لم يكن (ع.ع) يدري أن الشيكين البنكيين، اللذين كان قد أعطاهما في وقت سابق لاثنين من الضحايا نصب عليهما في عقود عمل مزورة بدولة البرتغال، سيكونان سببا في سقوطه في قبضة العدالة، بعد أن قرر العودة إلى المغرب لزيارة عائلته الصغيرة بمدينة أولاد تايمة، بعد غياب طال أزيد من ثلاث سنوات اختفى خلالها (ع.ع) عن الأنظار، إثر تورطه في النصب على 12 ضحية في مبالغ مالية تراوحت ما بين مليوني سنتيم وسبعة ملايين سنتيم، دفعها الضحايا الشباب إلى المتهم، قصد مساعدتهم على الهجرة إلى البرتغال للحصول على عقود عمل من أجل معانقة الفردوس الأوروبي، والقطع مع سنوات البطالة والضياع، غير أن أحلامهم سرعان ما تبددت بعدما تبين لهم مع مرور الزمن أن عقود العمل مزورة، ليتحولوا بذلك إلى ضحايا نصب واحتيال حبك المتهم خيوطها بكل دهاء، بعد أن استطاع أن يوهم ضحاياه بأنه قادر على مساعدتهم على الهجرة إلى أوروبا بطريقة قانونية، دونما الحاجة إلى خوض تجربة قوارب الموت. اعتصام أمام منزل المتهم لم يمض أقل من أسبوع على عودة (ع.ع) إلى منزله بحي بن بوشتة، حتى تناهت إلى مسامع بعض الضحايا خبر عودة الجاني إلى المدينة، لتتحرك الهواتف النقالة وتزف للضحايا الخبر السعيد الذي طالما انتظروه نحو ثلاث سنوات. وبخطة محكمة بين الضحايا وبعد مشاورات واتصالات مكثفة، اتفق الجميع على الاعتصام أمام باب المنزل الجاني. كما تم ربط الاتصال بمفوضية الشرطة لإخبارها بالنازلة، في وقت تكفل بعضهم بالاستعانة بمحام قصد مباشرة الترتيبات القانونية اللازمة. لم تستسغ زوجة الجاني تجمهر الضحايا أمام باب منزلها بدون مبرر، خاصة بعد أن ادعت عدم وجود زوجها بداخل المنزل، وهو ما جعلها تعمل على تهديدهم بالمتابعة القانونية، غير أن الضحايا لم يستسلموا لتهديدات زوجة المتهم، التي أوهمت عناصر الشرطة أيضا بعد حضورها بعين المكان أن زوجها غير موجود بالداخل، لتقرر التوجه إلى وكيل الملك بابتدائية تارودانت لإطلاعه على نازلة تجمهر مجموعة من الشباب أمام باب منزلها. اعتقال المتهم بأمر من ممثل النيابة العامة اقتحمت عناصر الضابطة القضائية بمفوضية أمن أولاد تايمة منزل الجاني، ليتم مباشرة اعتقال الجاني واقتياده إلى مقر الشرطة القضائية أمام أنظار الجيران والضحايا، الذين تنفسوا الصعداء بعد إلقاء القبض عليه، ليقرروا بعد ذلك فض اعتصامهم واتجهوا صوب مقر الشرطة لمواجهة الجاني بإفاداتهم. وأثناء الاستماع إلى أقوال الضحايا، أجمعوا في تصريحاتهم على أنهم تعرضوا لعملية نصب واحتيال محكمة من طرف الجاني، الذي أوهمهم بقدرته على مساعدتهم في السفر إلى دولة البرتغال بواسطة عقود عمل قانونية، تم جلبها بتدخل من شخص برتغالي نافذ،غير أنهم عندما أدوا المبالغ المالية المتفق عليها إلى(ع.ع )، الذي بادر، من أجل طمأنتهم، إلى مطالبتهم بنسخ من جوازات سفرهم وبطاقات تعريفهم الشخصية، قصد استخراج عقود عمل، تبين للضحايا لاحقا بأن العقود التي أودعت لدى مصالح القنصلية البرتغالية بأسمائهم مزورة، حيث تم تحريف مضامين العقود وأسماء أصحابها الأصليين، بالاستعانة بشبكة تنشط في تزوير عقود العمل بالبرتغال. جلسات مارطونية خلال جلسة يوم الخميس المنصرم، جدد المتهم عدم معرفته بالضحايا أو وجود أي نية في النصب عليهم، مؤكدا لهيئة المحكمة أنه بدوره كان ضحية نصب من طرف شخص برتغالي هو من تعهد بجلب عقود العمل الوهمية للضحايا، وأوضح أن بعض أصهاره وأشقائه كانوا أيضا ضحايا جشع البرتغالي، نافيا في الآن نفسه أن يكون قد أخذ أي أموال من الضحايا مقابل تهجيرهم إلى الخارج، ومن جانبهم تشبث الضحايا باتهامهم له، مؤكدين أنهم قدموا للجاني مبالغ مالية تراوحت ما بين مليونين وثلاثة ملايين سنتيم، حيث وصلت المبالغ الإجمالية التي توصل بها المتهم إلى أزيد من 50 مليون سنتيم، مقابل جلب عقود عمل بدولة البرتغال، غير أنه بمجرد توصله بالأموال غادر مدينة أولاد تايمة في اتجاه الخارج، مستفيدا من جنسيته البرتغالية، وهو ما جعل بعض الضحايا يوجهون شكايات في الموضوع إلى النيابة العامة، بعد أن تماطل الظنين في تنفيذ وعوده بتهجير الضحايا إلى دولة البرتغال. وأجمع الضحايا على أنه في محاولة منه تثبيتهم وطمأنتهم، عمد (ع.ع) إلى اصطحابهم عبر مراحل متفرقة إلى مقر القنصلية البرتغالية بالدار البيضاء، حيث تم إيداع عقود العمل وملفاتهم الخاصة لدى القنصلية، قبل أن يتبين لهم لاحقا أن العقود المودعة بمصالح القنصلية مزورة، وهي مسجلة في الأصل بأسماء أشخاص آخرين كانوا قد استفادوا منها في أوقات سابقة. شيكان بنكيان يدينان المتهم قام المتهم قبل مغادرته أرض الوطن، بإلحاح من ثلاثة ضحايا، بتقديم شيكين بنكيين باسمي ضحيتين يحملان مبلغا ماليا قدر بتسعة ملايين سنتيم على سبيل الضمان، رغم عدم توفر المؤونة الكافية في رصيده البنكي، وهو ما جعل الضحايا يعززون ملفاتهم بهذين الشيكيين البنكيين ليكونا دليل إدانة ضد الجاني، وهو الأمر الذي استغله المحامي عبد الحكيم كردني، الذي تكلف بالترافع عن الضحايا في آخر جلسات المحاكمة، حين تقدم بنسخ من الشيكين البنكيين إلى هيئة المحكمة، وبعد استفسار رئيس الجلسة الظنين عن سبب منحه شيكاته الشخصية رغم تأكيده عدم معرفته بالضحايا ونفيه تورطه في جناية النصب، أجاب الجاني بأنه نظرا لعطفه على حالهم وبعد تورطهم في مصيدة البرتغالي اضطر إلى ملء شيكاته من أجل طمأنتهم باسترداد أموالهم، وهو الجواب الذي لم يقنع هيئة المحكمة وكان بمثابة عذر أقبح من زلة. وبعد انتهاء جلسة المحاكمة دخل الملف إلى المداولة لتصدر هيئة المحكمة خلال نفس اليوم حكما يقضي بإدانة المتهم (ع.ع) بثلاث سنوات حبسا نافذا، وتعويض المطالبين بالحق المدني بمبلغ قدره 10 آلاف درهم لكل واحد من الضحايا. حكم كان له وقع إيجابي على الضحايا، الذين عبروا عن ارتياحهم لمنطوق الحكم. فيما تقدم محام الضحايا بمقال جديد إلى وكيل الملك، تحت عدد 142/2011 يرمي إلى إضافة متابعة الظنين بجريمة التفالس بالتدليس المنصوص عليها في الفصل 563 ق.ج، وكذا إشعار مصالح المحافظة العقارية بتارودانت، قصد إجراء تقييد احتياطي بناء على الإجراءات المنجزة في ملف القضية، خاصة بعدما تبين أن (ع.ع) عمد إلى تفويت منزله السكني إلى زوجته، مباشرة بعد تسجيل الضحايا شكاياتهم لدى الشرطة، مخافة الحجز عليه من قبل الضحايا.