على طول الشارع المؤدي إلى ساحة سيدي سعيد القريبة من ضريح الشيخ الكامل، نصبت عشرات الخيام، منها ما تخصص في توزيع وصفات غربية لعلاج أمراض مستعصية، ومنها خيام وضعت فوقها مكبرات صوت فضحت أسرارا حميمية للعشرات ممن تحلقوا حولها، إلى جانب خيمة مصنوعة بأكياس الدقيق، وقف رجل في العقد الخامس فقد معظم أسنانه وتحلق حوله عدد من زوار الموسم وهو يشرح فوائد «الشّبّة الحية»، وجذور الشيبة في علاج أمراض الأذن وفوائد نبتة غريبة في إنزال الحصى من الكلي. خيمة البروفسور الذي يداوي جميع الأمراض انتصبت بالقرب منها خيمة احتشد حولها جمع كبير من الناس، ووضع فوقها مكبر صوت صدئ، وبداخلها الخيمة تقف سيدة عجوز عيناها تنطلق منهما نظرات حادة، وهي تبث عبر الهواء مباشرة فضائح زبائنها الذين جاؤوا ليعرفوا ما تخبئه لهم الأيام. التسعيرة موحدة: خمسة دراهم، ومسلسل الفضح يمتد لدقيقتين قبل الانتقال إلى زبون آخر، إحدى السيدات انسحبت على الفور بعد أن شرعت العرافة في سرد أسرارها الخاصة مع زوجها، فيما وجد شاب آخر نفسه عرضة للسخرية بعدما أخبرته العرافة بأن حبيبته التي يسهر من أجلها الليالي تحب شخصا آخر يعمل في الدرك، وهذا الأخير بدوره يحبها، قبل أن تطلق عليه رصاصة قاتلة وهي تقول إن النقود التي يمنحها لها تنتهي في آخر المطاف عند غريمه، الشاب أطرق برأسه إلى الأرض، وعلت وجهه حمرة شديدة، قبل أن ينسحب وهو يجر «شوهة» ثمنها خمس دراهم. العرافة-التي تمسك بين كفيها شيئا صغيرا تحرص على إخفائه، تنظر فيه بين الفينة والأخرى وكأنه شاشة كمبيوتر تمدها بالمعلومات- ليست الوحيدة بالمكان، فإلى جانبها عشرات الخيام التي يشغلها عرافون ودجالون يمارسون نشاطهم بشكل علني أمام أنظار الأمن ورجال السلطة. الغريب أن كل العرافين الموجودين بالموسم «يكتشفون» بأن نسبة كبيرة من الزبائن تعرضت لسحر دفن إما في البحر أو في مقبرة مهجورة، فيما يحرص بعضهم بطريقة ذكية على مد الزبون بخبر سيء، قبل أن يخبره في النهاية بأن “مرزاق” وسيأتيه خير كثير لأنه “ولد الناس”، مثل شابة قروية خاصمها الجمال، وانطلق قطار الزواج بسرعة مبتعدا عنها، المسكينة أخبرها عراف، يبدو وكأنه خرج للتو من منجم، بأنها تعرضت لسحر جعل عشرات العرسان يفرون منها وأنها “تمحنت” كثيرا لكن الزوج قادم، ومن عائلة كبيرة، أحد الحاضرين فور سماعه لهذا الكلام همس في أذن صديقه ما يكون «غي شي مسخوط الوالدين هذا». الشوافة طقس ملازم للمواسم، والعشرات ممن يفدون يأتون لأجل هذه الغاية، بعضهم لا يهمه أن تكشف أسراره أمام الملأ، وعدد كبير من السيدات جئن بحثا عن سر الزوج الذي تبدلت أحواله أو طلبا لنوع من الراحة النفسية ولو عن طريق بائعي الأوهام.