يرى حفيظ يونسي أن المخطط الاستعجالي جاء بعد الفشل في تحقيق أهداف عشرية التعليم ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه في ورش مجتمعي مهم يكمل برنامج الدولة في الإصلاح. غير أنه يعتقد أن هذا البرنامج يحمل بين طياته بذور فشله، لأنه ربط إصلاح التعليم العالي بالتمويل، وهذا مدخل خاطئ، بدليل أن الجامعات الآن تصرف ميزانياتها في أمور لا علاقة لها بالتعليم، وثانيا لأن المخطط لم يعتمد مقاربة تشاركية في إنجازه، لأنه تم تغييب الطلبة والموظفين والأساتذة. ومن جهة أخرى، قال حفيظ يونسي إن الجامعة المغربية كانت في قلب الصراع السياسي الدائر في البلاد وتحولت مع الوقت إلى أداة للضغط من طرف بعض الأطراف. غير أن الدولة، في مقابل ذلك، عملت بكل إمكاناتها، القانونية والمادية، على ضرب الجامعة وإفراغها من محتواها الإصلاحي تجاه القضايا المركزية للبلاد. - تنطلق «الجامعة الوطنية لقطاع التعليم العالي» في تصورها للإصلاح التربوي مما تعتبره مقاربة شمولية تنطلق من الاختلالات الحقيقية التي تواجهها الجامعة، كبديل للمقاربة الحالية المتبناة من طرف الوزارة الوصية، ما هي أوجه القصور في تصور البرنامج الاستعجالي لإصلاح الجامعة؟ وما هي المداخل الرئيسية للمقاربة الشمولية التي تتبناها نقابتكم؟ وجب التنبه، في بداية الأمر، إلى أن المخطط الاستعجالي جاء بعد الفشل في تحقيق أهداف عشرية التعليم، ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه في ورش مجتمعي مهم يكمل برنامج الدولة في الإصلاح، لكن الملاحظ أن البرنامج الاستعجالي، للأسف، تضمّن بذور فشله في ذاته، أولا، لأنه ربط إصلاح التعليم العالي بالتمويل، وهذا مدخل خاطئ، بدليل أن الجامعات الآن تصرف ميزانياتها في أمور لا علاقة لها بالتعليم.. ثانيا، لأن المخطط لم يعتمد مقاربة تشاركية في انجازه، لأنه تم تغييب الطلبة والموظفين والأساتذة، مع العلم أن إنجاحه يتطلب تعبئة وإعمال مقاربة شمولية لمكوناته الثلاث، أي الطالب والأستاذ والإدارة، أضف إلى ذلك أن المخطط الاستعجالي لم يعمل على تجاوز كوارث الإصلاح البيداغوجي، والذي أفرغ الجامعة من محتواها المعرفي... لذلك نعتقد في الجامعة الوطنية لقطاع التعليم العالي أن المدخل الرئيسي يمر -بالضرورة- عبر فتح حوار وطني يشمل جميع مكونات العملية التربوية حول أزمة التعليم في بلادنا، حوار الهدف الأساسي منه هو البحث عن خارطة طريق واضحة من أجل تعليم عال موحد مجاني وديمقراطي، يجعل الجامعة في قلب المجتمع لا خارجه. ونحن نعتقد أن هذا هو أفق الإصلاح وعنوانه الكبير الذي تندرج ضمنه باقي القضايا الأخرى، المرتبطة بالتعليم العالي. كما تعلمون، أضحى منصب رئيس الجامعة ذا أهمية قصوى في الدفاع عن هوية الجامعة، تجعله في عمق رهانات الراهن المغربي، خصوصا مع بداية الخطوات الأولى لتفعيل استقلالية الجامعة، ما هي الشروط التي ينبغي مراعاتها في انتقاء المؤهلين لهذا المنصب؟ وهل من المفيد اليوم، في عالم أضحت فيه السلطة للمعرفة، أن تراعى الخلفيات السياسية والحزبية في اختيار رؤساء الجامعات؟ -في الحقيقة، هذا سؤال مهم، لأنه يرتبط في العمق بديمقراطية الهياكل داخل الجامعة المغربية، اليوم هناك مسطرة تعتمد بالأساس على تقديم مشاريع للنهوض بالجامعة المعنية، على أن يتم تقديم ثلاثة مرشحين إلى الديوان الملكي ليتم اختيار اسم من الثلاثة، وهناك أمور كثيرة، غير معايير الكفاءة والعلمية، تتدخل في عملية الاختيار في هذا المنصب، وهي أمور ترتبط بما هو سياسي وحزبي تجعل طرح سؤال الشفافية أمرا مشروعا. وبما أننا نعيش هذه الأيام حالة من استرجاع الشعوب لسيادتها، فإن عملية اختيار رئيس الجامعة -بما هي مؤسسة منتجة للمعرفة وللنخب- يجب أن تستند إلى مبدأ الانتخاب، وهو المبدأ الذي سيساعد على نزع الصفة المادية عن مسطرة اختيار رئيس الجامعة وسيكرس ديمقراطية كل الوحدات الجامعية، وسنكون إزاء مؤسسات عمومية مسؤولة عن اختياراتها ومحاسَبة في نفس الوقت، وسيكرس مؤسسة منتجة لقيم الحرية والديمقراطية والمساءلة. - يفترض في الجامعة، كمؤسسة مركزية في مجتمع المعرفة، أن تجسد نموذجا لما ينبغي أن يكون عليه المجتمع، خصوصا في ترسيخ قيم الحوار والديمقراطية واحترام الحق في الاختلاف، إلا أن الناظر في حال الجامعة المغربية اليوم يجد أنها متطبعة بقيم الإقصاء الموجودة في محيطها، بدل أن تكون هي بديلا، ما هو تحليلكم لهذا الوضع؟ الجامعة هي انعكاس لحال المجتمع، يجب ألا ننسى أن الجامعة المغربية كانت في قلب الصراع السياسي الدائر في البلاد وتحولت -مع الأسف- إلى أداة للضغط من طرف بعض الأطراف، بينما عملت الدولة، بكل إمكاناتها القانونية والمادية، على ضرب الجامعة، بنية ووظيفة، وعلى إفراغها من محتواها الإصلاحي تجاه القضايا المركزية للبلاد. والتدافع داخل الجامعة أمر مهم وحيوي بين أطرافها، يفرز أسئلة وإجابات عما يعتمل داخل المجتمع، بالاستناد إلى المعرفة المنسجمة مع هوية الجامعة. بطبيعة الحال، تحوُّل الأمر إلى صراع يستبطن الإقصاء والهيمنة أمر مرفوض ويسئ إلى الجامعة ويضر بحضورها الرمزي لدى الفرد والمجتمع. وبالتالي، فإنه مطلوب، اليوم، أن يتحلى كل الفاعلين في الجامعة بالجرأة والشجاعة للقيام بعملية نقد ذاتي وتقديم المصلحة العامة على المصالح الفئوية الضيقة، والهدف الرئيسي هو أن تكون الجامعة في طليعة هذا الحراك المجتمعي المهم في المغرب، بحكم هويتها وطبيعتها، حيث تستطيع أن تُصْدر قيم الحوار والمعرفة وتجيب عن الأسئلة الكبرى للمجتمع. - لا يتكون الجسم الجامعي فقط من أساتذة جامعيين، بل هناك جنودُ خفاء يشتغلون بصمت وفي ظروف مزرية، كالموظفين الإداريين والأعوان، الذين لا غنى عن أدوارهم لاداء الأستاذ الجامعي مهامه، ألا تتفقون معي على أنهم يحتاجون إلى إنصاف؟ مع الأسف، أغفلت كل مشاريع الإصلاح التي استهدفت الجامعة هذه الفئةَ، التي تقوم بدور محوري في إنجاح العملية التربوية، فرغم اشتغالهم في مؤسسات عمومية مستقلة، فإنهم لا يستفيدون من ميزات الاشتغال فيها، وهذا ما دفعنا إلى المطالبة بضرورة تمتيع هذه الفئة بنظام أساسي خاص. إضافة إلى مشاكل تتعلق بالترقية وبهزالة الأجور وأيضا بالتحفيز والتكوين وغيرها من الأمور التي تتطلب إيجاد حلول بنيوية، بدل الحلول «الترقيعية»، التي يئس منها الجميع في القطاع. إضافة إلى إشكالية سوء تعامل رؤساء المؤسسات الجامعية والشطط في استعمال السلطة والتمييز في التعامل مع الموظفين، دون إغفال فئة مهمة تشتغل في الأحياء الجامعية، والتي تعاني من وضعية مهينة، جراء تعامل قياد وزارة الداخلية معهم، وهو الواقع الذي طالبنا بالقطع معه ونناضل من أجل إجلاء قياد وزارة الداخلية من الأحياء الجامعية. - أشار التقرير الأول للمجلس الأعلى للتعليم إلى أن هناك نسبة كبيرة، تفوق النصف، من الأساتذة الجامعيين لم يكتبوا سطرا واحدا منذ أن أنهوا بحوثهم، من يتحمل مسؤولية هذا الوضع غير الطبيعي، هل هو بعض الأساتذة الذين يعتقدون أن الحصول على الدكتوراه هو الكمال في ذاته؟ أم في عدم وجود أي من عناصر التحفيز والتشجيع على البحث العلمي؟ البحث الذي تم الإعلان عنه في السنة الماضية هو بحث تم «تحت طلب» الوزارة الوصية، وهذا يطرح سؤال الموضوعية. لكنْ، رغم ذلك، يمكن الاتفاق مع بعض خلاصات هذا البحث، إلا أنه لا يجب السقوط في فخ التعميم، حيث هناك رداءة وجبت محاربتها لمصلحة البحث العلمي النزيه. كما تجب الإشارة إلى أن البحث العلمي مرتبط بالقرار السياسي، ففي ظل غياب الربط بين البحث العلمي وفصله عن التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية السائدة، بما يؤدي لا محالة إلى غياب التناسق مع المعطى التنموي العام، فالقرار السياسي يفرض تعاونا بين بنيات البحث، من جهة، وبين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، من جهة أخرى، قصد تطويرها والاستفادة من الخبرات الوطنية والدخول في عملية تطوير واستفادة متبادَلة، وهذا الأمر -مع الأسف- عبارة عن سطور في أوراق.. كما أن الإنفاق الحكومي على البحث العلمي لا يتجاوز 0.86% من الناتج الوطني الخام، مقارنة بالكيان الصهيوني، مثلا (3%)، بمعنى أن مسؤولية الباحثين المغاربة قائمة في ظل ضعف الإنتاج العلمي. بالمقابل، هناك غياب مطلق لرؤية وطنية للبحث العلمي، انعكست على مستوى بنيات ووسائل البحث وهزالة نظام التحفيز. كما أنه لا ينبغي فصل إصلاح البحث العلمي عن منظومة إصلاح التعليم في بلادنا. - الاستقلال المالي للجامعات خطوة يمكن اعتبارها في الاتجاه الصحيح، لكنْ ألا يفرض هذا خلق «ثورة» في ذهنيات مجموعة من مسؤولي الجامعات الذين يتصرفون دون رقيب ولا شفافية وكأنهم في ممتلكاتهم؟ أولا، الجامعات المغربية هي مؤسسات عمومية تتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية، وهذا يعني أنها تتمتع بحرية التصرف في ميزانياتها الخاصة، حيث إن رئيس الجامعة هو الآمر بالصرف، والمفروض أن تساعد هذه الميزة في الرقي بالجامعة الوطنية، من خلال تسريع المساطر، بما يؤدي إلى سرعة التدخل والإنجاز. لكن، مع الأسف، يثبت الواقع وجود اختلالات مالية خطيرة أقرّتها التقارير الأخيرة للمجلس الأعلى للحسابات، وهذا يعني ضرورة إعمال مسطرة المحاسبة في حق هؤلاء الرؤساء وتقديمهم للمحاكمة لأخذ العبرة، لأن المفروض أن تكون الجامعة الفضاء الأمثل للتدبير الجيد والشفاف.