إذا كان من البديهي أن هذا الإجراء من تدبير الجهات المتنفذة التي تستفيد من وضعية التعفن والإفساد، فإن مجلس القضاء، الذي يتولى البحث في النازلة، أبدى انحيازا واضحا إلى الطرف المدعي المتحالف مع تلك الجهات، وإلا كيف يمكن تفسير طلبات الدفاع المستميتة لتحرير الظنين مؤقتا دون جدوى، مع توفر كافة الضمانات، مادام هذا الأخير يملك ويدير أربع مؤسسات في مجال الإعلام والتوزيع، لكن رغم ذلك فإن القرار السالب للحرية كانت له عواقب سلبية وإيجابية لم تقدرها الجهات المتنفذة حق قدرها، إذ إن الحكم الذي وضع الأستاذ رشيد نيني خلف القضبان وصادر حريته كانت له نتائج إيجابية على مستوى ارتقاء الوعي الاجتماعي، وأخرى سلبية على سمعة المغرب، فقد زاد عدد قراء جريدة «المساء» أضعافا مضاعفة على مر الأيام وتكتلت جميع الأصوات المنادية بحرية التعبير للتنديد بهذا الإجراء القمعي المخالف لقانون الصحافة، وبفضله اجتمعت كل أطياف المجتمع لنصرة قضية رشيد نيني باعتباره رمز الجرأة في الصحافة الحرة التي رفضت الاستكانة والخضوع لسلطان القهر والمال، فشكرا للأستاذ رشيد نيني على هذا السبق التاريخي الذي خلق التضامن اللامشروط لمختلف الآراء والاتجاهات الاجتماعية والسياسية والفنية والشبابية والمنظمات الطلابية والهيئات النقابية والجمعيات الحقوقية المدنية، الوطنية والدولية، لنصرة كلمة الحق والجهر بها، فهذا يشكل في حد ذاته قيمة مضافة عالية لنصرة حرية التعبير كحق من الحقوق الطبيعية للإنسان، وشكرا له كذلك لأن قضيته ألهمت الكتاب والمفكرين والسياسيين والحقوقيين ورسامي الكاريكاتور أنماطا جديدة من الإبداع، كل بأسلوبه الخاص في مجال اشتغاله خلال طور المحاكمة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى كانت لهذا الإجراء السالب للحرية والحكم الصادر من طرف القاضي الابتدائي بسنة حبسا نافذا نتائج سيئة على سمعة بلدنا المغرب، وخصوصا بعد خطاب 9 مارس الذي كشف فيه الملك عن نيته الإصلاح الشامل للمنظومة السياسية في البلاد وإقرار حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، والحال أن المغرب يتأهب للبحث عن مكانة متميزة لدى دول الشمال ودول الخليج والشرق التي لها إمكانيات للاستثمار في المغرب. فالمحاكمة سياسية في جوهرها وتعصف بثقة استقلال القضاء، والرأسمال جبان لا يتحرك في ظل المنافسة غير المشروعة، وحماية الأموال لا تتحقق إلا بتوفير العدالة النزيهة، وحرية تدفق الأموال تأخذ بعين الاعتبار عوامل الاستقرار والديمقراطية كمحك لها في أي بلد. ومن شأن هذه المحاكمة الجائرة أن تؤثر سلبا على كل العوامل المشجعة للاستثمار في المغرب وعلى الصورة النموذجية لديمقراطية المغرب المستقبلية. ولعله لهذه الأسباب مجتمعة، التأمت كل أصوات الفعاليات في المجتمع المغربي حول مطلب واحد: إطلاق سراح الصحافي رشيد نيني أو تمتيعه بالسراح المؤقت للقيام بعمله اليومي في مقر عمله تحت المراقبة القضائية، وإلا فمن العدل وحقوق الإنسان أن يسمح له بممارسة هوايته المفضلة، داخل الزنزانة، التي لا يحتاج من أجلها إلا إلى الورق والقلم، وذلك أمر في غاية الأهمية بالنسبة إلى مجريات التحقيق حول مصادر المعلومات التي يخفيها الكاتب ولا يريد الإفصاح عنها أبدا، فهل يمكن أن يكشف لنا بحدسه العميق والقوي عن وقائع أخرى جديدة وهو مقطوع الوصال بالعالم الخارجي؟ إن ظاهرة الصحافي نيني تستحق الدراسة، وهي فرصة متاحة الآن، حسب ما يعتقده البعض، لمعرفة ما إن كانت وراءها قدرات ما ورائية أم إنها نبوغ صحفي وراءه خلفيات مخابراتية متصارعة حول السلطة في مربع النفوذ الملكي، كما قيل؟ فهذا سيسمح للقضاء، دون ريب، بترجيح فرضيات على أخرى عند مناقشة جوهر الوقائع التي تحيط بقضيته، لأن عدم الكشف عن الينابيع الغامضة التي يستقي منها المعلومات هو سر محاكمته، والتي أكد رشيد أن الكشف عنها هو الشيء الذي لا يمكن إطلاقا أن يبوح به مهما كبده ذلك من عناء. وتقديرا لموقفه النضالي العادل، نذكره بالآية القرآنية الكريمة: «وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم»، صدق الله العظيم. انتهى/ ميمون الوكيلي - باحث في القانون الاجتماعي ومهتم بالقضايا العادلة وحقوق الإنسان