البطولة: المغرب التطواني يفرض التعادل على الرجاء البيضاوي بعقر داره    إسبانيا تمنح المغرب مليون يورو لاقتناء 10 سيارات إسعاف    مدرب الوداد موكوينا يتحدث عن إمكانية الرحيل بعد التعادل مع اتحاد طنجة    المغرب يرحّل ثلاثة إسبان موالين للبوليساريو بعد محاولتهم دخول العيون بطريقة غير قانونية    نشرة إنذارية.. رياح قوية مع تطاير الغبار وتساقطات ثلجية مرتقبة بالمملكة    الإعلام الفرنسي يصف المغرب ب"إلدورادو حقيقي" للمستثمرين و"وجهة الأحلام" للمسافرين    ارتفاع مخزون السدود المغربية بنحو 35% بعد موجة الأمطار الأخيرة    ريمونتادا مجنونة تقود البارسا للفوز على أتليتيكو مدريد    مجلس بنك المغرب: إجماع على الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي    وزير الداخلية الفرنسي يتوعّد بالاستقالة في حال تراجع باريس أمام الجزائر    وداد برطال تتوج بلقب بطولة العالم للملاكمة النسائية في صربيا    اليمن.. الحوثيون يهددون بمواجهة "التصعيد بالتصعيد" وواشنطن تعلن مقتل العديد من قادتهم    اسكتلندا.. حمزة إغمان يمنح الفوز لرينجرز في ديربي غلاسكواسكتلندا.. حمزة إغمان يمنح الفوز لرينجرز في ديربي غلاسكو    توقعات احوال الطقس ليوم الاثنين.. أمطار وثلوج    البحيري: سعداء بالتتويج بلقب البطولة    هبات رياح قوية مع تطاير الغبار وتساقطات ثلجية مرتقبة يومي الاثنين والثلاثاء بعدد من مناطق المغرب    لا أيمان لمن لا أمانة له ...    الأدوية الأكثر طلبا خلال رمضان المضادة للحموضة و قرحة المعدة!    الغلوسي: الفساد يتمدد بفعل غياب الديمقراطية وقوى الفساد تنشر التخويف وتُشرّع لنفسها    اندلاع حريق مهول بحي المهاجرين العشوائي بتزنيت يسائل سياسات الإيواء والاندماج    حفل موسيقي مميز يُلهب أجواء المركز الثقافي ليكسوس بحضور جمهور غفير    الأعمال الفنية الرمضانية: تخمة في الإنتاج ورداءة في الجودة    إغلاق السوق المركزي لبيع الأسماك بشفشاون: قرار رسمي لحماية الصحة العامة وتنظيم النشاط التجاري    إحياءا لروح الوحدة والاستقلال.. وفد من الشرفاء العلميين يزور ضريح محمد الخامس ترحما على روحه الطاهرة    شبهة التهريب الدولي للمخدرات تتسبب في توقيف سائق شاحنة بطنجة    عواصف وأعاصير تخلف 33 قتيلا على الأقل في الولايات المتحدة    ترامب يجمّد عمل إذاعات أمريكية موجهة إلى الخارج    الأرصاد الجوية تحذر من أمواج عاتية    إسبانيا تُمدد فترة التحقيق "السري" لنفق سبتة بعد تسجيل تطورات    ارتباك النوم في رمضان يطلق تحذيرات أطباء مغاربة من "مخاطر جمّة"    "الثقافة جزء من التنمية المحلية" عنوان أجندة مجلس مقاطعة سيدي البرنوصي    انخفاض جديد في أسعار المحروقات بالمغرب..    في اليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا    عشرات الآلاف يتظاهرون في صربيا ضد الفساد    الإهانة في زمن الميغا امبريالية: عقلانية التشاؤم وتفاؤل الإرادة.    نسيم عباسي يتيح أفلامه السينمائي للجمهور عبر "يوتيوب"    العدالة والتنمية يحمل الحكومة مسؤولية التأخير في إعادة إيواء متضرري زلزال الحوز    ضبط أزيد من 18 ألف قنينة من المشروبات الكحولية في مخزن سري بالناظور    المغرب وموريتانيا يعززان التعاون الإعلامي في عصر التحولات الرقمية    من الناظور إلى الداخلة.. عضو في كونفيدرالية البحارة يكشف عن التلاعب بأسعار السمك    السكتيوي يستدعي 32 لاعبا لإجراء تجمع إعدادي تأهبا ل"شان" 2024    الجزائر واكتشاف البطاقة البنكية: بين السخرية والواقع المرير    "آتو مان" أول بطل خارق أمازيغي في السينما: فيلم مغربي-فرنسي مستوحى من الأسطورة    المغرب يتصدر إنتاج السيارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    تطبيق "تيليغرام" يسمح بتداول العملات المشفرة    مصرع 51 شخصا في حريق بملهى ليلي في مقدونيا الشمالية    فوزي لقجع.. مهندس نجاح نهضة بركان وصانع مجدها الكروي    استمرار ضطرابات الجوية بالمغرب طيلة الأسبوع المقبل    ملكة الأندلس تتربع على عرش الجماهيرية دون منازع    تتويج "عصابات" بجائزة "فرانكوفيلم"    فيضانات وانهيارات أرضية تجتاح شمال إيطاليا (فيديو)    تأثير مرض السكري على العين و عوارض اعتلال الشبكية من جراء الداء    أبرز المعارك الإسلامية.. غزوة "بني قينقاع" حين انتصر النبي لشرف سيدة مسلمة    الغذاء المتوازن و صحة القلب في رمضان !!    فرنسا تعلن استيراد الحصبة من المغرب    أهمية الفحوصات الطبية خلال شهر رمضان    ظاهرة فلكية نادرة مرتقبة فجر يوم غدٍ الجمعة    أداء الشعائر الدينيّة فرض.. لكن بأية نيّة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السي النعرة
نشر في المساء يوم 15 - 04 - 2011

عندما نميط اللثام عن شخصية إلياس العماري، الدماغ المفكر لحزب الأصالة والمعاصرة والحامل لظهيرين ملكيين، فليس لأهمية الرجل وإنما لخطورته. ولعل ذلك التصريح الذي أعطاه محمد البطيوي، آخر المعارضين المنفيين إلى بلجيكا، الذي عاد مؤخرا إلى الريف، والذي قال فيه إن للريف «بلطجيته»، وعلى رأسهم إلياس العماري، يكشف حجم المقاومة التي أصبح يشكلها العماري أمام بناء دولة الحق والقانون. فقد استطاع الرجل في ظرف قياسي أن يتحول إلى إطفائي مولع بإضرام الحرائق، التي يسارع إلى إخمادها لكي يعطي الانطباع بأنه رجل خارق للعادة، يمتلك الحل لكل مأزق ويستطيع التفاهم مع كل الحساسيات بكل اللهجات المغربية، ويستطيع توجيه دفة خطوط التحرير في الجرائد والمجلات كما يشتهي.
وقد كانت دائما تقنية إثارة النعرات العرقية إحدى أهم وسائله لبلوغ مراميه، فقد استطاع بفضل استعماله هذه التقنية الخطيرة إثارة الفتنة في الصحراء بين المغاربة الصحراويين والمغاربة المتحدرين من بقية مناطق المملكة، عندما هندس بمساعدة الوالي جلموس سيناريو مخيم «كديم إزيك» للسطو على المجلس البلدي للعيون بالقوة بعدما فشل في السطو عليه عن طريق صناديق الاقتراع.
ويبدو أن أول من تفطن لهذا الفخ هو الجنرال حسني بنسليمان قائد الدرك، الذي أرسل إلى العيون طلبة متدربين بدون أسلحة لفك المخيم، عوض إرسال رجال فرقه الخاصة المدربين أحدث تدريب. فقد فهم الجنرال العجوز أن إلياس العماري يريد توريطه في حمام دم ينتهي بالاستغناء عنه، وبالتالي فتح مؤسسة الدرك أمام أطماعه غير المحدودة.
هكذا، ما لبث إلياس العماري أن غادر العيون حتى اندلعت الأحداث الدامية بالمدينة، وأصبح بعدها الكثير من أعيان الصحراء يتحدثون عن الصحراويين وعن مغاربة الشمال، متهمين هؤلاء المغاربة الدخلاء بممارسة العنف ضدهم والاستفادة من خيرات الصحراء على ظهورهم.
وقبل أن يؤجج إلياس العماري نعرة القبائل الصحراوية بسبب استدراجه الدولة إلى مستنقع مخيم «كديم إزيك» وإغراقها في رماله، فعل المستحيل لكي يؤجج نعرة أخرى خطيرة هي نعرة أهل الريف ضد أهل فاس. وقد سبق لإلياس، وهو عضو في المجلس الأعلى للسمعي البصري، أن هاجم في أحد تصريحاته استفراد أهل فاس بالمناصب السياسية والعمومية والأمنية في المملكة. وإذا كان هذا الأمر صحيحا، فإن هدف إلياس العماري من وراء طرحه لم يكن هو انتقاد هذا الاستفراد الفاسي بالمناصب، وإنما إقحام الريف في المعادلة وتقديم نفسه كمدافع عن مصالح الريفيين في الرباط.
ولعل أكبر مختبر مارس فيه إلياس العماري تجاربه في تأجيج النعرات العرقية والقبلية هو الريف. فقد نجح في إحياء ما نجحت ثورة الأمير عبد الكريم الخطابي في القضاء عليه، عندما وحدت هذه الثورة قبائل الريف جميعها تحت راية الجهاد لمحاربة الاستعمار الإسباني والفرنسي الذي تكالب على الريف.
لكن هذا الاتحاد القلبي الريفي عرف منذ دخول إلياس العماري إلى مربع السلطة الذهبي أحد أكبر الانشقاقات والفتن، حيث أجج الرجل عناصر الخلاف بين ريفيي الحسيمة وريفيي الناظور، ولعب على الأوتار الحساسة لأعيان المدينتين لكي يجعلهم جميعا تحت سلطته المباشرة.
ولعل النظرية السياسية التي يعمل بها إلياس العماري هي ضرب الكبار بعنف وبلا رحمة لكي يشعر الصغار بالخوف. ولذلك اختار قطع دابر «آل المنصوري»، الذين يعتبرون، في الناظور وجزء كبير من الريف، بمثابة «اللوبي الريفي» في المحيط الملكي، والذين استفادوا بدورهم بفضل قربهم من دوائر القرار من اقتصاد الريع واستغلوا نفوذهم لتجريد المواطنين من أراضيهم، كما حدث للمواطن سعيد تاشفين، الذي يتهم «آل المنصوري» بالاستحواذ على قطعة أرضية في ملكيته تساوي 30 مليار سنتيم، قبل أن يرسلوه إلى السجن عندما طرق أبواب المحاكم لاسترجاعها منهم.
ورغم توجيهه بعد خروجه من السجن أكثر من 250 شكاية وراسل جميع رؤساء العالم، بمن فيهم رئيس دولة إسرائيل، فإن صراخه ذهب أدراج الرياح بفعل قوة نفوذ «آل المنصوري».
وبالإضافة إلى مصطفى المنصوري، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار سابقا، يتشكل خندق «أل المنصوري» من قطعتين مهمتين، هما الجنرال ميمون المنصوري رئيس الحرس الملكي، والمنصوري بنعلي المكلف بمهمة في الديوان الملكي.
وقد كانت خطة إلياس العماري هي أن يفتت «لوبي آل المنصوري» ويقدم نفسه لدوائر القرار بالرباط بوصفه «رجل الريف القوي». وهي التسمية التي أطلقها عليه ملحقه الإعلامي «علي أنوزلا» في إحدى مقالاته بجريدة «الشرق الأوسط»، التي لم يعد يطيق سماع اسمها أو تذكر «رائحة» المقالات التي كان ينشرها على صفحاتها لتلميع حذاء «بطل الريف» الجديد.
ولذلك بعدما رفض مصطفى المنصوري تفويت حزب التجمع الوطني للأحرار إلى إلياس لكي يدمجه في حزب الأصالة والمعاصرة، كما صنع مع كل الأحزاب الإدارية الأخرى، طوعا أو كرها، هندس له انقلابا منظما أطاح به من رئاسة الحزب ووضع محله وزير المالية صلاح الدين مزوار، الذي بمجرد ما جلس فوق كرسي الرئاسة حتى أصبح يظهر مع «مناضلي» الأصالة والمعاصرة أكثر مما يظهر مع مناضلي الأحرار.
أكثر من ذلك، فقد تحول الحزب في عهد مزوار إلى ملحقة تابعة لحزب الأصالة والمعاصرة، بعدما قبل هذا الأخير بوضع الدكتور «جعفر هيكل» مديرا مركزيا للحزب، في الوقت الذي ينتمي هذا الدكتور إلى الأصالة والمعاصرة، أي أن مزوار وضع الحزب تحت وصاية إلياس العماري مباشرة.
أما الذين لم يستوعبوا الدرس جيدا، فقد استعمل معهم العماري تقنية أخرى أجاد استعمالها. وهذه التقنية ظهرت على الخصوص خلال الحملة الانتخابية الأخيرة عندما ترشح «حكيم بوتشماشث» لمجلس المستشارين. وعندما سمع إلياس العماري أن منافسه «ميمون العلالي» ينوي الترشح ضده، أرسل إليه الشرطة القضائية التي طرقت باب منزله لاعتقاله، لكنه «أنقذ» الموقف وغادر البلاد في الوقت المناسب وطلب من «أصواته» التي ضمنها أن تذهب لصالح «حكيم بوتشماشث».
ولأن إثارة نعرة «صحراوة» ضد المغاربة، ونعرة ريفيي الناظور ضد ريفيي الحسمية، وإثارة نعرة أهل الريف ضد أهل فاس، لا تكفي، فقد أثار إلياس العماري نعرة أهل الريف ضد المغاربة العرب، خصوصا عندما أعلن عداءه للغة العربية إلى درجة أنه حذفها من حافلاته التي تنقل فريق شباب الحسيمة، الذي يتحكم في ناديه ويجمع بفضله أموال الاحتضان من الشركات والمؤسسات العمومية، وأبرزها فرع مؤسسة العمران بفاس، الذي منح مديره عبد الجليل الشرقاوي النادي عندما كان في الدرجة الثانية احتضانا سنويا بمبلغ 300 مليون سنتيم صالحا لثلاث سنوات. وقد كان جزاء مدير العمران بفاس بعد توقيعه هذا الشيك السمين هو نقله إلى مراكش، التي يسير عُمديتها حزب الأصالة والمعاصرة، كمدير على رأس الوكالة الحضرية، وما أدراك ما الوكالة الحضرية بمراكش، قبل أن يتم اقتراح اسم الشرقاوي، ابن أخ الجنرال الشرقاوي، رئيس الحرس الملكي في عهد الحسن الثاني، لشغل منصب مدير مديرية الهندسة المعمارية بوزارة الإسكان.
وفي كل حافلات فريق شباب الحسيمة لا يمكن أن تعثر على كلمة واحدة بالعربية، إذ قرر إلياس العماري أن يكون اسم الفريق وعنوان النادي مكتوبا بحروف «تفيناغ» والفرنسية لا غير، في تحد واضح لدستورية اللغة العربية، وأيضا لإرث الأمير عبد الكريم الخطابي، الذي كان أحد أشرس المدافعين عن اللغة العربية ومظاهر أسلمة المجتمع، التي يدعي «حفيده» المزور إلياس العماري محاربتها اليوم.
ولكي ينجح إلياس العماري في تحقيق مشاريع التقسيم وإثارة الفتن والنعرات، استعمل بشكل ذكي وفعال وسائل الإعلام بجميع أشكالها.
ولعل تجربة الرجل في عالم النشر، التي دخلها مبكرا عندما كان يبيع «الكاغيط» للصحف، علمته أن أحسن طريقة للتأثير في صناع القرار السياسي والاقتصادي هي اختراق الصحف والمجلات ووضع رجاله وآذانه داخل مؤسسات وسائل الإعلام السمعية البصرية، عوض إهدار المال في تأسيسها. فقد استفاد إلياس من تجاربه الفاشلة في النشر، خصوصا بعد أسبوعية «تليلي» التي تعني بالعربية «الحرية»، ومطبوعات انتهت إلى الإفلاس مثل «الموجة» و«على الأقل» اللتين أصدرهما صديقه الحميم عبد القادر الشاوي بمساعدة وتمويل من إلياس، إضافة إلى أسبوعية «الأخبار المغربية» التي أسند إدارتها إلى الصديق نفسه، والتي توقفت كذلك.
ولذلك، لا غرابة أن يكون لإلياس العماري في كل الجرائد والمجلات المغربية والمحطات الإذاعية الخاصة رجاله ونساؤه، الذين «يسهرون» على تمرير أخباره وخوض معاركه بالوكالة وترويج صوره و«أنشطته»، التي يخيف بها خصومه ويغري بها الطامعين في الاقتراب من محيطه. فقد كان هو من أخذ بيد علي أنوزلا وذهب به إلى طنجة لكي يبحث له عن التمويل لجريدته «الأولى»، وكان هو أيضا من توسط لصاحب «أخبار اليوم» لإنقاذ جريدته من الإفلاس بعدما لم تتجاوز مبيعاته عشرة آلاف نسخة بعد سنتين من صدورها، فتحولت خلال الانتخابات إلى علبة «سيراج» لتلميع حزب الأصالة والمعاصرة وتغطية حملات «نجمات» الحزب الصاعدات في سماء الشهرة.
وكان هو من دافع عن ملف صديقه عبد المجيد العروسي للحصول على رخصة إذاعة «كاب راديو» من الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري التي يعتبر إلياس أحد «حكمائها»، رغم أن مستواه الدراسي لا يصل حتى إلى مستوى البكالوريا.
ولذلك كان مفاجئا لكثيرين أن يطالعوا في جريدته المفضلة «أخبار اليوم» خبرا حول تسجيله في سلك الماستر بجامعة السوربون بباريس طمعا في الحصول على شهادة جامعية يعوض بها عقدة النقص التي يشعر بها عندما يجالس الدكاترة والكتاب والمثقفين.
لمثل هؤلاء المتعجبين يقول المغاربة: «ما دمت في المغرب فلا تستغرب».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.