على إثر استضافة الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان من طرف منشط برنامج «نقط على الحروف» ومن خلال مضمون الحوار الذي دار بين كل المتدخلين، ثمة ملاحظة بخصوص مغالطة حول مفهوم مصطلح حقوق الإنسان، إذ إنه بات، في المغرب، مقرونا بالمجال السياسي أي بحرية التعبير والرأي والممارسة السياسية، الشيء الذي قد يجعل المتتبع للشأن العام المغربي يفهم أو يستنتج أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان قد يكون أنشئ فقط لطي ما بات ينعت بملف «سنوات الرصاص» والإشراف والتتبع والتصدي لما أمكن تتبعه، حاضرا ومستقبلا، من تجاوزات في مجال التعامل مع ذوي الرأي أو السلوك السياسي «المعاكس». حسب إفادات الأمين العام، نستنتج أن هناك ملفات تمت معالجتها سياسيا، أي من خلال طلب الرحمة والعفو من الملك، وهذا معمول به في جل الدول، كما أن هناك ملفات تخضع في التعامل معها لمعيار «قوة القانون». إلا أنه بخصوص جبر الضرر، أعتقد أن بعضا من أولئك الذين طالهم إجراء «جبر الضرر»، من خلال التعويضات المادية التي تلقوها، لم يستوعبوا أو لم يريدوا استيعاب المغزى من قيام ملك البلاد بتشريفهم وتكليفهم بمناصب تهم تدبير الشأن العام، إذ عوض أن يقوموا بتفعيل ما كانوا يؤمنون به من ضرورة الاهتمام والاقتراب من المهمشين والضعفاء ومحاولة إدماجهم والرقي بمستواهم المعيشي والثقافي والسياسي...، قاموا بعكس ذلك، حيث اتخذوا المغرب «حلبة» للصراعات بين من كان معتقلا ومن كان خارج الاعتقال، بل منهم من اعتبر أنه «أضاع، في السجن، من الوقت ما يكفي» ووجب الآن الاهتمام بحاله وأحوال أقربائه... ذلك أنه حصل على المنصب والمنزل والسيارة... وما بقي إلا السعي وراء تكديس الثروة لضمان مستقبل محيطهم وتجنبهم ما عايشوه من حرمان... وهذا ما جعل شريحة من المغاربة باتت تنبذ بعض الشخصيات بعد أن كانت تأمل فيها الخير. أما بيت القصيد من هذا المقال فهو مضمون مصطلح حقوق الإنسان في المغرب، إذ حسب الحوار الذي تضمنه برنامج نقط على الحروف، سيعتقد المرء أن هذا المصطلح هو لصيق أو مقتصر على المجال السياسي. وهذه مغالطة لكون حقوق الإنسان، كما هي معترف بها من طرف الأممالمتحدة، تتجاوز الحق في ممارسة السياسة أو التعبير أو الرأي ليشمل مجالات أخرى، وهي غير غائبة عن المتخصصين في مجال العلوم القانونية والسياسية، وبالتالي أعتقد أن اسم المجلس الذي يشرف عليه السيد الصبار يستحسن أن يسمى ب«المجلس الوطني للحقوق السياسية للإنسان». ما أعتقد أنه بات ضروريا، لكونه كان متجاهلا، هو ضرورة مواكبة إجراءات جبر الضرر السياسي بإجراءات جبر الضرر الاقتصادي والاجتماعي لنضمن بذلك الشمولية في معالجتنا للقضايا التي ينادي بها الشارع المغربي والتي تعيق تعميم نتائج المجهودات التنموية السائرة في طريق التفعيل. وبالفعل، فعندما يتم نشر لائحة بأسماء وصور المفسدين والمهدرين لثروات المغرب، أي الخائنين لثقة الملك والشعب، فيمكننا أن نستنج أن فئات من الشعب قد تضررت من سوء تدبير هؤلاء المسؤولين. وهؤلاء المتضررون نجدهم في شتى القطاعات وفي شتى المجالات، منهم من ضاعت أرضه ومنهم من ضاعت ترقيته ومنهم من ضاع تعليمه ومنهم من فقد صحته ومنهم من فقد عمله ومنهم من فقد مسكنه ومن...ومن... أليست هذه بحقوق للإنسان المغربي؟ إنها أثمن وأغلى من الحقوق السياسية لكونها تمثل أسس العيش الكريم للمواطن المغربي، وهذا حق من حقوقه التي إذا حرم منها وجب حينها القيام بجبر الضرر الاقتصادي والاجتماعي. لا فرق بين الفاقد لحريته السياسية وذاك الفاقد لسكناه أو لتعليمه أو لترقيته أو لوظيفته أو لصحته... لذلك عملت الأممالمتحدة على تصنيف وتجميع كل هذه الضروريات في خانة واحدة: حقوق الإنسان. وللمواطن المغربي الحق في معرفة حقيقة ما يجري هنا وهناك، إذ كيف يعقل أن ينشر المجلس الأعلى للحسابات -الذي يترأسه السيد الميداوي الساهر، وفق التعليمات الملكية، على التفعيل الجدي لمفهوم السلطة الجديدة والحكامة الجيدة والنزيهة في تدبير مؤسسات الشأن العام- تقاريره السنوية المشيرة إلى المؤسسات والمسؤولين الفاسدين إن على صعيد الإدارات العمومية أو بعض المصالح المنتخبة، ليظل هذا المفسد في مكانه. هذا مع العلم، وهذا هو الأهم، بأن وراء عمل هذا المسؤول متضررين وجب إنصافهم بل وجب جبر ضررهم. حتى إذا ما تم التفكير في الدوافع الأولى والجوهرية، أي قبل تسييسها من طرف بعض الأحزاب السياسية التي أدت إلى التظاهر في المغرب، فهي ناجمة عن المتضررين اقتصاديا واجتماعيا، ليستفيد منها في الأخير، بفعل استغلال الظرفية من طرف الأحزاب السياسية، المتضررون سياسيا وليبقى الوضع على ما عليه. وهناك دليلان على هذا الاستنتاج، أولهما أن الشباب المغربي لم يطالب، أقول في البداية و«الفاهم يفهم»، بتغيير النظام ولكنه طالب بالاستفادة من حقه في الشغل والتعليم والصحة والتوزيع العادل للثروة. وهذه المطالب هي، في جوهرها، مطالب اقتصادية واجتماعية شهد لها الجميع بمشروعيتها، وهي ناجمة عن سوء تدبير بعض المؤسسات العمومية من طرف المسؤولين عنها، وأكثرهم حزبيون، كما أبرز ذلك المجلس الأعلى للحسابات. أما الدليل الثاني ومع استحواذ بعض الأحزاب السياسية لا أقول على أفكار الشباب ولكن أفضل على حماسة شبابيتهم، فرضت الأحزاب مقترحاتها السياسية المحضة (إطلاق سراح المعتقلين السياسيين خاصة وحرية العمل السياسي وتوسيع نطاق الحريات العامة وغيرها) لتنجح في تحقيقها، ولتظل المطالب الأصلية للشباب عالقة بذلك أمام الأبواب «الموصدة» لمؤسسة البرلمان والمؤسسات العمومية المعنية بتدبير مطالبهم. الأكيد أنه لن يكون هناك إقلاع اقتصادي فعلي في غياب السلم الاجتماعي، كما أننا لن ننعم بالسلم الاجتماعي، بدون إقلاع اقتصادي متوازن. وهذه المعادلة رهينة بالتعامل مع مصطلح حقوق الإنسان بمفهومه الشمولي، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وعدم اختصاره في شقه السياسي. أما مواكبة جبر الضرر الاقتصادي والاجتماعي لجبر الضرر السياسي فهي المعادلة الضامنة للنمو المتكافئ للبلاد. وإذا اعتبرنا المجلس الوطني لحقوق الإنسان مكسبا، فإنه ينبغي أن يضم من بين لجانه، بغية فعالية أكبر، لجانا قطاعية تعنى الأولى بما هو حق سياسي والثانية بما هو حق اقتصادي والثالثة بما هو حق اجتماعي. حبيب عنون - باحث في العلوم الاقتصادية والاجتماعية