دخل الفعل السمعي البصري في صلب التحولات التي تعرفها المجتمعات العربية من ثورات واحتجاجات ومطالب بالإصلاح، وتباينت درجة التحول بين خلق طفرات جذرية وبين القيام بإصلاحات تعيد ترتيب الأوراق من جديد تناغما مع الفجر الجديد للديمقراطية، الذي أطل قسرا على أغلب الأنظمة العربية. فبعد أن قررت الحكومة التونسيةالجديدة حجب وزارة الاتصال ووضع برنامج لإعطاء هامش فعلي لإعلام متعدد، وبعد أن أنصت المجلس الأعلى العسكري المصري إلى الدعوات الجادة لإلغاء هذه الوزارة سيرا على خطى النماذج الغربية التي أحدثت القطيعة والفصل بين السلطة الإعلامية والسلطات الكلاسيكية، اضطر الرئيس السوري بشار الأسد إلى إعلان نيته القيام بإصلاحات يكون فيها للإعلام الأهمية القصوى، إلا أن موقف الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بإعلانه عن حزمة من الإجراءات ذات الصلة بالإعلام، يبقى الأهم بنظر العديد من المهتمين لعدة اعتبارات أساسية. أول الاعتبارات كون النظام الجزائري كان ينظر إليه حتى وقت قريب على كونه نموذجا للأنظمة الشمولية العربية التي يقبض فيها العسكر كل الأدوات لتسويغ قراراته وتصدير سياساته، ويبقى الإعلام، بطبيعة الحال، الأداة الناجعة التي لا تقبل المساومة أو المغامرة، وهذا يحيل على الاعتبار الثاني، الذي عبر عنه وزير الإعلام الجزائري، قبل أشهر، حينما تكلم عن عدم نضج المناخ الصحي لتحرير القطاع السمعي البصري يتعايش مع واقع إعلامي أحادي لا يرتفع فيه صوت على صوت السلطة الحاكمة في الجزائر. وبصرف النظر عما إذا كانت ثلاثة أشهر فعلا كافية لتحقيق ذلك الشرط (النضج)، يجب التذكير أن الحق في تواصل حر ومستقل يأخذ سنده من المواثيق الدولية والحقوق الكونية والطبيعية (الحرية خاصة)، كما أن أي إنجاح للنقاش يعتمد على عملية تفاعلية بين فاعلين ما يعني تحقيق تواصل، في حين أن تصريف المواقف ودعم نظام شمولي يتأسس على عملية إعلام، يكون فيها خطاب النظام واحدا وأوحد، ويصير فيها المتلقي (المواطن) مستقبلا غير تفاعلي، ما يعني أننا نتحدث عن الإعلام، وبين المفهومين (التواصل، الإعلام) تباين صارخ وعت به الأنظمة الديمقراطية وأسست تبعا لذلك، في الثمانينات وزارات للاتصال، والحال أن الأنظمة الشمولية «تُعلم» والأنظمة الديمقراطية تتواصل. وتفسير ذلك أن الأنظمة الغربية فهمت أن أي نقاش لتطوير المجتمع يتم عبر ضمان تمكين كل القنوات والصيغ التي تكفل للمواطن حريته بما في ذلك التمثل إعلاميا، وعبر إتاحة الفرصة لمساحة أرحب للحرية، وكلما كان فضاء الحرية أوسع، اتسعت درجة الإبداع والتفاعل والتداول، وأما إذا استبدلت الحرية بالوصاية وبالحديث عن عدم نضج الشروط للديمقراطية وتحرير القطاع أو تسييسه كما يحدث في المغرب الآن، فهذا تحايل بين يوسع الهوة بين الفاعل السياسي ومواطنه، ويخلق هامشا للرفض الضمني، الذي يتحول إلى دفاع إلكتروني تحول إلى صدام دموي في مصر، تونس، لبيبا... ما يعني أن النظرة المتعالية للإعلام واعتباره رمزا لسيادة النظام الحاكم بدل سيادة المواطن وحقه في تلقي وإلقاء المعلومة (تفاعل) بعيدا عن منطق التاريخ المتحول (الثورة الإعلامية الإلكترونية) أصبح جزءا من الماضي، وهو ما يعني كذلك أن أي إصرار على الالتفاف على مطلب تحرير الفضاءات السمعية البصرية وخلق سلطة إعلامية مستقلة فعلية، لن يكون إلا استمرارا لحالة الانفصام بين مكونات المجتمع، قد تتحول إلى مواجهات تأخذ تمثلات ومظاهر متعددة قد يصبح من الصعب احتواؤها حينما تصل إلى درجة الصدام.