باريس سان جيرمان ينعش آماله في أبطال أوروبا بعد ريمونتدا مثيرة في شباك مانشستر سيتي    دعوة وزيرة السياحة البنمية لزيارة الداخلة: خطوة نحو شراكة سياحية قوية    منظمة التجارة العالمية تسلط الضوء على تطور صناعة الطيران في المغرب    الاحتيال على الراغبين في الهجرة السرية ينتهي باعتقال شخصين    حجز 230 كيلوغراما من الشيرا بوزان‬    الأشعري يدعو إلى "المصالحة اللغوية" عند التنصيب عضواً بالأكاديمية    طنجة المتوسط يعزز ريادته في البحر الأبيض المتوسط ويتخطى حاجز 10 ملايين حاوية خلال سنة 2024    ضمنهم طفل مغربي.. مقتل شخصين وإصابة آخرين في هجوم بسكين بألمانيا والمشتبه به أفغاني    عامل نظافة يتعرض لاعتداء عنيف في طنجة    فوضى حراس السيارات في طنجة: الأمن مطالب بتدخل عاجل بعد تعليمات والي الجهة    لا زال معتقلاً بألمانيا.. المحكمة الدستورية تجرد محمد بودريقة من مقعده البرلماني    حادثة مروعة بمسنانة: مصرع شاب وإيقاف سائق سيارة حاول الفرار    السكوري: نسخة "النواب" من مشروع قانون الإضراب لا تعكس تصور الحكومة    النصب على "الحراكة" في ورزازات    في درس تنصيب أفاية عضوا بأكاديمية المملكة .. نقد لخطابات "أزمة القيم"    ميناء طنجة المتوسط يكسر حاجز 10 ملايين حاوية في سنة واحدة    عامل إقليم الجديدة يستقبل رئيس وأعضاء المجلس الإقليمي للسياحة    ريال مدريد يُسطر انتصارا كاسحا بخماسية في شباك سالزبورج    حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    شباب الريف الحسيمي يتعاقد رسميا مع المدرب محمد لشهابي    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    في الحاجة إلى ثورة ثقافية تقوم على حب الوطن وخدمته    جهود استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد بإقليم العرائش    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    نحن وترامب: (2) تبادل التاريخ ووثائق اعتماد …المستقبل    وزارة الداخلية تكشف عن إحباط أزيد من 78 ألف محاولة للهجرة غير السرية خلال سنة 2024    توقيع اتفاقية مغربية-يابانية لتطوير قرية الصيادين بالصويرية القديمة    رسميا.. مسرح محمد الخامس يحتضن قرعة الكان 2025    دولة بنما تقدم شكوى للأمم المتحدة بشأن تهديدات ترامب لها    القضاء يبرء طلبة كلية الطب من التهم المنسوبة اليهم    المغرب يُحبط أكثر من 78 ألف محاولة هجرة غير نظامية في 2024    القضاء الفرنسي يصدر مذكرة توقيف بحق بشار الأسد    منتخب "U17" يواجه غينيا بيساو وديا    الشيخات داخل قبة البرلمان    اعتقال المؤثرين .. الأزمة بين فرنسا والجزائر تتأجج من جديد    وهبي يعرض مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد    الغموض يلف العثور على جثة رضيعة بتاهلة    بنعلي: المغرب يرفع نسبة الطاقات المتجددة إلى 45.3% من إجمالي إنتاج الكهرباء    أيوب الحومي يعود بقوة ويغني للصحراء في مهرجان الطفل    120 وفاة و25 ألف إصابة.. مسؤول: الحصبة في المغرب أصبحت وباء    الإفراط في تناول اللحوم الحمراء يزيد من مخاطر تدهور الوظائف العقلية ب16 في المائة    سناء عكرود تشوّق جمهورها بطرح فيديو ترويجي لفيلمها السينمائي الجديد "الوَصايا"    الكويت تعلن عن اكتشاف نفطي كبير    مجموع مشتركي نتفليكس يتخطى 300 مليون والمنصة ترفع أسعارها    دراسة: أمراض اللثة تزيد مخاطر الإصابة بالزهايمر    عادل هالا    جماهير جمعية سلا تطالب بتدخل عاجل لإنقاذ النادي    Candlelight تُقدم حفلاتها الموسيقية الفريدة في طنجة لأول مرة    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    الصين تطلق خمسة أقمار صناعية جديدة    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرأي‮ والرأي‮ الآخر‮
نشر في المساء يوم 16 - 03 - 2011

مررت،‮ كعادتي،‮ زوال‮ الأحد‮ الماضي‮ وسط‮ مدينة‮ الدار‮ البيضاء،‮ فأثار‮ استغرابي‮ وجود‮ عناصر‮ من‮ قوات‮ التدخل‮ السريع‮ ترتدي‮ قمصانا‮ واقية‮ من‮ الرصاص‮. راجعت‮ برنامج‮ الاحتجاجات‮ التي‮ أعلنت‮ عنها‮ الهيئات‮ المكونة‮ لحركة‮ 20‮ فبراير،‮ فلم‮ أعثر‮ سوى‮ على‮ برنامج‮ لوقفة‮ احتجاجية‮ للتعبير‮ السلمي‮ عن‮ مطالب‮ الحركة‮.
مرت‮ ساعة،‮ فبدأت‮ أتوصل‮ بصور‮ التدخل‮ العنيف‮ الذي‮ قامت‮ به‮ عناصر‮ الأمن‮ ضد‮ المحتجين‮ والصحافيين،‮ وهو‮ التدخل‮ المجاني‮ والعبثي‮ الذي‮ لم‮ يكن‮ ليحدث‮ بدون‮ صدور‮ أوامر‮ من‮ وزير‮ الداخلية‮ شخصيا‮.‬
وزير‮ الداخلية‮ هذا‮ إما‮ أنه‮ لم‮ يستمع‮ إلى‮ الخطاب‮ الملكي‮ وإما‮ أنه‮ استمع‮ إليه‮ وفهمه‮ بالمقلوب‮. فعندما‮ تحدث‮ الملك‮ عن‮ تضمين‮ الدستور‮ الجديد‮ حماية‮ الحقوق‮ الفردية‮ والجماعية،‮ فإنه‮ أعطى‮ إشارة‮ قوية‮ إلى‮ دستورية‮ الحق‮ في‮ الاحتجاج‮ والتعبير‮ عن‮ الرأي‮.‬
وما‮ قام‮ به‮ المتظاهرون‮ يوم‮ الأحد‮ يدخل‮ ضمن‮ الأساليب‮ الديمقراطية‮ المتعارف‮ عليها‮ عالميا‮ في‮ التعبير‮ عن‮ الرأي،‮ طالما‮ أن‮ هذا‮ التعبير‮ كان‮ سلميا‮ وحضاريا‮ ولا‮ يشكل‮ أي‮ تهديد‮ للأمن‮ العام‮.‬
هناك‮ إذن،‮ وعلى‮ مستوى‮ وزارة‮ الداخلية،‮ صعوبة‮ في‮ فهم‮ مضامين‮ الخطاب‮ الملكي،‮ جعلت‮ سعادة‮ الوزير‮ يعتبر‮ احتجاج‮ المواطنين‮ بعد‮ الخطاب‮ الملكي‮ شكلا‮ من‮ أشكال‮ تقليل‮ الأدب‮ على‮ الملك‮.
إن‮ هذا‮ الفهم‮ المخزني‮ العتيق‮ للعلاقة‮ التي‮ يجب‮ أن‮ تكون‮ بين‮ الملك‮ والمواطنين‮ لم‮ يعد‮ له‮ مكان‮ في‮ مغرب‮ ما‮ بعد‮ خطاب‮ التاسع‮ من‮ مارس‮. ويبدو‮ أن‮ هناك‮ أشخاصا‮ داخل‮ الدولة‮ لازالوا‮ يعتقدون‮ أن‮ كل‮ من‮ عارض‮ الملك‮ يجب‮ أن‮ يتم‮ تكسير‮ أسنانه‮ وضلوعه‮.
لا‮ يا‮ سادة،‮ أولئك‮ الذين‮ لديهم‮ رأي‮ مخالف‮ لما‮ جاء‮ في‮ الخطاب‮ الملكي،‮ لديهم‮ كامل‮ الحق‮ في‮ التعبير‮ عن‮ هذا‮ الرأي،‮ بدون‮ أن‮ ينتهوا‮ إلى‮ مخافر‮ الأمن‮ أو‮ غرف‮ المستعجلات‮ مثلما‮ حدث‮ يوم‮ الأحد‮.‬
إن‮ الديمقراطية‮ الحقيقية‮ هي‮ تلك‮ التي‮ تسمح‮ للجميع‮ بالتعبير‮ داخلها‮ بحرية،‮ وتعطي‮ الكلمة‮ الفصل‮ في‮ الأخير‮ للشعب،‮ بدون‮ وصاية‮ من‮ أحد‮.‬
إذا‮ كانت‮ حركة‮ 20‮ فبراير‮ والهيئات‮ السياسية‮ والنقابية‮ والشبابية‮ المشكلة‮ لها‮ قد‮ رأت‮ في‮ ما‮ أتى‮ به‮ الملك‮ شيئا‮ إيجابيا،‮ لكنه‮ لا‮ يستجيب‮ لمطالب‮ الحركة‮ التي‮ تطالب‮ بحل‮ الحكومة‮ والبرلمان‮ وتشكيل‮ حكومة‮ تصريف‮ أعمال‮ والإعداد‮ لانتخابات‮ سابقة‮ لأوانها،‮ فمن‮ حقها‮ أن‮ تقرر‮ الاستمرار‮ في‮ الاحتجاج‮ المنتظم‮ والسلمي‮ في‮ الشارع،‮ لأن‮ الحق‮ في‮ الاختلاف‮ هو‮ أحد‮ الحقوق‮ الفردية‮ والجماعية‮ الأساسية‮ التي‮ تنص‮ عليها‮ جميع‮ الدساتير‮ الديمقراطية‮.
فهذه‮ الحركة‮ قبل‮ كل‮ شيء‮ تمثل‮ 0.1‮ في‮ المائة‮ من‮ المغاربة‮ إذا‮ أخذنا‮ نسبة‮ ال37‮ ألفا‮ التي‮ أعلنت‮ عنها‮ الداخلية‮ للمشاركين‮ الذين‮ خرجوا‮ في‮ كل‮ مدن‮ المغرب‮ يوم‮ 20‮ فبراير‮ وقسمناها‮ على‮ 30‮ مليون‮ مغربي‮ الذين‮ يشكلون‮ سكان‮ المغرب‮. وإذا‮ خرج‮ مليون‮ مغربي‮ يوم‮ 20‮ مارس،‮ فإن‮ هذه‮ الحركة‮ ستصبح‮ معبرة‮ عن‮ رأي‮ 3‮ في‮ المائة‮ من‮ المغاربة،‮ وهذه‮ الفئة‮ من‮ الشعب‮ من‮ حقها‮ أن‮ تعبر‮ عن‮ رأيها،‮ سواء‮ في‮ الشارع‮ أو‮ في‮ وسائل‮ الإعلام‮ العمومية،‮ بطريقة‮ سلمية‮ ومنظمة‮ بدون‮ أن‮ تتعرض‮ للتعنيف‮ أو‮ التضييق‮ أو‮ الاعتقال‮.‬
وفي‮ مقابل‮ ذلك،‮ يجب‮ على‮ قياديي‮ حركة‮ 20‮ فبراير‮ أن‮ يقبلوا،‮ في‮ إطار‮ الديمقراطية،‮ بوجود‮ فئات‮ أخرى‮ من‮ المغاربة‮ لديها‮ رأي‮ آخر‮ في‮ الموضوع‮ لا‮ يساير‮ بالضرورة‮ توجهاتهم‮ السياسية‮ ومواقفهم‮ الإيديولوجية‮.‬
هذه‮ الفئات‮ الأخرى‮ تعتقد‮ أن‮ مطلب‮ حل‮ الحكومة‮ والبرلمان‮ الذي‮ تنادي‮ به‮ حركة‮ 20‮ فبراير‮ هو‮ تحصيل‮ حاصل،‮ فعمر‮ حكومة‮ عباس‮ الفاسي‮ لن‮ يتجاوز‮ الخريف‮ المقبل‮ من‮ هذه‮ السنة،‮ ومن‮ يرجع‮ إلى‮ الخطاب‮ الملكي‮ سيعثر‮ على‮ جملة‮ تفيد‮ بأن‮ الحكومة،‮ التي‮ ستحكم‮ المغاربة‮ بعد‮ طرح‮ الدستور‮ الجديد‮ للاستفتاء‮ والتصويت‮ عليه‮ من‮ طرف‮ الشعب‮ بالموافقة،‮ يجب‮ أن‮ تكون‮ حكومة‮ منتخبة‮.‬
والحال‮ أن‮ حكومة‮ عباس‮ الفاسي‮ ليست‮ كلها‮ حكومة‮ منتخبة،‮ فداخلها‮ يوجد‮ عشرة‮ وزراء‮ غير‮ منتخبين،‮ بمعنى‮ أن‮ عباس‮ الفاسي‮ بمجرد‮ ما‮ ستنتهي‮ اللجنة‮ من‮ إعداد‮ الدستور‮ في‮ نهاية‮ جوان‮ وتطرحه‮ للاستفتاء‮ لكي‮ سيصوت‮ عليه‮ المغاربة،‮ سيكون‮ مضطرا،‮ في‮ حالة‮ قبول‮ الدستور‮ الجديد،‮ إلى‮ تقديم‮ استقالته‮ على‮ الملك‮ وحل‮ حكومته‮ وإجراء‮ انتخابات‮ سابقة‮ لأوانها‮ من‮ أجل‮ تشكيل‮ حكومة‮ منتخبة‮ لا‮ تتناقض‮ مع‮ روح‮ الدستور‮ الجديد،‮ بمعنى‮ أن‮ الأمور‮ إذا‮ سارت‮ في‮ هذا‮ الاتجاه‮ فإن‮ حكومة‮ عباس‮ الفاسي‮ ستسقط‮ أوراقها‮ مع‮ بداية‮ الخريف‮ المقبل،‮ وسيتم‮ الإعلان‮ عن‮ انتخابات‮ سابقة‮ لأوانها‮ بتزامن‮ مع‮ الدخول‮ السياسي‮ في‮ سبتمبر‮ المقبل‮. هكذا‮ سيكون‮ المغاربة‮ في‮ أكتوبر‮ أمام‮ خريطة‮ سياسية‮ جديدة‮ ستفرز‮ حكومة‮ جديدة‮ خارجة‮ من‮ صناديق‮ الاقتراع‮.‬
أما‮ في‮ حالة‮ حدوث‮ السيناريو‮ الأسوأ،‮ وهو‮ بقاء‮ حكومة‮ عباس‮ الفاسي،‮ لا‮ قدر‮ الله،‮ بعد‮ تبني‮ الدستور‮ الجديد،‮ فإن‮ هذه‮ الحكومة‮ ستكون‮ معرضة‮ لتلقي‮ ملتمسات‮ الرقابة‮ بسبب‮ لا‮ دستوريتها‮. وهذا‮ سيعمق‮ الأزمة‮ السياسية‮ في‮ المغرب‮ ويزيد‮ من‮ الاحتقان‮ الشعبي‮ بسبب‮ وصول‮ شعبية‮ عباس‮ وحكومته‮ إلى‮ الحضيض‮.
هذا‮ في‮ ما‮ يتعلق‮ بحل‮ الحكومة‮ والبرلمان،‮ وهو‮ أحد‮ المطالب‮ الأساسية‮ الذي‮ تتشبث‮ به‮ حركة‮ 20‮ فبراير‮ وقررت‮ من‮ أجله‮ الاستمرار‮ في‮ النزول‮ إلى‮ الشارع‮. أما‮ في‮ ما‮ تعلق‮ بمطلب‮ الملكية‮ البرلمانية‮ فهو‮ مطلب‮ تشترك‮ فيه‮ الحركة‮ مع‮ القوى‮ السياسية‮ التي‮ قدمت‮ بعض‮ أحزابها‮ مذكرات‮ بهذا‮ الخصوص‮ حتى‮ قبل‮ أن‮ يولد‮ أغلب‮ شباب‮ الحركة،‮ وأيام‮ كان‮ التعبير‮ عن‮ الرأي‮ المخالف‮ يقود‮ صاحبه‮ إلى‮ مخافر‮ التعذيب‮ وأقبية‮ الاعتقال‮.‬
أما‮ مطلب‮ محاسبة‮ المفسدين‮ والتوزيع‮ العادل‮ للثروة‮ والحق‮ في‮ السكن‮ والشغل‮ والصحة‮ والعدالة،‮ فكلها‮ مطالب‮ تشترك‮ فيها‮ الحركة‮ مع‮ الأغلبية‮ الساحقة‮ للمغاربة‮. ولذلك،‮ فمن‮ حقها‮ أن‮ تعبر‮ عن‮ مطالبها،‮ سواء‮ تلك‮ التي‮ تعنيها‮ وتعني‮ الفئة‮ التي‮ تمثلها‮ أو‮ تلك‮ التي‮ تعني‮ أغلبية‮ الشعب‮ المغربي،‮ بطريقة‮ حضارية‮ وسلمية‮ بدون‮ أن‮ تتعرض‮ للتعنيف‮ والتضييق‮ والاستفزاز‮.‬
هناك‮ اليوم‮ موقفان‮ يقسمان‮ الرأي‮ العام‮ المغربي‮: موقف‮ يقول‮ بعدم‮ وجود‮ ضمانات‮ لإخراج‮ دستور‮ ديمقراطي‮ يفضي‮ إلى‮ الملكية‮ البرلمانية‮ بسبب‮ وجود‮ أشخاص‮ محافظين‮ في‮ اللجنة‮ المكلفة‮ بإعداد‮ الدستور،‮ وموقف‮ آخر‮ يقول‮ بضرورة‮ إعطاء‮ الوقت‮ لهذه‮ اللجنة‮ لتقديم‮ اقتراحها‮ إلى‮ الشعب‮ لكي‮ يناقشه‮ ويعطي‮ رأيه‮ فيه‮ بدون‮ وصاية‮ من‮ أحد‮.‬
أولا،‮ عندما‮ نقول‮ إن‮ هناك‮ أعضاء‮ محافظين‮ داخل‮ اللجنة‮ ولديهم‮ «‬سوابق‮» في‮ الاشتغال‮ مع‮ الدولة،‮ علما‮ بأن‮ الدولة‮ المغربية‮ ليست‮ هي‮ إسرائيل‮ والاشتغال‮ معها‮ ليس‮ جريمة،‮ فهذا‮ يشكل‮ حكما‮ مسبقا‮ على‮ بقية‮ أفراد‮ اللجنة‮ المشهود‮ لهم،‮ حسب‮ القائلين‮ بهذا‮ الرأي،‮ بالاستقلالية،‮ ويضعهم‮ في‮ خانة‮ الأعضاء‮ الذين‮ سيسهل‮ استعمالهم‮ وقيادتهم‮.‬
هل‮ سيقبل‮ الأستاذ‮ عبد‮ الله‮ ساعف‮ أن‮ يتم‮ استعماله،‮ مثلا؟‮ إنني‮ مقتنع‮ بأن‮ ساعف‮ سيقدم‮ استقالته‮ من‮ اللجنة‮ بمجرد‮ ما‮ سيشعر‮ بأنه‮ يشتغل‮ مع‮ أشخاص‮ مسيرين‮ عن‮ بعد‮. والواقع‮ أن‮ كل‮ من‮ شعر‮ بهذا‮ الإحساس‮ داخل‮ اللجنة‮ يجب‮ أن‮ تكون‮ لديه‮ الجرأة‮ السياسية‮ والأخلاقية‮ لكي‮ يصفق‮ الباب‮ خلفه‮ ويغادر‮ اللجنة‮ بلا‮ ندم،‮ لأن‮ الأمر‮ لا‮ يتعلق‮ بالتفكير‮ في‮ مخرج‮ من‮ مأزق‮ سياسي‮ ظرفي‮ وإنما‮ يتعلق‮ بكتابة‮ دستور‮ سيحدد‮ العلاقة‮ بين‮ الحاكم‮ والمحكوم‮ ويضع‮ لكل‮ واحد‮ منهما‮ حدودا‮ لسلطاته‮ واختصاصاته‮.
إن‮ الديمقراطية‮ تقتضي‮ أن‮ تكون‮ لهذين‮ الرأيين‮ إمكانيات‮ التعبير‮ عن‮ نفسهما‮ بكل‮ حرية،‮ دون‮ مصادرة‮ أي‮ واحد‮ منهما‮ لحق‮ الآخر‮ في‮ الوجود‮ والتعبير‮. لذلك،‮ فاللجوء‮ إلى‮ الهراوات‮ واستعراض‮ العضلات‮ ضد‮ المحتجين‮ والصحافيين‮ وارتداء‮ القمصان‮ الواقية‮ من‮ الرصاص،‮ للتصدي‮ لمجرد‮ رأي،‮ يعكس‮ في‮ الواقع‮ تخلف‮ العقل‮ الأمني‮ وعدم‮ قدرته‮ على‮ مسايرة‮ الإيقاع‮ الذي‮ وضعه‮ الخطاب‮ الملكي‮ الأخير‮.‬
كما‮ أن‮ هذا‮ اللجوء‮ العبثي‮ إلى‮ القوة،‮ ضد‮ حرية‮ التعبير‮ عن‮ الرأي‮ المخالف،‮ يعكس‮ وجود‮ قوى‮ خفية‮ داخل‮ أجهزة‮ الدولة‮ تتعهد‮ بالرعاية‮ عقلية‮ عتيقة‮ تريد‮ أن‮ تستمر‮ في‮ ممارسة‮ الترهيب‮ على‮ المواطنين‮ الذين‮ يخالفونها‮ الرأي‮ من‮ أجل‮ ثنيهم‮ عن‮ الجهر‮ بآرائهم‮.
هذه‮ العقليات‮ الأمنية‮ المتجاوزة،‮ التي‮ تعشش‮ في‮ وزارة‮ الداخلية‮ والتي‮ ورثتها‮ الدولة‮ من‮ عهد‮ إدريس‮ البصري،‮ يجب‮ أن‮ تفهم‮ أن‮ مغرب‮ ما‮ بعد‮ التاسع‮ من‮ مارس‮ لم‮ يعد‮ يقبل‮ بإشهار‮ الهراوة‮ في‮ وجه‮ الرأي‮ حتى‮ ولو‮ كان‮ مخالفا‮ لرأي‮ الملك‮.
ولذلك،‮ فإن‮ الهراوة‮ لم‮ تعد‮ هي‮ الحل‮ لمحاورة‮ أصحاب‮ الرأي‮ المخالف‮. الحل‮ يبدأ‮ بتحرير‮ وسائل‮ الإعلام‮ العمومية‮ من‮ سلاسل‮ الجهل‮ والخوف‮ والتعتيم،‮ وإعطاء‮ الكلمة‮ للجميع‮ بالتساوي‮ لكي‮ يتحدثوا‮ أمام‮ المغاربة‮ ويقارعوا‮ أفكار‮ بعضهم‮ البعض،‮ حتى‮ يستطيع‮ الشعب‮ أن‮ يختار‮ أي‮ الأفكار‮ أقرب‮ إليه‮ وأي‮ المواقف‮ أنسب‮ للتبني‮.
عندما‮ سيتحرر‮ الإعلام‮ العمومي‮ من‮ قيوده‮ الثقيلة‮ ويفتح‮ أبوابه‮ لاستقبال‮ الفاعلين‮ السياسيين‮ والحقوقيين‮ والشباب،‮ بيسارييهم‮ وإسلامييهم‮ ويمينييهم،‮ لمناقشة‮ أفكارهم‮ ومواقفهم‮ بحرية‮ أمام‮ المغاربة،‮ سيفهم‮ هؤلاء‮ أن‮ هناك‮ مكانا‮ غير‮ الشارع‮ للتعبير‮ عن‮ الرأي‮.
أما‮ عندما‮ يصم‮ هذا‮ الإعلام‮ العمومي‮ آذانه‮ عن‮ سماع‮ شعارات‮ ومطالب‮ المحتجين،‮ فلا‮ يجب‮ أن‮ نلوم‮ هؤلاء‮ المحتجين‮ على‮ اختيارهم‮ الشارع‮ مكانا‮ للتعبير‮.
‮«‬اللي‮ عندو‮ باب‮ واحد‮ الله‮ يسدو‮ عليه‮».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.