صبيحة جمعة الاستفتاء على الدستور الجديد، والتي أشّرت، منذ طلوع الشمس، على «حرارة» غير عادية، في يوم غير عادي، وفي الطريق إلى مكاتب التصويت، المتناثرة في العديد من مقاطعات الدارالبيضاء، والتي على كثرتها، قلما تجد من المواطنين من يرشدك إليها، إذ يكون جواب جل من التقتهم «المساء» وسألتهم عن أقرب مكتب للتصويت أن العملية تجري في إحدى المدارس، هكذا دون ذكر لاسم المدرسة أو مكان تواجدها على وجه الدقة، مما يوحي بأن نسبة كبيرة من الكتلة الناخبة غير مكترثة للحمى السياسية التي عرفها المغرب، يوم التصويت على أول دستور للعهد الجديد، والذي أعلنت الموافقةَ عليه جل التنظيمات السياسية والنقابية في البلاد. لكن مع مرور الوقت، أي في حدود العاشرة صباحا سرعان ما تبدد هذا الاعتقاد بعض الشيء عندما بدت الحركة تدب وسط المواطنين الراغبين في الإدلاء بأصواتهم. وقد شوهد عبد الرحمان اليوسفي الزعيم الاتحادي ينزل من سيارته أمام ثانوية ولادة ليدلي بصوته في مشروع الدستور، فيما أدلى صلاح الدين مزوار، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار بصوته في مكتب للتصويت بشارع مولاي يوسف. بعض الصحافيين من الجرائد المستقلة وجدوا صعوبة في الدخول إلى هذا المكتب لالتقاط صور للناخبين لولا تدخل مزوار، ذلك أن المسؤولين بالعديد من مكاتب التصويت سمحوا فقط بدخول القناتين الأولى والثانية ووكالة المغرب العربي للأنباء. أما في «مدرسة البشيري»، المتواجدة في المقاطعة ال11 (البطحاء) بالقرب من «حي المعاريف»، والتي شملت مكاتب التصويت من 117 إلى 122، فقد طبع «الضعف» و»التذبذب» حركة دخول وخروج المشاركين في عملية التصويت، وحتى المكاتب من داخل هذه المدرسة، فقد ارتسمت على محيى الساهرين على العملية علامات الانتظار، وما إن تقف بباب أحدها، حتى تنهال عليك عبارات الترحيب والشكر على جميل قدومك. هكذا، إذن، بدت أجواء عملية التصويت على مشروع الدستور الجديد صباح الجمعة في بعض أحياء العاصمة الاقتصادية للمملكة، إلا أن هذا قد يختلف عما هو عليه الأمر في الأحياء الشعبية، فيما توقع مواطنون سألتهم «المساء» أن تشهد عملية التصويت إقبالا كبيرا في الفترة المسائية، أي مباشرة بعد صلاة الجمعة. مقابل هذا، بدت الحركة في بعض الأحياء والشوارع وفي بعض الأماكن العمومية شبة عادية، وبدا الناس منشغلين بأعمالهم أكثر من أي شيء آخر، ولم يلاحظ على المقاهي، مثلا، أي نقص في الزبناء. أما الحديث بين رواد هذه الأماكن العمومية، ممن تناهى إلينا حديثهم، فلم يتجاوز كلامهم العموميات، ولا حديث بين الطلبة، على سبيل المثال، إلا عن الامتحانات وعن طبيعة النتائج المحصل عليها. في إحدى المقاهي المعروفة بكونها ملتقى للطلبة، والملقبة ب»ملحقة جامعة الحسن الثاني»، قال «ياسين م.»، وهو طالب في العشرينيات من العمر، عند سؤاله عن موقفه من الدستور وما إن كان قد صوت ب»نعم» أو «لا» بأنه لم يذهب، أصلا، إلى مكتب التصويت، لظروفه الخاصة، وتابع قائلا: «كنت سأصوت ب»نعم» على الدستور الجديد، لو قُدِّر لي أن أشارك، لأن تغييرات كثيرة حملتها الوثيقة الجديدة، ستغيّر وجه المغرب، في حال أحسنت النخب التعامل مع الوضع الجديد»، فيما يقول طالب آخر إنه ضد هذه العدمية الرافضة لكل شيء، مشددا في الوقت نفسه أن الدستور الجديد خطوة هامة في الاتجاه الصحيح وسيصوت لفائدته بنعم.