.. هل تتحدث الأمازيغية؟ لا، للأسف، لا أتحدث اللهجة أو اللغة الريفية التي أحبها كثيرا، لكنني أفهم بعض كلماتها. ونفس الشيء بالنسبة إلى «الشلحة»، فقد عشت حوالي عشر سنوات مع الأمازيغ في الحاجب، والذين لهم مكانة خاصة في قلبي، لقد كنت أفهم لغتهم من دون أن أتمكن من الحديث بها. - متى كانت نقطة تحولك العلمي؟ وقع تحولي إلى الدراسة الجدية سنة 1976 على يد الشيوخ والعلماء، ولاسيما والدي، الذي لازمته طويلا، وكذلك الدكتور تقي الدين الهلالي وأبي بكر جابر الجزائري والقاضي الزبير، الذي لازمته كثيرا في الدارالبيضاء، وصهري الفقيه العلامة محمد الجباري، رحمهم الله جميعا. - لكنْ، لماذا لم تكمل الدراسة الجامعية؟ كانت هناك ظروف خاصة حالت دون ذلك وكان هناك شيء من الانحراف في السلوك ولا مبالاة وأصدقاء السوء.. كل ذلك وقع في غفلة من الأسرة. لكن هذا الوضع سيتغير رأسا على عقب بعد 5 أو 6 سنوات، وبالضبط سنة 1976، حيث شرعت في الدراسة بكل جدية. - نعود إلى التحاقك بمدرسة تكوين المعلمين في الرباط، احك لنا عن هذه المرحلة؟ تخرجتُ من مدرسة تكوين المعلمين في الرباط سنة 1970، وخلال الدراسة هناك، كنت، أيضا، أتردد على جامعة محمد الخامس في الرباط وتابعت دروس الفلسفة، التي كان يلقيها الدكتور رشدي فكار، رحمه الله، وهو مصري الجنسية، وكان من الأعمدة البارزة في الفلسفة... هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فقد تم تعييني مدرّسا، بعد ذلك، في إقليمفاس. - في أي سنة كان ذلك؟ وكم كان عمرك؟ كان ذلك سنة 1970، وكنت، حينها، قد بلغت ال22 من عمري، لكنْ في تلك الأثناء لم يكن التزامي بالإسلام ذا بال، كنت «بدون بوصلة» وبدون اتجاه... -كنت تصلي حينا وتترك الصلاة أحيانا؟ لا، (يضحك) لم أكن أصلي لا حينا ولا أحيانا.. كنت «حداثيا» من الطراز الرفيع!... -هل يعني هذا أن الحداثة ضد الدين؟ على ما يبدو، هي في فهم الكثير من الناس تعني الاستباحة والاستخفاف وتعني التجرد من القيود. ألا ترى إلى بعضهم كيف يثيرون مسألة الحداثة كلما كان هناك شيء من التمرد على الأخلاق الرفيعة وقيم الأمة الخالدة؟... - على أي شيء كان ينصب اهتمامك، يومها؟ حينها، كان اهتمامي كاهتمامات سائر الشباب: قضاء الوقت في لا شيء، في الغناء، في الموسيقى أو في الرسم.. طبعا، هذه الأمور بالنسبة إلى الكثيرين لا تعني لا شيء، بل تعني كل شيء. - بالنسبة إليك الآن أتعني لا شيء؟ أنا لست ضد الفن، لكنني مع الفن الراقي، مع الفن الخلاّق، الفن الذي يُهذّب.. لقد كنت أمارس الرسم بل وأبيع اللوحات في 1969 و1970 حتى أتحصل على مصروف الجيب، كنت، حينها، ما أزال طالبا، كنت أرسم بورتريهات ولوحات كلاسيكية، وحتى تجريدية، أحيانا.. وكنت مولعا بالغناء، حتى إنني غنيت في دار الإذاعة في 1969 في برنامج «مواهب»، مع الأستاذ عبد النبي الجيراري. - أي أغنية أديت؟ أديت أغنية «سواح» لعبد الحليم حافظ (يضحك). - هل كان عبد الحليم حافظ مطربك المفضل؟ كنت شغوفا به جدا، حتى إنني سميت ابني الأول عبد الحليم، تيمّنا ب»العندليب الأسمر» كما يلقب. لكني كنت «مدمنا» على الأغاني الكلاسيكية لمحمد عبد الوهاب وأم كلثوم وآخرين، ومن المغرب، أحببت عبد الهادي بلخياط كثيرا، لاسيما في رائعته «القمر الأحمر»...