مرة أخرى في القدس يتابعون، «عن كثب»، النزاع لدى الجيران، هذه المرة الصدامات الدموية في سوريا، فهل إسقاط بشار الأسد جيد لليهود؟ هل يحتمل أن يحتل المتزمتون المتدينون مكان حكم الأقلية العلوية؟ ماذا سيكون مصير اتفاق فصل القوات في هضبة الجولان؟ ماذا ستكون سياسة النظام الجديد بالنسبة إلى الحل السياسي للنزاع الإسرائيلي العربي؟ كيف سيؤثر التحول السياسي على العلاقات الحميمة بين سورية وإيران، حزب الله وحماس؟ من الصعب إيجاد محلل جدي يخاطر بمحاولة الرد على هذه الأسئلة. بالمقابل، بعد ستة أسابيع من إسقاط نظام حسني مبارك، حتى المتشائمون اليائسون لا يتحدثون عن استئناف المواجهة مع مصر. بالهزات الداخلية، لم تنتقل إلى الحدود مع إسرائيل. والحكومة المؤقتة في القاهرة ردت بضبط للنفس على غارات سلاح الجو في غزة. ورغم ذلك، ففي مقابلة مع صحيفة «الحياة» الصادرة في لندن (ونشرت في نهاية الأسبوع في «هارولد تريبيون» أيضا)، قال عمرو موسى، الذي يعتبر أحد المرشحين المتصدرين لانتخابات الرئاسة، بشكل قاطع، إنه إذا انتُخب رئيسا، فسيحترم اتفاق السلام مع إسرائيل. لولا ضيق أفق وربما جُبن أولئك الذين يصفون أنفسهم ب«الزعماء» لعله كان يمكن لنا أن نكون أكثر هدوءا حتى بالنسبة إلى التطورات في الشمال. فاليوم، سيحل العام التاسع على إقرار مبادرة السلام العربية في قمة الجامعة العربية. كل الدول العربية، بما فيها سوريا، ومعها كل أعضاء منظمة الدول الإسلامية، تقدموا حينها لإسرائيل بالاقتراح الأفضل الذي تلقته الدولة اليهودية منذ تصريح بلفور: نهاية علاقات العداء مع العالم الإسلامي، علاقات جوار طبيعية مع الدول العربية، دولة فلسطينية في حدود الرابع من يونيو1967 وعاصمتها القدس، وحل عادل ومتفق عليه لمشكلة اللاجئين، على أساس القرار 194. وتركت المبادرة ثغرة لتبادل الأراضي، مما يتيح ضم الأحياء اليهودية في شرقي القدس وبعض المستوطنات لإسرائيل وكذا ترتيبات خاصة في الأماكن المقدسة. كشفت وثائق «الجزيرة» النهج البراغماتي لرئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، من مسألة العودة إلى إسرائيل في الاتصالات مع رئيس الوزراء إيهود أولمرت. إلى جانب ذلك، حاول الرئيس الأسد استئناف المفاوضات مع إسرائيل في قنوات مختلفة و»ابتلع» إهانة قصف المفاعل السوري، الذي عُزي -حسب منشورات أجنبية- إلى ذراع إسرائيل الطويلة... بدلا من السلام مع كل الدول العربية، شرع أرييل شارون، غداة القمة في حرب مع الفلسطينيين. ردا على قتل 30 إسرائيليا في عملية لحماس في فندق «بارك» في نتانيا في ليل الفصح، بعث بالجيش الإسرائيلي لإعادة احتلال المناطق (حملة «السور الواقي»). وبالمناسبة، اقترح شارون وقتها «اتفاقا انتقاليا بعيد المدى» (أتعرفونه؟) بمثابة «نعطيك كل اليد وأنت تريد الأصبع». مثل باقي أعضاء الجامعة العربية، تجلدت سوريا أمام قرار حكومة إسرائيل، في العام 2003، بإدراج 14 تحفظاً على خريطة الطريق. ومثل باقي الدول العربية، منذ 28 مارس 2002، صوتت سوريا ثمان مرات في صالح إعادة المصادقة على المبادرة. ومثل سابقاتها الثلاث، تجاهلتها حكومة نتنياهو هي الأخرى. ولولا سلسلة الهزات الداخلية التي بسببها تأجل انعقاد القمة العربية، الذي كان مقررا في بغداد هذا الأسبوع، لكان من شبه المؤكد أن يعود الزعماء العرب ليعلنوا هناك عن موت المبادرة. مفهوم تلقائيا أن المفاوضات على أساس المبادرة العربية لا تستوي مع مبادرة الإعلان في الأممالمتحدة عن إقامة دولة فلسطينية في حدود 1967. يتكيف زعماء حماس، الذين يتحسسون طريقهم إلى حكومة وحدة معتدلة، مع الواقع الجديد الذي يتبلور في الشرق الأوسط، وهم يعرفون أن ممثلي الأخ الأكبر - الإخوان المسلمين سيشاركون قريبا في الحكومة المصرية، التي ستُبقي على اتفاق السلام مع إسرائيل. يحتمل ألا تبقى دمشق أيضا مدينة لجوء للإرهابيين. في هذه الإثناء، ما تزال المبادرة على الرف. لو كان لدى إسرائيل رئيس وزراء لا يختص في هذه الأيام في شؤون البقاء السياسي، لَما كان سمح بهذا التفويت الإجرامي لفرصة مبادرة السلام العربية، المبادرة التي لن تُعاد مرة أخرى. عن «هآرتس »