هناك إحساس، حتى وإن كان غير معلن لدى الجيل الشاب من المسرحيين المغاربة، بأن العمل المسرحي الذي يخوضون فيه يواجه على وجه الخصوص مشاكل التصريف، أو سؤال المستقبل تحديدا. وهو سؤال طبيعي تطرحه كل ممارسة إنسانية كيفما كانت طبيعتها وعملها، فعندما تجرب شيئا طيلة أكثر من عشر سنوات ولا تجد لتجربتك سبيلا آخر، فإن الأمر يتحول إلى طحن للماء، ودوران في نفس المساحة، ولوك لذات الطبيعة الممجوجة من الممارسة المعطوبة، وأزمتها المتناقلة على أفواه الجميع. ونقصد بالسبيل الآخر انغلاق هذه التجربة على نفسها، فهي لا تذهب إلى غيرها من التجارب، ولا تخرج إلا بالكاد من خريطة الوطن، وحين يكون لها حضور في خريطة المهرجانات المسرحية لا يكون ذلك إلا من قبيل الصدقة والمن على ثقافة مغربية موجودة في أقصى العالم العربي، ينظر إليها الأخ المشرقي على أنها محظوظة ومدعومة بما يكفي من طرف الربيبة فرنسا وأثدائها الكبيرة التي يصل خيرها العميم إلى كل مكان، بينما الغالبية العظمى من المشتغلين بالفنون المسرحية لا يعرفون عن حركة المسرح، أو «المرسح» على تعبير الراحل ألفريد فرج، أي شيء. إنهم يعرفون الطيب الصديقي، ويعرفون ثريا جبران، ويعرفون عبد الحق الزروالي، ويعرفون كاتبا مسرحيا مثل عبد الكريم برشيد، ولكن من يعرف الآخرين، أقصد من يساعد على أن يكون شباب الممارسة المسرحية في المغرب معروفين في أنحاء العالم العربي، في الوقت الذي لا يوجد فيه «لوبي مغربي مسرحي» قوي، اللهم من بعض الاختراقات اليتيمة لمسرحي مثل عبد الرحمان بن زيدان أو لرجل نقد مثل بشير قمري أو لمسرحي وكاتب بنكهة مغربية مثل يوسف فاضل أو لتجارب مسرحية جديدة مثل تجربة مسرح أفروديت أوتجربة أصحاب مسرحية « بلادي مون بيي».. أو غيرها من تجارب تستدعى لهذا المهرجان أو ذاك، دون أن يعني ذاك كبير تعاون، وليبقى الأمر برمته مرهونا إلى علاقات عامة مهزوزة، وإلى غياب لمبادرة رسمية بحثا عن «محاصصة» ثقافية ومسرحية على طول خارطة العالم العربي، وفي مهرجاناته، وبالأخص في الدعم الذي يتلقاه من مؤسسات ناشئة كما هو حادث اليوم مع الهيئة العربية للمسرح، والتي أحدثت من طرف حكومة الشارقة، وهي المبادرة التي ينتظر أن تكون فيها للمغرب وللمسرحيين المغاربة حصة مهمة، لكون وزيرتهم في الثقافة قد نالت جائزة الشارقة المسرحية وكرمت هناك، ولكون المشارقة، وأهل الخليج على وجه الخصوص، ينظرون نظرة إعجاب إلى الثقافة المغربية. لكن من يوصل الأصوات والأسماء المناسبة في الوقت المناسب، ومن يفكر بمنطق المستقبل الرابح لهذه الثقافة ولشبابها، فبلدوزر الوقت عندما يمر لا ينفع حينها الأسف الشديد. حين نطالب اليوم بحصة في المشهد الثقافي العربي، فإن مطالبنا مشروعة تماما، فإما أن ننتمي إلى هذا العالم العربي بكل ويلاته وخيراته، وإما ألا ننتمي، ونبحث لنا عن وجهة أخرى، حتى نريح ونستريح. هل هذا مفهوم؟