في المسرحية التي ترجمها عبد المجيد الهواس وأخرجها لمسرح أفروديت، والمعنونة ب»نوستالجيا» وهي ترجمة لمسرحية «قصة دببة الباندا يرويها عازف سكسفون له خليلة بفرانفكورت» للكاتب الروماني ماتيي فيزنياك، نقرأ تجربة في الحلم الإنساني، ونتعرف عن هذا الكاتب الذي لا نعرف عنه إلا الشيء القليل في العالم العربي. كاتب ملتزم بقضايا الإنسانية عاش مطرودا أو مطاردا أو مشردا من بلد إلى آخر، لا أحد يعترف بموهبته ولا بمأساته في الوقت الذي كانت فيه رومانيا تعيش وضعا مأساويا بسبب هيمنة الحزب الوحيد وسلطة الديكتاتور تشاوسيسكو، قبل أن يقول حكم الشعب كلمته بإعدام هذا الأخير، لكن قبل ذلك كان هذا الكاتب الروماني المحتج قد قال كلمته وأطلق النار أدبيا على الطغيان في كل مكان و في كل زمان. ليس هنا مكان الحديث عن المسرحية، ولكنها فسحة للحديث عن فكرة إصدار كتاب مسرحي تقوم به فرقة شابة مغربية لا إمكانيات لديها، وهي خطوة في غاية الأهمية لأنها تأتي كي توثق من جهة للعمل المسرحي، ومن جهة ثانية تساهم في التراكم الفني. ونحن نعرف أن المسرح المغربي وبعد أكثر من ستين سنة من التجربة الهاوية والمحترفة، لا نجد في جعبته إلا القليل من الأرشيف، في الوقت الذي تذرو رياح الإهمال الأرشيف الخاص في ظل الوضع الشخصي الصعب للحياة الفردية للممارس المسرحي المغربي. لا نتوفر في المغرب على مسارح أو فرق مسرحية بالمعنى الواسع للكلمة، كل ما هناك جمعيات قابلة للذوبان والاندثار كلما لحق بأصحابها أو بمن هم وراءها غوائل الزمن وآفاته، وما أكثرها في الساحة الفنية والثقافية المغربية، وما أشد المتلاعبين بمشهد هش والمجربين فيه شتى المباضع، حتى أصبح بعض أمواس الحلاقة متخصصين «فنيا وثقافيا» في «الحلق «للمشهد الثقافي في البلاد و«تكييفه» على مقاسهم وأحجامهم وطول أو قصر باعهم. مغامرة عبد المجيد الهواس أو لنقل مغامرة مسرح أفروديت، هي إقدام عالي التفكير وبعيد الأهداف، وهو قد فتح الطريق أمام زملائه في الفرق المسرحية المغربية الأخرى لأن تخطو خطوات في هذا الاتجاه، فلعل وعسى نجد في السنوات القادمة بعضا مما يمكن أن نضع عليه اليد، بحثا ودراسة وتوثيقا. لا يكتفي الهواس بإصدار كتاب المسرحية ولكنه يضيف عليه و«يحليه»، وبدل أن يصبح الإصدار مجرد كتاب مسرحي، يتحول إلى كتاب مسرحي مهني. فعلاوة على الإشارات المسرحية، يكتب عبد المجيد الهواس سينوغرافيا العرض أو يقدم نموذجا لتصميم الملابس أو يبسط رؤيته الإخراجية، كل ذلك مبسوط ومشروح، بالعلم والمعرفة، حيث ندخل إلى بيت خزائن المخرج وإلى أسراره، بعد أن كان ذلك مستحيلا في الفترة السابقة من المسرح المغربي. لا مجال هنا للعبة الاستغماية، ومن أراد أن يلعب اللعبة الفنية الكاملة، عليه أن يلعبها بأصولها ووفق منطقها العلمي، فرجل المسرح ليس مجرد أستاذ في الجامعة لا يعرف عن «الأمبريقا «شيئا، بل هو بالدرجة الأولى رجل ممارس، يطور الأشكال والصيغ في الأرض وليس في السماء. وكل رمضان وأنتم بألف مسرح ياأهل المسرح..