ما يُثبت ملاحظاتنا هذه، هو ما جاء في التوجهات السبعة لحزب العدالة والتنمية، التي تمثل تصوره للإصلاح الدستوري، وبالضبط ما جاء في التوجه الثاني، حيث يؤكد: «ملكية ديمقراطية قائمة على إمارة المؤمنين»، بالقول: «إن تصور حزب العدالة والتنمية للنظام السياسي الدستوري المنتظر يرتكز على إرساء ملكية ديمقراطية قائمة على إمارة المؤمنين (...)». وهو الاستغراب الذي يزيد الطين بلة حين نجده، من خلال هذا التوجه، يخلط بين الديمقراطية ذات المرجعية الغربية المسيحية، وإمارة المؤمنين الضاربة بجذورها العريقة في عمق المرجعية الإسلامية منذ القائد عمر بن الخطاب. فهل تستدعي إمارة المؤمنين آلية الشورى أم آلية الديمقراطية؟ وهل يصح هذا الدمج بين المرجعيتين دون فصل أو تمييز؟ وما يثير هذا التساؤل، في استغراب أكثر وأكبر، هو ما أضافه الحزب في إطار ما أسماه ب«التوجهات التفصيلية» لمذكرته، وبالضبط في النقطة الأولى المعبر عنها (كما يلي: «-1ب»)، حيث يؤكد الحزب أن «المجتمع المغربي مجتمع أصيل يتطلع إلى دولة مدنية حديثة وحرة ذات سيادة تعتز بمرجعيتها الإسلامية، وتضمن له الانفتاح على العصر دون أن يجد نفسه في اصطدام أو تعارض مع مقتضيات تلك المرجعية، كما تعمل على تعزيز مساهمته في الحضارة الإنسانية، وهو جزء من الأمة العربية والإسلامية». ثم يضيف: «ونؤكد أن المرجعية الدستورية ملزمة بتجسيد هذا الاختيار من خلال ضمانات دستورية تتمثل في: ألا تخالف التشريعات أحكام الدين الإسلامي، حماية حرية ممارسة الشعائر الدينية». وهو ما يطرح السؤال، القديم الجديد، حول العلاقة بين الديمقراطية ونظام الشورى: هل تتكامل الآليتان أم تتعارضان؟ خامسا: تصور حزب الأصالة والمعاصرة بعد تثمينه للخطاب الملكي ليوم 9 مارس 2011، وتذكيره باللحظة التاريخية والسياسية التي يعيشها المغرب اليوم، قدم حزب الأصالة والمعاصرة مذكرته الأولية التي تحتوي على 8 أبواب متكاملة في ما بينها. وفي النقطة المتعلقة بالنظام السياسي المغربي، من خلال الباب الثالث المتعلق بالملكية، يؤكد الحزب، بعد حديثه عن ضرورة إعادة النظر في الفصل 19 من الدستور الحالي، على ضرورة «استعمال لغة حداثية تترجم مفهوم الملكية المواطنة». أما ما عدا هذه العبارة، والتي جاءت في إطار التمهيد لفحوى الفصل 19 كما يراه الحزب ويريده أن يكون في المراجعة القادمة، فلم تتم الإشارة -إن من قريب أو بعيد- إلى نوع النظام السياسي الذي يبتغيه الحزب في مذكرته. وكباقي الأحزاب التي لم تعلن بصريح العبارة عن نوع النظام السياسي الذي تراه مناسبا للمغرب في الدستور القادم، فقد اكتفى الحزب إلى التطرق للمرتكزات التي حُددت في الخطاب الملكي المؤسس سابقا والتي تعتبر، في نظرنا، إشارة شكلية وواضحة إلى تبني نظام الملكية البرلمانية، وإن بمواصفات ومميزات مغربية، لكنها في العمق تتضمن ما يمكن اعتباره أدنى الشروط المعمول بها في الأنظمة السياسية الغربية (المقارنة) ذات الملكيات البرلمانية، كإسبانيا وبلجيكا. سادسا: تصور حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نلاحظ، من خلال الوثيقة المقدمة من طرف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن هذا الأخير لم يبق وفيا لخطه الإيديولوجي الذي تبناه منذ ما قبل 1998، حيث تبدلت مواقفه شيئا فشيئا منذ قيادته لحكومة التناوب حتى حدود سنة 2002. وكل ما أعلنه حول طبيعة النظام السياسي بالمغرب هو ما جاء تأكيده -وإنْ بصفة عامة وغامضة، دون الدخول في التفاصيل- في بداية مذكرته المقدمة إلى لجنة مراجعة الدستور، حيث اعتبر «الإصلاح الدستوري لبنة أساسية في إقامة ملكية برلمانية وبناء الدولة الحديثة، وفي بناء المواطنة والحكامة الديمقراطية». أما ما دون هذه العبارة، التي وردت في المقدمة، فإن ما تبقى من المقترحات لا يثير -إن من بعيد أو من قريب- طبيعة النظام السياسي للدولة المغربية. وهو ما ينم -وفي استغراب كبير- عن احتشام أو خجل! في التصريح عن النوايا التي يُفهم من ظاهرها -وبشكل مفاجئ- تراجع الحزب عن الكثير من مواقفه السابقة، ومن ذلك نص البيان العام الصادر عن المؤتمر الثامن للحزب، والذي جاء في إحدى فقراته ما يلي: «إن المؤتمر الوطني الثامن يعتبر أن تجاوز اختناقات المشهد السياسي يقتضي القيام بإصلاح دستوري ومؤسسي كمدخل ضروري لتجاوز المعيقات التي تواجه مسار الانتقال الديمقراطي، وذلك بالتوجه نحو إقرار ملكية برلمانية (...)». وهو الأمر الذي يطرح أكثر من استفهام وسؤال(!؟)، وبخاصة إذا ما استحضرنا الكلمة الأخيرة لسكرتارية الملتقى الوطني لشباب اتحاديي 20 فبراير (المنعقد أيام 6 و7 و8 ماي 2011 في مدينة بوزنيقة) والتي جاء فيها: «إننا كشباب اتحادي مناضل بكل قوة في دينامية 20 فبراير، ملتزمون بالنضال اللامشروط إلى جانب كل القوى الحية والجماهير الشعبية في البلاد، من أجل بلوغ دولة ديمقراطية حقيقية تؤسس لنظام ملكية برلمانية (...)». سابعا: تصور حزب التقدم والاشتراكية تقول المذكرة الأولية لحزب التقدم والاشتراكية، في النقطة المعنونة ب«حول موقع الملكية وآفاق المؤسسة الملكية في النظام الاجتماعي والسياسي المغربي»، إن مسألة «الملكية البرلمانية» هي إفراز تاريخي تدريجي للنظام الملكي الذي أفضى إلى نظام يسود فيه الملك ولا يحكم، دون أن يعني ذلك أن المؤسسة الملكية هي مجرد رمز يكتفي بالمتابعة من بعيد، لا يتدخل في حركية المؤسسات. هذا يعني أننا، في حزب التقدم والاشتراكية، ننخرط في إصلاح دستور شامل لصياغة مفهوم مغربي للملكية البرلمانية يؤمن للمؤسسة الملكية جدلية الاستمرارية التاريخية والجنوح التقدمي، أي فسح المجال أمامها لتضطلع بدور الحكم والموجه الذي يتوفر على الآليات التي تحفظ له المكانة المرجعية في المجتمع من جهة، والقدرة على التدخل كأمير للمؤمنين ورئيس للدولة مؤتمن، بهاتين الصفتين، على حماية الدين والدستور والحقوق والحريات، وضامن لاستقلال البلاد وحوزتها الترابية من جهة أخرى». ثم يضيف، في الفقرة المعنونة ب«مبادئ عامة»، أن «المغرب دولة ديمقراطية موحدة وذات سيادة، يندرج نظامها السياسي في أفق ملكية برلمانية، وتقوم على نظام اللامركزية والجهوية المتقدمة، ومبنية على التضامن. السيادة الوطنية للشعب يمارسها مباشرة بالاستفتاء، أو بصفة غير مباشرة بواسطة مؤسساته وممثليه المنتخبين». وفي حديثها عن الثوابت الوطنية، أضافت وثيقة الحزب أن «ثوابت المغرب أربعة، تنتظم الدولة على أساسها وهي: الإسلام دين الدولة، الوحدة الترابية للمملكة، الخيار الديمقراطي، العربية والأمازيغية». غير أن أكبر ما يُستغرب ضمن مقترحات الحزب هو إقصاؤه للملكية من الثوابت الوطنية، مما يطرح ألْف استفهام وسؤال!؟ (ولربما يرجع ذلك -في اعتقادنا- إلى الطبيعة الأولية لمذكرة الحزب والتي سيتم استدراكها -بلا شك- في اقتراحاته التكميلية التي سيوافي بها اللجنة فيما بعد). ثامنا: تصور حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي تأتي في مقدمة اقتراحات حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي الأولية بخصوص تصوراته للإصلاح الدستوري والتي يرتبها، حسب أبواب الدستور الحالي 1996 وبعد التصدير، في الباب الأول، أحكام عامة، ليؤكد مباشرة أن: «نظام الحكم بالمغرب: نظام ملكية برلمانية». ودون أن يقدم توضيحات في ذلك بشكل دقيق، يعود في الباب الثاني، المخصص للملكية، إلى المطالبة بإلغاء الفصل ال19 من الدستور الذي يعتبر عباراته «عامة فضفاضة»، واختصاصاته «واسعة لا حدود لها»، بل -أكثر من ذلك- فهو يمس «باختصاصات السلطة التشريعية (اختصاص القانون) وباختصاصات السلطة التنفيذية»، كما يقول الحزب، حيث يضيف: وقد «استعمل -الملك- هذا الفصل عن طريق ظهائر ملكية» في العديد من المناسبات ليحل محل إحدى المؤسسات المعنية بالتنظيم أو التشريع. لينهي الحزب، بعد ذلك، وثيقته باقتراح حذف الفصل 106 الذي -في نظره- «يمنع إمكانية مراجعة النظام الملكي للدولة والنصوص المتعلقة بالدين الإسلامي»، على اعتبار أن هذا المنع مخالف تماما لمبدأ «سيادة إرادة الشعب على كافة المستويات، هذه السيادة التي لا يمكن أن يحد منها أي استثناء من الاستثناءات». عبد الرحيم خالص - باحث متخصص في القانون الدستوري وعلم السياسة يتبع...