إنه شهر شعبان.. شهر الطهارة قبل حلول رمضان، هذا الأخير الذي سيصادف هذه السنة حرارة شتنبر. ضريح الولي الصالح سيدي عبد الرحمان يحطم الأرقام القياسية لعدد الزائرات والمريدات، والازدحام يعم أركان الجزيرة الصخرية الصغيرة التي تطفو بعيدا عن الشاطئ في مخرج مدينة الدارالبيضاء. أثناء الجَزر، تقطع النساء المسافة بين الشاطئ والصخرة على أقدامهن مرورا على البرك المائية المتفرقة، وفي المد، يتكلف شاب بنقل المريدات على عجلة مطاطية كبير مقابل خمسة دراهم. الجزيرة تحتضن ضريح ولي صالح مشهور، سيدي عبد الرحمان، هذا الأخير يفترض فيه أنه صاحب معجزات. أرواح في محنة، أغلبها للنساء اللواتي يأتين لطلب كل شيء من الولي الصالح: الحب، الخصوبة أو عودة زوج «مسروق».. أما الرجال فهم قلة على الجزيرة، وإذا ما حضر أحدهم فهو لا يكشف عن المآرب التي استدعت حضوره. «عندما يكون لديهم مشكل في غرف نومهم مع زوجاتهم فهم يعتقدون أنهم تعرضوا للسحر، لذلك يحضرون لرؤية الشوافات»، يشرح سعيد، 20 سنة، أحد سكان الجزيرة. هل هو شيطان أم صاحب كرامات؟ في الحقيقة سيدي عبد الرحمان هو كل هذا. النساء يطلبن بركات الشريف، لكنهن يدفعن الثمن للشوافات لإذهاب عين الحسود. في سطل مليء بالماء الذي يغرق مادة الرصاص، تعمل هؤلاء «الساحرات»، كما يسميهن سعيد، على قراءة الطالع الذي يخرج من داخل السطل، قبل أن يبدأن في تقديم النصائح، وتطلب إحداهن من فتاة ذبح ديك، وتطلب من أخرى أن تعوم في ماء البحر وتعترض طريق سبع موجات متتالية لتطهرها. «الشوافات» يجلسن على طول الممر الرئيسي المؤدي إلى ضريح الولي، ولا يجدن أي حرج في دعوة الزوار إلى الإقبال عليهن و«الاستفادة من خدماتهن»، وكل «استشارة» تكلف النساء ما لا يقل عن 30 درهما. هل تتحدثين إلينا؟ «ليس هناك مشكل، لكن مقابل درهم لكل أربع كلمات» تقول إحدى الشوافات، فيما تستطرد زميلتها بدون تردد: «نحن هنا من أجل المال». غريبة هي الأجواء على جزيرة سيدي عبد الرحمان. الجزيرة جميلة، وسامية حتى. هذا ما يبدو، على الأقل، أثناء مشاهدتها عن بعد. الممرات الضيقة في المكان مبيضة ب«الجير»، المنازل الصغيرة بمصابيحها المصبوغة بالأزرق، كل هذا يجعل من المكان شيئا يشبه كل تلك القرى التي تسبح بين البحر والسماء. ولكن عن كثب، تنبعث من بين صخور الجزيرة وأرجائها رائحة لا تحتمل وتطفو القذارة على السطح. ويجب توضيح أنه ليس هناك لا كهرباء ولا ماء على الجزيرة، فيما رؤوس الديكة تطفو على سطح البحر وعلى الصخور، وهناك أيضا جلود الثيران، بقايا القرابين التي ضحت بها المريدات الغنيات ابتغاء رضى الشريف وعطفه. هنا.. حوالي أربعين عائلة تعيش على «بركة» ضريح سيدي عبد الرحمان. «أغلب الشوافات استطعن جمع ثروة صغيرة، في ظرف عشرين سنة من «تشوافت»، والحقيقة أنهن يأتين فقط في النهار للاشتغال، وفي الليل يرحلن لبناء بيوت فارهة في مناطق أخرى من المدينة»، حسب كلام سعيد دائما، وحدها أربع أسر على الجزيرة تعيش في فقر مدقع، ويعمل أفرادها فقط من أجل البقاء على قيد الحياة، حيث يقومون ببعض المهام اليومية الروتينية في أجواء الجزيرة، وبالخصوص جلب المياه الصالحة للشرب، التي يتم جلبها من على بعد 800 متر عن ضريح سيدي عبد الرحمان. الأكيد أنه خلال بعض الوقت ستختفي الشوافات من جنبات ضريح سيدي عبد الرحمان، بسبب مشروع إعادة تهيئة كورنيش العاصمة الاقتصادية، وقريبا ستظهر فنادق، وإقامات فارهة، ومطاعم، ومحلات تجارية فخمة وستشيد «مارينا»... ودول الخليج ستستثمر بكل ما أوتيت من مال في هذه القطاعات. وبطبيعة الحال، فضريح الولي الصالح سيحافظ على مكانه ورمزيته فيما ستختفي «الشوافات»، وهكذا سيستعيد سيدي عبد الرحمان وضعه الطبيعي: مكان للحج والزيارة.