كل اللحظات الكبرى في تاريخ البشرية خلقتها ثورات، لكنْ لم تتمخض عن كل الثورات لحظاتٌ كبرى.. وأغلب الثورات بدأت بشرارة أوقدها أناس بعضهم لا يعرفون معنى الثورة.. لكنْ لم تكنْ كل الثورات عفوية، إذ منها ما كان حصيلة تأطير وتخطيط ويستند إلى نظرية.. إنها ثورات أفراد ضد جماعات وثورات جماعات ضد مجتمعات وثورات مجتمعات ضد أقليات، مستضعَفين ضد طغاة... حدث هذا منذ غابر الأزمان وما يزال يتكرر اليوم في أزمنة وأمكنة غير متشابهة وتكاد تكون متناقضة، منها ما كان فاتحة تاريخ جديد، حيث ما بعدها قطيعةٌ مع ما قبلها، ومنها ما كان وظل خارج منطق التاريخ، مر كوقع الزر على الرمل لم يترك صدى، ومنها ما كان دمويا وعنيفا وقاسيا، ومنها أيضا ما كان سلسا وسلميا وهادئا، فمن «ثورة العبيد» على الإمبراطورية الرومانية، بزعامة سبارتاكيس، في القرن الأول قبل الميلاد، و«ثورة الزنوج» على خلفاء بني العباس، مرورا ب«ثورات الأحرار» في عصر الأنوار، وصولا إلى «الثورات الرقمية»، المعاصرة، التي «يكتبها» الشباب العربي اليوم، تتعدد أساليب الثورة والمنطق واحد: الرغبة في إرساء واقع جديد، الرغبة في التحرر والانعتاق... رومانيا هي إحدى دول أوربا الشرقية، تشرف على البحر الأسود وتقع بين كل من بلغاريا وأوكرانيا. تشتهر بكثرة الأماكن السياحية، التي تأتي السياحة الطبيعية على رأسها، والتي تضم الجبال والسواحل والغابات، في انسجام وتوافق رائع، مما يشكل العديد من عوامل الجذب السياحي. ورغم الجمال الطبيعي التي تتمتع به الدولة، فإنها تدفع ضريبة هذا الجمال، فتتعرض للكثير من المخاطر الطبيعية، مثل الزلازل والانهيارات الأرضية، وخاصة في منطقة الجنوب والجنوب الغربي من الدولة. تشترك رومانيا في حدودها مع عدد من الدول الأوربية، فتحدها مولدوفيا من الشمال الشرقي وأوكرانيا من الشمال، المجر من الشمال الغربي وصربيا من الجنوب الغربي، وبلغاريا من الجنوب. وتطل رومانيا على البحر الأسود من الجنوب الشرقي. عرفت رومانيا قديماً من خلال «داسيا» القديمة، وهي الدولة التي قام «الجيت» -أحد شعوب المنطقة الواقعة شمال اليونان- بتأسيسها خلال القرن الثاني قبل الميلاد. وخلال القرن الثاني الميلادي، أصبحت «داسيا» إقليما رومانيا تحت حكم الإمبراطور تراخان. شهدت المنطقة العديد من الغزوات المتتالية من قبل كل من «الغوث»، «الهونس»، البلغار، والمغول وغيرهم. وخلال القرن ال14، تم إنشاء إمارتين مستقلتين، هما «فلاشيا» و«ملدافيا»، جاء بعد ذلك سيطرة الحكم العثماني على رومانيا، في الفترة ما بين النصف الثاني من القرن ال14 والقرن ال19. وقد تم توحيد البلاد مرتين: المرة الأولى بتوحيد ملدافيا وفلاشيا وترنسيلفانيا تحت حكم إيتيان السادس الأكبر، ثم في المرة الثانية تحت حكم ملك فلاشيا، ميشال الباسل. تمكنت روما من الحصول على استقلالها بعد انعقاد مؤتمر برلين وأصبحت ملكية عام 1881. حاربت ضد بلغاريا في حرب البلقان الثانية عام 1913، ثم شاركت في كل من الحرب العالمية الأولى، عن طريق مساندتها الحلفاء، وقد تمت مكافأتها عن ذلك بمضاعفة مساحتها، ثم شاركت في الحرب العالمية الثانية إلى جانب قوى المحور، وقد تمكنت القوات السوفيتية من احتلال البلاد عام 1944. عقب الحرب العالمية الثانية، وصل الشيوعيون إلى السلطة عام 1945، وتنازل الملك ميشال الأول عن عرشه عام 1947 وتم إعلان الجمهورية الشعبية الرومانية عام 1948، ووضع دستور مطابق لدستور الاتحاد السوفيتي. قامت الثورة الوطنية في رومانيا عام 1989، والتي شكلت مرحلة جديدة ساهمت في إرساء الديمقراطية. وفي عام 1995، طلبت رومانيا الانضمام إلى الاتحاد الأوربي، وسعت البلاد نحو سلسلة من الإصلاحات في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهي ثورة استمرت لمدة أسبوع وتمكنت من الإطاحة بالديكتاتور نيكولاي تشاوتشيسكو. تصاعدت أعمال العنف خلال هذا الأسبوع، حتى أدت إلى الإطاحة بالشيوعية في البلاد وإنشاء أول نظام ليبرالي في البلقان. أدت » الثورة إلى وفاة 1.104 أشخاص، بمن فيهم الرئيس المخلوع وزوجته إلينا. يذكر أن هذه الثورة تمت خلال تجمع حشود كثيرة في ساحة أوبيريي في تيميشوارا (26 يناير 1918 -25 دجنبر 1989) رئيس رومانيا الأسبق من عام 1974 حتى 1989. كان يتولى منصب السكرتير التنفيذي للحكم الشيوعي الروماني عام 1965، ثم تولى الرئاسة عام 1974. حكم البلاد بقبضة من حديد، واتسم حكمه بالشدة والدموية، رغم بعض الإنجازات في مجالات تنموية وعلمية وثقافية، حتى قامت ثورة ضده أيّدها الجيش، فهرب مع زوجته، إلا أنه لوحق ثم حوكم من قِبَل عدد من ضباط الشرطة العسكرية وصدر عليه وزوجته حكم الإعدام، في أسرع محاكمة لديكتاتور في القرن العشرين. أُعدِم مع زوجته ونقلت لحظات الإعدام شاشات التلفزيون. خلفه في الحكم إيون إيليسكو. أصيب تشاوشيسكو بجنون العظمة في نهاية حياته، فكان يطلق على نفسه «القائد العظيم» و»الملهم» و»دانوب الفكر» (نسبة إلى نهر الدانوب) و»المنار المضيء للإنسانية» والعبقرية الذي يعرف كل شيء»... كان لا يقبل أي انتقاد ولا يبدى أي رحمة تجاه معارضته، ومما زاد في غروره وفي جنون العظمة عنده وجود المنافقين والمطبّلين حوله، والذين كانوا يصفونه بأوصاف مُبالَغ فيها، كوصفه ب«يوليوس قيصر» وب«الأسكندر الأكبر» و«منقذ الشعب»... وأن عصره هو «العصر الذهبي» وبأنه «الشمس التي تبعث الدفء»... حتى كرهه شعبه وقام بالثورة عليه. وقد تم عقد مقارنة بين ما يملكه تشاوشيسكو وما تملكه ملكة بريطانيا، فذكروا أن ملكة بريطانيا لديها مكتب واحد، بينما لدى لتشاوشيسكو ثلاثة مكاتب، وأن لملكة بريطانيا ثلاثة قصور، بينما لدى تشاوشيسكو خمسة قصور، في أحدها 1000 غرفة.. وقدرت قيمة بناء ذلك القصر بعدة مليارات من الدولارات، فقد بلغت مسطحات بناء ذلك القصر 45000 م2 وارتفاعه عن الأرض 100 متر، وقد شارك في بنائه 15 ألف عامل، عملوا ليلاً ونهاراً، حتى تم بناؤه. كما كان يمتلك 39 فيلا فاخرة ويعيش في بذخ فاحش، بينما يعيش معظم شعبة تحت مستوى الفقر، في ظل حكم شيوعي قمعي لا يرحم. وكان يمتلك تسع طائرات مجهزة، وكأنها قصور طائرة وثلاث قطارات خاصة به، كبيوت متنقلة عبر أنحاء رومانيا. بدأت الثورة بأحداث مدينة تيميشوارا في ال 16 من دجنبر من عام 1989. وقد حاولت السلطات الشيوعية آنذاك السيطرة على الوضع بإصدار أوامر صارمة للشرطة والجيش بالتدخل لقمع ثورة تيميشوارا، حيث قتل عشرات الأشخاص وجرح المئات وتم اعتقال أكثر من 1000 شخص، وفي العشرين من دجنبر، تراجع الجيش إلى ثكناته، في حين استطاع الثوار السيطرة على المدينة. وفي ال21 من نفس الشهر، انتقلت الثورة إلى العاصمة بوخارست وحاولت السلطات قمعها من جديد، بعنف وتعسف، وبلغت الثورة ذروتها في ال22 من دجنبر، عندما تظاهر مئات الآلاف أمام مقر اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الروماني ونجحوا في محاصرة المبنى ورفعوا شعارات ورددوا هتافات مناوئة للنظام، مما اضطر الديكتاتور تشاوشيسكو إلى الفرار باستخدام طائرة مروحية، إلا أنه سرعان ما تم القبض عليه وعلى زوجته، وتمت محاكمتهما بسرعة من قِبَل محكمة عسكرية وصدر حكم بإعدامهما على الفور، ليُنفَّذ في حقهما الحكم في صبيحة عيد الميلاد... تفجرت المظاهرات في رومانيا فجأة وبشكل لم يكن متوقعاً، وخصوصاً بعد أن قامت قوات الرئيس بقتل عدد من المتظاهرات من الطلبة في 20 دجنبر من عام 1989. وكانت المظاهرات العنيفة قد وصلت إلى قصر الرئيس الفخم، فخرج تشاوشيسكو يخطب فيهم. لكن المتظاهرين كانوا يهتفون ضده، مما اضطره إلى قطع خطبته. وفي اليوم التالي، ازدادت المظاهرات حدة، رغم عدد القتلى، الذي فاق المئات، والجرحى، الذي تعدى الألوف، فغصّت بهم المستشفيات واستطاع المتظاهرون محاصرة القصر وأخذت أصوات المتظاهرين تهدر، مما أصاب تشاوشيسكو بالرعب، فاضطر إلى الهروب عن طريق الممرات السرية لقصره وبواسطة طائرة هليوكوبتر حطت به هو وزوجته خارج المدينة، استقل بعدها سيارة سرقها أعوانه من إحدى المزارع للبحث عن مخبئه السري الخاص، الذي لم يعرف مكانه، فاستطاع الفلاحون القبض عليه وتسليمه للسلطة، فخُصِّصت له محاكمة سريعة تم تسجيلها على أشرطة بثتها إحدى شبكات التلفزيون الفرنسية، فكانت حدث العام... وقد كان تشاوشيسكو مع زوجته أثناء محاكمتهما في غاية العصبية وجنون العظمة، فقاما بشتم القضاة، مما اضطر المحكمة إلى تنفيذ حكم الإعدام في حقهما. وحين أدرك تشاوشيسكو أن الموضوع جدي، أخذ يبكي كالأطفال، خصوصاً حين قام الجنود بتقييده قبل إطلاق الرصاص عليه. وقد قامت زوجته العجوز، والبالغة من العمر 73 عاماً، بضرب أحد الجنود على وجهه، حين حاول تقييدها قبل تنفيذ حكم الإعدام فيها. ويحوم الغموض حول إعدام تشاوشيسكو وزوجته، فقد اتضح، من خلال الصور التي التُقِطت له ولزوجته، أنه لم تسلْ منهما دماء، ويُعتقَد أنه تم إطلاق الرصاص عليهما بعد موتهما بفعل التعذيب .