على بعد بضع كيلومترات من حي وادي الذهب بسلا الجديدة انتصبت خيام موسم "بولعجول" أو "سيدي ابراهيم"، عالم قائم بنفسه، بمتاجره ومستلزماته، ووسائل ترفيهية تأسر الكبير قبل الصغير، وقوات الأمن تحرسه، وسيارات الإسعاف تجوب بين الخيام لإسعاف "المتحيرين" أو المغمى عليهم، وبالمقابل انعدام كلي للوعاظ والمرشدين والعلماء. شرائح اجتماعية من مختلف الأعمار والجنس يوحدها الإيمان ببركة "سيدي ابراهيم" أو السعي للاسترزاق من زوار الموسم. كيف الوصول إلى ضريح سيدي ابراهيم انطلق موسم "بولعجول" أوالولي "سيدي ابراهيم" يوم الجمعة 30 غشت واستمر إلى الثالث من الشهر الجاري، تنظمه قبيلة عامر واحساين. أما قبيلة السهول فلم تشارك في الموسم هذه السنة، إذ اكتفت بموسمها الخاص، التابع للهادي بن عيسى بمكناس، يقول (محمد 54): "أنا من قبيلة السهول العيايدة وهي لم تشارك هذه السنة نظرا لقرب الانتخابات، ولكنها تحيي موسمها الخاص، ويأتي ابن الهادي بن عيسى من مكناس، ليأخذ ما جمعت له القبيلة ويعود إلى مكناس". عربات تجرها خيول اصطف على جنباتها رجال ونساء. ليس هناك أي حرج من الازدحام، المهم أن يصل الجميع إلى ساحة الموسم والضريح. أما من تحرج من الازدحام، فهناك سيارات النقل السري والمرخص له. بمدخل ساحة العرض ترابط سيارتان للدرك الملكي عن يمين وشمال، ولا يتم منع هذا النوع من النقل مادام العامل هو من أعطى انطلاقته وبحضور مستشارين من المجلس اليلدي وممثلين عن السلطة. توافد الزوار للضريح يشبه موكب الحجاج يحدوه الشوق للقيام بواجب مقدس بضريح سيدي ابراهيم. شريحة الزوار حسب استجوابات عديدة لزائرين تبين أن عينات المشاركين والزوار بموسم "بولعجول" تتنوع تبعا للأهداف المرجوة من الموسم، وهي أغراض اقتصادية واعتقادية وثالثة ترفيهية سياحية ورابعة أمنية، فالخيام المنصوبة في ساحة الموسم توفر كل ما يحتاج المرء لمقام طويل: مواد غذائية من الخضروالتمور و أواني الفخار وملابس وكراء الخيام ومستلزمات الإضاءة. كما تزدهر به حرف موازية كالوشم بالحناء، بساحة الضريح، وثقب آذان الصغيرات بطرق عصرية فيما يشبه أطباء بلا حدود، وباعة للحلويات. يقول الشاب (ع) يبيع الحمص (طايب وهاري): "من موسم شراكة إلى سيدي حميدة إلى سيدي ابراهيم إلى سيدي بوغابة قرب المهدية، أتبع المواسم طول السنة من أجل الرزق وتوفير المال للزواج". أماأصحاب الأغراض الاعتقادية فالشريحة الكبيرة تأتي للشفاء من الوسواس والتبرك بالولي "سيدي ابراهيم" تقول طفلة في السادسة من عمرها:" جئت مع العائلة للزورة نأخذ الشموع إلى الولي ونضعها في الصندوق بالضريح"، امرأة في السبعينات من عمرها تبيع "الحرشة" تعتقد أن الاستشفاء نابع من نية القلب والاعتقاد ببركة الولي مستدلة برواية يرويها الأجداد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي ذهب عند يهودي للاستشفاء ولما شفي، سأل أحد الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم: لماذا تم الشفاء على يد اليهودي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذلك راجع إلى نيته وما في قلبه" فلم نجادلها في روايتها لكنها رواية تختزل يقينها في بركة الولي. أما الشريحة الثالثة فهي ترغب في التمتع بالموسم لوجود وسائل الترفيه للصغار، كما أن الأمر غير مكلف، يقول (أ.ع) في الخمسين من عمره: "نأتي إلى الموسم تحت ضغط العائلة والأولاد وهذا لا يكلفني ماديا، فنصب خيمة وقضاء العطلة مع توفر كل المتطلبات ميسور فهناك ألعاب للصغار و"تحريك" الخيول، وكل هذا جميل" أما الرابعة فالسلطات الأمنية من درك ملكي وقوات مساعدة وتدخل سريع وسيارة إسعاف فهي كلها رهن حاجات المشاركين بالموسم. التنظيم القانوني للموسم يتم الإعلان عن المواسم بجميع أنحاء المغرب من طرف أعوان السلطة من مقدمين وشيوخ بالأسواق عبر مكبرات الصوت، وتأخذ قبيلة "عامر" الترخيص من السلطة، يقول أحد الأوفياء للموسم من مدينةالخميسات: "المخزن قايم بالعمل، شوف لمخازنية والأطباء اللي فرط ولا سرق، ولا دار مونتيف، يعطوه العصا ويأخذوه معهم، فالعامل هو الذي يعطي انطلاقة الموسم يزيارة الموسم ومنح الشرفاء بقرة وحوالي 02 أو 03 "حولي" تذبح على الولي وتقسم على الدراويش". وفي اليوم الرابع للموسم يرتفع صوت عبر المكبر ب"التبراح" "آ الزائرين راه يقول لكم المخزن، راه غدا "العادة" ويقول لكم الشرفاء لا تلبسوا الأسود أو الأحمر، راه الشرفاء لا يريدون ذلك، واللي لبس ذلك يتحمله مسؤوليته"، فالخطاب باسم السلطة والمخزن، وفي جوار الضريح نصب العلم الوطني تأكيد لهذا المعنى وحراس الأمن بأنواعهم يجوبون الخيام ويستطلعون أشغال الموسم. طب أم شعوذة نصبت خيام خصيصا لهذا النوع من الطب تسهر عليه سلطة الأمن وتمنحه حرية العمل، ربما بدون ترخيص من وزارة الصحة حيث الترويج لأدوية وأعشاب قد تؤدي بمستعمليها إلى هلاك محقق. ويتم الترويج لأدوية عجز الطب الحديث عن حسم علاجها، أكبر الشرائح المستهدفة هي النساء، وسط خيمة علقت في جنباتها جلود حيوانات وأمام "الطبيبة" قارورات زجاجية يعجز المرء استقصاء أسمائها وما تصلح له، انبعث صوت الطبيبة: "العيالات اللي عيوا بالصيدليات والبومادات، ها هي البكبوكة لكل نحيفة تريد أن تغلظ وتسمن؟! 300 ريال للحبات بسبعة، و200 ريال لإزالة البهق والبرص من الوجه "ضحك الصاحب المرافق لي. فالزبناء يتقاطرون من النساء سألنا أحد باعة الحلويات بالقرب من "الطبيبة" عن "البكبوكة" فأجاب: "خليط من الأعشاب ليس ذلك حقيقة الكل يبحث كيف "يصور" طرف خبز". وإلى جانب شفاء الأمراض الجلدية تدعي الطبيبة فك الطلاسم وإبعاد الأرواح الشريرة من البيوتات والنغاص" كل هذا يوجد في مغربنا الحبيب والأرواح تلفظ أنفاسها في أجنحة المستشفيات لانعدام أدوية أو أطباء مهرة؟! وبين الفينة والأخرى يتم ختان الأطفال الصغار في موكب من الطرب والفرح. ضريح "بولعجول" طواف وشموع ساحة الضريح مكتظة بالنساء والرجال بالأطفال والشيوخ، ونساء وفتيات يرشمون بالحناء على الأيادي والأرجل، وعلى سطح الضريح انتصبت راية خضراء. وطلي داخل الضريح بصباغة خضراء فاقع لونها تسر الناظرين. كل زائر يقدر أن الضريح مشفى للصرع والوسواس وفك القيود والطلاسم، كان علينا أن نخلع النعل قبل الدخول إلى الولي "سيدي ابراهيم" كما نبهتنا إلى ذلك امرأة من سدنة الضريح تطوف بالقبر، وعند كل ركن تنطق بكلام أشبه بهستيريا مصروع. وبجانب القبر وضع صندوق مخصص لتبرعات الزوار من شموع ونقود. ربما نكن نحن لوحدنا من لم يقدم هبة نقدية أو شموعا للولي؟! فالصندوق مملوء عن آخره و بين الفينة والأخرى يتم إفراغه .انتبهت إلينا المرأة بذكاء قالت: "هذا راه الولي، على الأقل انزعوا أحذيتكم". لم نعر كلامها اهتماما، اكتظ المكان بالزائرين والزائرات. الطواف يتم بهدوء، والتمسح أيضا عند كل شوط حول القبر. تختلف أهداف الزيارة حسب قول أحد الزائرين" "كل هذه الأمور من أجل قضاء الحاجات المتعددة في صدور الزوار. فالتي حرمت من الأولاد وأعيتها الفحوصات الطبية وتأكد لها أنها عاقر، مصرة على زيارة الولي والتيمن ببركته، ومرضى الصرع امتلأ بهم المكان لا تنقصهم إلا أسرة ليتحول الضريح إلى مستشفى". مشاهد تكرس العقلية الخرافية المبنية على فقه "الشعوذة والتقليد" تحيى في ثوب واجتهاد جديد باسم السياحة تارة، والحفاظ على تراث وثقافة الأجداد تارة أخرى، مما يؤكد عجز المجتمع الأهلي والمؤسسي عن حماية تدين المجتمع عقيدة وأفراده بالتوجه إلى الله بدل الأضرحة. خيام القبائل لمطاردة الجن في خيام متباعدة بعضها عن بعض تقوم فرقة للغناء بالمزامير والدف وبخور بمراجل (مجامير) لانتزاع الجن من "المتحير" برقصات متسارعة للرأس والجسد، وفي الخيمة، الأخرى يستمر الضرب بالدفوف والعزف بالمزامير ليبلغ "المحير" قمة التهيج فيقوم بجرح وجهه وساقيه ويطوف على المتحلقين لاستجداء عطائهم لشراء العلاج، وأعجب ما في الأمر أن قائد إحدى المجموعات يدخن سيجارة و هويطوف لجمع التبرعات!! فعندما تتأجج المشاعر ويزداد "الحال" على المتحير يعتدي على نفسه وعلى مشاعر المتحلقين، مما يتطلب تدخل وزارة حقوق الإنسان للتحقيق في الظاهرة، وبعض الناس خاصة من تأسرهم تلك المشاهد الهستيرية يجلسون داخل الخيمة واعتقادهم جازم أن هذا اللون الجنوني يخلص من مرض الجن والوسواس وربما من أمراض أخرى. العادة ورفع "لعلام" قبل اليوم الأخير، يرتفع صوت مناد بأن الغد ستكون "العادة"، وهي تعني انتهاء الموسم. يقول أحد المشاركين: "غدا تكون العادة يرفع "لعلام" ويطوفوا الناس بالسيد، وتذبح البقرة والأكباش وتقسم على الدراويش»، وهذه العادة يحضرها الناس أما الشرفاء فهم يجذبون و يأكلون اللحم الحي كما قال لنا رجل في السبعينات، عسكري متقاعد شارك في حرب «الشينوة» على حد تعبيره إلى جانب الجيش الفرنسي. فساد أكثر من التنطع أكد أحد المشاركين أن الدولة تقدم المعونات للشرفاء لمساعدتهم في إحياء هذه المواسم، فالإضافة إلى المخالفات الشرعية التي تنخر عقيدة المسلم وتستغل أميته باعتبار الشريحة الملتزمة بحضور الموسم أو إحيائه أغلبها أمية وفقيرة آتية من الأحياء الصفيحية والمهمشة، هذا في الوقت الذي نلاحظ هجوما عنيفا على كل مظهر من مظاهر الإصلاح والتربية في المجتمع من إغلاق للمساجد وتوقيف للخطباء والدعاة والوعاظ وتمشيط للمكتبة من الأشرطة والكتب الدينية والتوجيهية.. وعن ضرورة تدارك العلماء للأمر حث الشيخ عبد الباري الزمزمي على ضرورة مقاطعة المسلم لهذه المواسم كبداية أولى لأنه مسؤول عن نفسه وبيته وأهله وإخوانه اقتداء بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا قبري عيدا» ،فهذه الأعياد التي تقام على الأحجار والأموات ،يقول الشيخ عبد الباري، شرك لاخلاف حوله بين العلماء وكذلك الذبيحة التي تذبح للولي وما يصاحبها من محرمات ومنكرات كبيرة ، فالمقاومة يجب أن تبدأ بمقاطعة القاعدة الشعبية لهذه المواسم ، فالواجب على التجار الصالحين في أنفسهم الذين يشاركون فيها من أجل الرزق أن يكفوا عن فعلهم هذا لأنه تعاون على الفساد وكذلك رب الأسرة الصالح الذي لا يمنع أهله ويمكنهم الأموال لزيارتها لا يخرج عن هذه الدائرة. أما عن الدعاة فيقول الشيخ الزمزمي، "هم أصناف في تعاملهم مع الموضوع :فمنهم من يتجند لمقاومته وهناك من يشجع هذه الخرافات، وفريق ثالث غير مبال ،إذن فلا يمكن الحكم بتفريطهم بإجمال." ووصف الزمزمي حماية الدولة لهذه المواسم والسهر عليها بأنه سلوك لا ينسجم مع دولة على رأسها أمير المؤمنين كما أن حماية السلطة لهذه الشعوذة يعطي انطباعا لدى الناس أن هذه المظاهر من الدين ، وكذلك من جانب الإعلام بالترويج للموسم بأنه للولي الصالح "سي فلان"، وهذه أمور لا تنسجم مع دين الدولة الإسلامي، فإذا كنا نحارب المتنطعين في الدين فيجب أن تكون المحاربة متكاملة فتشمل المفرطين في مبادئ الإسلام والمروجين للإباحية، فالمقاومة حتى تؤتي أكلها يجب أن تكون متكاملة والاصلاح يجب أن يكون على جميع الجبهات خاصة هذه المواسم التي فسادها أعظم وأكبر من التنطع لأنها من الشرك أما التنطع فيحتاج إلى توجيه فقط. أحمد الحري وعبدلاوي لخلافة