على بعد عشرات الأمتار من عالم الفيلات والبنايات الفخمة وفنادق خمس نجوم والمطاعم الراقية، بعين الذئاب، تنبعث جزيرة صخرية صغيرة تحتضن أحد تناقضات أرقى منطقة بالعاصمة الاقتصادية. على شاطئ عين الذئاب الشهير الذي يبعد بحوالي ثلاث كيلومترات فقط عن مركز المدينة ومسجد الحسن الثاني. فمشهد الجزيرة الجميل في أعلى مرتفع صخري، تسبح في زرقة مياه البحر التي تقطعها على اليابسة عند المد، وحين تهدأ أمواج البحر، يقفز زوارها فوق الصخور المتناثرة للوصول إلى الباب. صورة تبدو عادية نظرا لإقبال عدد هائل من الناس على طرق هذا الباب، نساء أنيقات، وفتيات في عمر الزهور، بل وحتى الرجال، وهم يقطعون المسافة إليها على أقدامهم أثناء الجزر، فيما يتكفل شباب بنقلهم على عجلة مطاطية شومبرير مقابل خمسة دراهم أثناء المد... غير أن الصورة على العكس من ذلك، ففوق هذه الكتلة الصخرية الصامدة أمام أمواج شاطئ عين الذئاب، يتعالى ذلك الموقع التاريخي منذ القرن السادس الهجري ضريح سيدي عبد الرحمن، وقد أصبح الآن قبة مهملة تجتمع فيها السياحة الشعبية مع طقوس الشعوذة. هذا الوضع الذي تتسم به الآن أكثر من أي وقت مضى، غيب مكانته التاريخية في الذاكرة المغربية. فمن بين الصخور الحاملة للضريح، تنبعث رائحة فوق الاحتمال، وتطفو القذارة في كل أرجاء الجزيرة، رؤوس الدجاج تطفو على سطح البحر، وملابس داخلية منتشرة على الصخور، وبقايا القرابين التي ضحت بها الزائرات للضريح، جلود الثيران والأكباس.. ضريح سيدي عبد الرحمن الجمار أو مول المزمار، وجدته حوالي أربعين عائلة تكتري بيوته الصغيرة فضاء خاصا تستقطب إليه الشوافات زبائنها باسم بركة مول المجمر، وكل استشارة تكلف ما لا يقل عن 30 درهما. فـ الشوافات يجلسن على طول الممر الرئيسي المؤدي إلى الضريح، دون أن يبدين أي حرج في دعوة الزوار إلى الاستفادة من خدماتهن. فأمام كل غرفة من هذه البيوتات ينزوي طبق به مادة الرصاص اللدون، وهي وسيلتهن لقراءة ملامح مستقبل الزائرات بطعم الوهم (وأغلبهن فتيات في ريعان الشباب)، من خلال ثقوب اللدون المشكلة بعد صبه منصهرا في ماء بارد. وإبطال مفعول السحر.. أما البيوت الأخرى، ولا يتعدى عرضها مترين، فتستعمل لبيع التفوسيخة واللدون، والشمع.. وكل متعلقات ممارسة طقوس الشعوذة والسحر، باعتبارها حرفة إضافية لجلب مزيد من الربح للقائمين عليها بالضريح. فيما تجلس عند قدر عبد الرحمن الجمار، امرأتان، إحداهما تقوم بوضع قليل من الحناء في أيدي كل زائر يدخل الضريح، مقابل درهم، والأخرى تعيد بيع الشموع، التي تباع لأكثر من مرة. ويؤكد حراس بالكورنيش بأن غالبية الشوافات يأتين بالنهار للاشتغال، بينما يرحلن بالليل ليفسحن المجال لفئة أخرى، هم في الغالب زوار يطلبون المتعة الجنسية في أجواء الجزيرة الساكنة يضيف حارس لـ التجديد. لذلك فكراء البيوتات التي توجد إلى جانب الغرفة التي يوجد بها الضريح، وهي غرف بيضاء صغيرة الحجم، لا يتعدى سمكها 4 أمتار مربعة، أكبر صفقة مربحة لحراس الضريح، إذ ليس هناك أي مكان فارغ خاصة خلال الصيف، تؤكد حارسة الضريح بنبرة جافة، مضيفة أن حجز الكراء يتجدد كل سنة، بينما تؤدى الأقساط كل شهر. وهؤلاء الذين يكترونها يعيدون كراءها لأغراض خاصة متنوعة، وقد يصل السعر في بعض الأحيان إلى ما بين 500 درهم ليلة واحدة. حول هذا الوضع غير الطبيعي الذي يعيش على إيقاعه الموقع الأثري سيدي عبد الرحمن في ظل مشاريع التنمية السياحية الضخمة والقائمة أشغالها على قدم وساق بالمنطقة، والتي سيشملها برنامج تهيئة الكورنيش على المنطقة الساحلية، ومشاريع لا مارينا، كازا مول، موروكومول..، تؤكد مصادر جماعية لـ التجديد على أن المكان سيتسعيد رمزيته وسيحافظ على مكانته التاريخية، مشيرا إلى أن الوضع يقتضي ضمنيا إختفاء الشوافات من جنبات الضريح الذي ينبغي أن يظل مكانا للزيارة في إطار ما يسمى بالسياحة الشعبية.