محمد بن محمد الفيزازي، الخارج من ثمان سنوات سجنا، من أصل 30 سنة حوكم بها. قيل إنه زعيم «السلفية الجهادية» ويقول إنها ابنة زنا ! يتحدث من على كرسي اعتراف «المساء» عن «طيش الشباب» وكيف أحب وتزوج، وكيف كان يرسم اللوحات ويبيعها، ويوم غنى لعبد الحليم حافظ عام 1969 فأعجب به الملحن عبد النبي الجيراري، ثم يوم رأى والده يبكي على شريط للشيخ كشك، فكان ذلك سببا لتحوله العميق نحو «التوبة» ثم الانقطاع للعبادة وللعلم. على كرسي الاعتراف يُقِر الشيخ الفزازي، دونما مركب نقص، بأنه كان مخطئا يوم وصف علماء السعودية بعلماء الفاتيكان، وبأنه وصف الحركات الإسلامية بما لا يليق.. كما يعترف بأنه أساء أدبه مع الشيخ القرضاوي ومع آخرين... وصف الشيخ المغراوي ب«عالم السلطان». ووصف اليسار بالكفر... ليرجع عن كل ذلك يوم كان في السجن وقبل الإفراج عنه بسنين... - انتقلت إلى طنجة في سنة 1980، في تلك الفترة كانت أصداء الثورة الإيرانية، التي وقعت في نهاية سنة 1979، قوية في الشارع المغربي والحركة الإسلامية بالخصوص، كيف تفاعلت، حينها، مع تلك الثورة؟ بالنسبة إلي، كانت الثورة الإيرانية سفينة نجاة، كان لا بد أن نضع أنفسنا في ذلك المناخ يومها، حيث كان التمظهر بمظاهر الإسلام من قبلُ منعدما إلا في صفوف العجائز. كانت تلك، إذن، أول مرة نسمع فيها أن أولئك الملتحين يقومون ب«ثورة» وتقوم لهم دولة، فكنا، إذن، حينها نتظاهر بأننا مغاربة، رغم أن قلوبنا مع إيران. كنا لم ندرك بعدُ البعد الشيعي والبعد العقدي للثورة، كانت هناك أشياء كثيرة لم ندرسها، وأذكر أنني كنت ألتقط إذاعات إيرانية بالعربية موجهة للعالم العربي، بهدف «تصدير الثورة» إلى جل الوطن العربي الإسلامي، وقد كانت هناك عداوة قوية بين الحسن الثاني وآية الله الخميني.. المهم هو أن الثورة الإيرانية تركت، فعلا، بعض البصمات في حياتي. - هل أثرت عليك فقط فكريا أم حتى تنظيميا، لأن بعض الجماعات الإسلامية في المغرب بدأت حينها، بالفعل، تفكر في اقتفاء الأثر الإيراني في أفق تحقيق ثورة مغربية على منوال إيران؟ كنتُ غير ناضج إلى هذا المستوى، لذلك لم يتصل بي أحد، ربما رأى فيّ رجال عبد الكريم مطيع الرجلَ غير المناسب، ثم إن شغلي الشاغل كان هو الدراسة وتوسيع مجالات اطلاعي، لذلك لم ألتحق، يومها، بأي جماعة أو تنظيم غير «جماعة الدعوة والتبليغ»، التي من سياستها أنها لا تهتم بالسياسة. - جئت إلى طنجة في سنة 1980، والمدينة تضم، حينها، أقطابا علمية كبيرة من طينة الراحل عبد الله كنون وآل الصديق، بمختلف أسمائهم واختياراتهم، هل جالستهم حينها؟ كلهم علماء مقتدرون، وقد استفدت منهم كلهم، جالستهم لكن ليس مجالسة دراسية، وإن كنت، في الحقيقة، أقرأ لهم وأتابع مناظراتهم وكنت أحضر خطبهم في أيام الجمعة، قبل أن أصير خطيبا رسميا في مسجد الموحدين، كما جالست الأستاذ عبد الله بن الصديق، رحمة الله عليه، في الزاوية، واستمعت إليه. - هل ناقشته في موضوع تصوفه، الذي أعلم أن لك ملاحظات عليه؟ لا، لم أناقشه، ولم يكن لمثلي أن يناقش مثله - كيف؟ أعني أنه كان في خاتمة عطائه العلمي، الغزير، في حين كنت، أنا، في بداية الطريق. يمكن القول إنني فعلت ذلك حبا في الإطلاع أو من باب الفضول، كما كان يعجبني أن أستمع إلى أخيه الشيخ عبد العزيز بن الصديق، رحمه الله، والذي كان ثوريا ضد تعليمات وزارة الأوقاف. - عبد العزيز بن الصديق كان عالم دين وعضوا في «الاتحاد الاشتراكي»؟ طبعا، حينها كان منخرطا في حزب «الاتحاد الاشتراكي» وربما شارك في الانتخابات أو دعا إليها... -كيف كنت تجد، وأنت صاحب توجه سلفي، هذا الشيخ، الذي يزاوج بين الفكر الأصولي وبين اختياراته السياسية الاشتراكية؟ تصوري في ذلك الحين أنه لم يكن سديدا، شيخ ارتمى بين أحضان الاشتراكيين، لا يمكن أن يجد من مثلي إلا الرفض. صحيح أنه كان يزاوج بين هذا وذاك، ولا أنكر أنني كنت أستفيد منه، خاصة في علم الحديث، الذي كان من رواده، كما أنه كان ذا شخصية قوية جدا، وكانت تستهويني هذه الشخصية. كنت، في تلك الفترة، أستمع، أيضا، إلى دروس الشيخ محمد الزمزمي (الشريف) رحمه الله، الذي كان خطيبا ومدرّسا في «مسجد هدي الرسول» في «حي حسنونة» في طنجة. - في طنجة، حينها، كان هناك أيضا الراحل عبد الله كنون، أول رئيس للمجلس العلمي في المغرب.. هل كنت تنظر إليه كعالم رسمي؟ زرته في بيته وأكلت من طعامه، في سنة 1982 تقريبا، وقد تحدثت معه عن الثورة الإيرانية واشمأزت نفسي عند ذكره للخميني والثورة الإيرانية على أنها شر ومصيبة، فكنت أقول سبحان الله، كيف يفكر هذا الشيخ.. لكنْ، في ما بعدُ، تبيَّن لي أنني كنت على خطأ وأن الشيخ عبد الله كنون، رحمه الله، هو من كان على صواب. - هل كان مجيئك إلى طنجة اختيارا أم إن الإدارة ارتأت نقلك إليها؟ كان مجيئي اختيارا شخصيا، نظرا إلى جمال المدينة الخلاب، كما كانت زوجتي من منطقة الشمال وأصهاري، أيضا.. كنت آتي إلى طنجة وتطوان في أيام العطل فاستهوتني المنطقة وأسرتني بسحرها. - جئت إلى طنجة واشتغلت في التعليم و«الدعوة»، في أي من هذين المجالين كنت تجد نفسك؟ اشتغلت في مدرسة هي الأولى والأخيرة، وهي «مدرسة عمر بن الخطاب»، في الحقيقة، كان التدريس عندي موردا للرزق ليس إلا، يعني لا أنا هاو ولا أنا راض، اللهم إلا ما تعلق بدعوة التلاميذ إلى تعاليم الدين الحنيف. - هل كنت تعتبر نفسك تشتغل في نظام تعليمي لا ترضى عنه؟ تماما، أما شغلي الشاغل فكان في المحاضرات والندوات والمناظرات، وفي الردود والكتابات، وكان أول كتاب ألّفته سنة 1990 تحت عنوان «رسالة الإسلام إلى مرشد جماعة العدل والإحسان»، وهو كتاب من 344 صفحة، ومنذ ذلك الحين، دخلت عالم الكتابة. - وماذا كان هدفك من تأليف هذا الكتاب حول عبد السلام ياسين؟ أعتبر هذا الكتاب نوعا من الحوار الهادئ والهادف. كنت أرى أن هناك بعض الأشياء المخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة، وقد كنت أركز على بعض الأمور في كتابات الشيخ عبد السلام ياسين وأستدل من القرآن والسنة لتبيان ما فيها من انحرافات، حسب فهمي. - هل التقيت عبد السلام ياسين وحاورته؟ التقيت الشيخ عبد السلام ياسين مرة واحدة، لا ثانيَّ لها، كان ذلك في جلسة في منزل في «حي الدرادب» في طنجة، سنة 1980 أو 1981، على ما أظن. - حدث ذلك قبل أن تردّ عليه؟ نعم، قبل ذلك بمدة، جلسنا في جلسة خاصة. - عن أي شيء سألته، وما الذي قاله لك هو؟ كنا، حينها، في جلسة «استقطاب»، ثم إنني في سنة 1980 كنت أصغر منه بكثير وأقل منه تجربة بالتأكيد، فأنا كنت ما أزال حديث عهد بما يتعلق بالفكر والتوجه الإسلامي، وكان الشيخ ياسين يتكلم فيما نحن ننصت. - ما هي الملاحظة التي خرجت بها من هذه الجلسة؟ جلست معه ولدي خلفية من التصوف، لذلك لم تكن لي ثقة عمياء فيه أو اندفاع كلي تجاهه.. يعني أن الشيخ ياسين كان يتكلم ولكن كلامه عندي محط حذر، كنت أسمعه بخلفية سلفية، فأنا لم تكن لي صلة بالصوفية وكانت نفسي دائما تفر من هذا التوجه. - وما زالت كذلك؟ لا أقول ولا زالت. اليوم، وكما قلت لبعض أصدقائي أثناء فترة السجن، وبعد التفكير والتفكر والتدبر، قررت مع نفسي أن معركتي لن تكون مع أهل المرجعية. أقول المعركة، أما النصح، فالدين النصيحة. - في طنجة كانت هناك أيضا حركة سياسية يسارية تتواجد في قطاع التعليم، وكان هناك نشاط نقابي مكثف، هل كنت منخرطا في النقابة؟ لقد انخرطت في نقابة يسارية منذ أن كنت في مدينة المحمدية، وهي الكونفدرالية الديمقراطية للشغل لزعيمها نوبير الأموي، لكنْ بعد ذلك انتهيت من هذا الأمر.