يكاد لا يمر يوم دون أن نرى صورته أو نسمع اسمه أو اسم التنظيم المنسوب إليه، «القاعدة». قليل الظهور، كثير الحضور، يهدد ويتوعد، يفجر ثم يختفي. من هو هذا الرجل الأسطوري؟ من أين أتى؟ أين نشأ وعلى من تتلمذ؟ لماذا تحالف مع الشر وعاد ليحاربه؟ ما هي تفاصيل حياته السابقة لاحتراف «الجهاد»؟ من هو أسامة الإنسان؟ «على الشعب الأمريكي أن يعلم أن العدو الذي نواجهه لا يشبه أي عدو عرفناه في الماضي، فهو يقبع في الظلام، وليس لديه أي احترام للحياة البشرية. إنه عدو يجد ضحاياه في الأبرياء المطمئنين، ويهرع بعد ذلك للاختباء. هو عدو يحاول أن يخفي نفسه، لكنه لن يتمكن من الاختباء إلى الأبد. إنه عدو يظن أن مخابئه آمنة، إلا أن هذه المخابئ لن تبقى كذلك إلى ما لا نهاية. هذا العدو لم يهاجم شعبنا فحسب، بل هاجم كافة الشعوب المحبة للحرية في جميع أرجاء العالم. سوف تستخدم الولاياتالمتحدة إمكانياتها كلها للانتصار على هذا العدو. سوف نحشد العالم إلى جانبنا، وسوف نتحلى بالصبر، سنركز على هدفنا ولن تتزعزع عزيمتنا»، والكلام هنا للرئيس الأمريكي جورج بوش. عمليا كانت الغاية خنق الملاذ الآمن للقاعدة في أفغانستان، وإغلاق حدودها وملاحقة القيادة وقطع الدعم المالي عنها، ومطاردة «إرهابيي» القاعدة في اثنين وتسعين بلدا حول العالم، كما يورد مدير ال«سي آي إي» سابقا، جورج تينيت، واستعداد الإدارة الأمريكية لإنجاز ذلك كان فوريا لأن الإعداد له كان قد انطلق منذ سنوات. «كنا جاهزين لأن خطتنا تتيح لنا ذلك. وكنا على ثقة بإمكانية القيام بذلك بالصلاحيات المناسبة، وتحديد السياسة والضباط الكبار. ربما رأى الآخرون أن ذلك شبيه برمي النرد، لكننا كنّا مستعدين وسيتيح لنا الرئيس الفرصة»، يقول تينيت. أما دوليا، فوحدها بريطانيا سارعت إلى إصدار بيانات حربية مماثلة لتلك الصادرة عن واشنطن، فيما كانت أغلب أجهزة الاستخبارات غارقة في ذهولها وارتيابها من حقيقة التجاهل الأمريكي لتحذيراتها المتكررة قبل وقوع الأحداث، سواء منها المخابرات الألمانية أو المصرية أو الفرنسية أو الإسرائيلية نفسها. لكن مجلس الأمن الدولي لن يتأخر في إصدار القرار 1368 يوم 12 شتنبر 2001، معترفا للولايات المتحدة بحقها «الكامل» في الدفاع المشروع عن النفس. ووجه القرار دعوة إلى كافة الدول للعمل على تقديم مخططي ومنفذي هجمات الحادي عشر من شتنبر إلى «العدالة»، محملا المسؤولية لكل من يساعدهم أو يساندهم أو يؤويهم، أي أن المجلس الأممي منح واشنطن شيكا على بياض لانتهاك سيادة الدول. لكن اجتماع حلف شمال الأطلسي لم يعزف على النغمة ذاتها، وخرج أمينه العام جورج روبنسون ليقول إنه «إذا ثبت أن هذا الهجوم كان موجها من الخارج ضد الولاياتالمتحدة، فإنه سوف يعتبر فعلا تنطبق عليه المادة الخامسة من معاهدة واشنطن». واتصل الرئيس الفرنسي جاك شيراك بنظيره الأمريكي ليخبره بأن الحلف لم يمنح تفويضا مطلقا لواشنطن، وأنه لن ينجر وراء السياسة الأمريكية. حينها كان الثور الأمريكي الجريح في ذروة هيجانه، وكانت مواقف مماثلة كافية لدفعه إلى الإقدام على الأسوأ. وكانت كل من أفغانستان والعراق يتصدران قائمة أهداف الجنون الأمريكي. و»في محاولة لقطع الطريق على «الصقور»، سمّى كولن باول، وزير الخارجية الأمريكي، أسامة بن لادن بصفته المشتبه به الرئيس، ومهّد بأقصى سرعة لتدخل رجا أن يكون محدودا في أفغانستان، كما وجّه ما يشبه التحذير إلى باكستان لحثها على أن تضع بتصرف الولاياتالمتحدة كافة البنى التحتية العسكرية التي لديها، وعلى أن تقطع مباشرة أية علاقة سياسية أو اقتصادية مع نظام طالبان» يقول تييري ميسان في كتابه «الخديعة الرهيبة». في العشرين من شتنبر 2001، ألقى بوش خطابا قويا أمام الكونغرس، حمّل فيه مباشرة مسؤولية الأحداث لأسامة بن لادن، وقال مخاطبا حركة طالبان: «عليكم أن تسلموا إلى السلطات الأمريكية كافة مسؤولي تنظيم القاعدة الذين يختبئون في أراضيكم... عليكم أن تغلقوا على الفور وبصورة نهائية كافة معسكرات التدريب الإرهابي في أفغانستان وأن تسلموا الإرهابيين...». وفي تطور داخلي، قام بوش بتشكيل مكتب للأمن الوطني، يتمتع بصلاحيات الوزارة ويخضع لمراقبته المباشرة، بينما اتصل بزعماء الكونغرس طالبا منهم عدم تعريض الأمن القومي للخطر بتشكيل لجنة تحقيق حول أحداث الحادي عشر من شتنبر، وعمدت كبريات المؤسسات الإعلامية الأمريكية إلى إقالة رؤساء تحريرها وصحافييها الذين لا يمارسون «رقابة ذاتية» طالبت بها إدارة بوش. وتدريجيا، باتت مسؤولية «صاحب السوابق أسامة بن لادن في اعتداءات الحادي عشر من شتنبر لا تترك مجالا للشك، حيث إنه اعترف حتى بأعمال لم تحدث. لكن هل قطع بن لادن صلاته حقا بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية وأصبح عدوا لأمريكا؟»، يتساءل تييري ميسان في كتابه. ويبرر ميسان تساؤله بقصة اعتقال علي محمد عام 1998، وهو ضابط من أصل مصري في الجيش الأمريكي، تولى تدريب مقاتلي القاعدة بين عامي 1987 و1998. «فهل يمكن لنا أن نصدق للحظة واحدة أنه كان بإمكان علي محمد أن يعمل بالتناوب في قاعدة عسكرية داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية وفي قواعد شبكة بن لادن داخل السودان وفي أفغانستان دون أن يتم اكتشاف أمره على الفور؟ فضلا عن ذلك، كيف لا نرى أن أسطورة بن لادن هي غطاء صنعته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بالكامل؟ لقد حاولوا أن يجعلونا نصدق أن بن لادن قد دحر أكبر جيش في العالم وطرده خارج الصومال بمجموعة من حوالي عشرين مقاتلا فحسب! كما أنهم صوروا لنا الاعتداءات في نيروبي ودار السلام على أنها ضد أمريكا، في حين أن أيّا من الضحايا الأحد عشر الذين لقوا حتفهم في دار السلام لم يكونوا من رعايا الولاياتالمتحدة، وأن اثني عشر فقط من أصل 213 قتيلا في نيروبي كانوا أمريكيين...»، يعود ميسان للتساؤل والتبرير. استفهامات لم يكن أحد في واشنطن مستعدا لسماعها، حيث كان التركيز قائما حول خطة مهاجمة أفغانستان، مع استحضار دائم لتجربة اندحار الجيش السوفياتي هناك، فكان القرار الأول تجنب الغزو الواسع والالتحام في القتال. ووضع المخططون للحرب استراتيجية غير مسبوقة في تاريخ الحروب الأمريكية، حيث قرر الجيش الأمريكي أن يلعب دور «المتمردين»، عن طريق الاستعانة بالقوات الخاصة، واعتماد الرشاقة والسرعة لزحزحة العدو، مع الاستفادة من العلاقات التي نسجتها ال«سي آي إي» مع الفصائل المعادية لطالبان، وذاك ما كان.