حسنية أكادير يهزم نهضة بركان بهدفين    الاعتداء الخطير على بعثة "المينورسو" في تيفاريتي يدفع للتعجيل بتصنيف بوليساريو على قائمة الارهاب الدولي    رغم الأمطار.. آلاف المغاربة في مسيرة من أجل فلسطين والتأكيد على وحدة التراب الوطني    الجزائر تدافع عن مشتبه به في جريمة محاولة اغتيال... وتتهم الآخرين بالتآمر    علماء ودعاة مغاربة يُدينون رسوّ سفن أمريكية تحمل عتادًا موجّهًا للاحتلال الإسرائيلي    تحقيق دولي لواشنطن بوست يكشف: إيران جنّدت مقاتلي البوليساريو في سوريا لتهديد أمن المغرب    إحداث مراكز الدراسات بسلك الدكتوراه في العلوم التمريضية وتقنيات الصحة ابتداء من الموسم الجامعي المقبل    المباراة الرسمية للقفز على الحواجز بتطوان : الفارس الغالي بوقاع يفوز بجائزة ولي العهد    حمزة إيغامان يقود ريمونتادا رينجرز أمام أبردين    اسبانيا .. تفكيك شبكة تهرب المهاجرين من المغرب إلى إسبانيا عبر رومانيا    مندوبية السجون تنفي صحة مزاعم وردت على لسان السجين السابق (ع. ر)    الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية: مبادرة مغربية تكتسب شرعية دولية متصاعدة    قرعة كان أقل من 20 سنة.. المنتخب المغربي في المجموعة الثانية    إدريس لشكر بدون لغة خشب : «وطنيتنا هي التي تملي علينا مواقفنا»    اللجنة المشتركة المغربية العمانية: شراكة متجددة تعكس عمق العلاقات الثنائية    تافراوت : مجهودات جبارة لرجال الوقاية المدنية ساهمت في إنجاح النسخة ال 12 لمهرجان اللوز    القرعة تضع "الأشبال" بمجموعة قوية    المغرب يطلق مبادرة إنسانية جديدة لدعم الأطفال الفلسطينيين في غزة والقدس    مصدر ينفي تعرض موقع وزارة للاختراق    وفاة أستاذة أرفود متأثرة بإصابتها بعد الاعتداء الشنيع من طرف أحد طلابها    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    مؤشر الحرية الاقتصادية 2025.. غياب النزاهة الحكومية وتصلب سوق الشغل يُفرملان نمو الاقتصاد المغربي    قطاع مكافحة سوء التغذية يحذر من «كارثة»    في ورقة لمركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي .. مرسوم دعم المقاولات الصغيرة خطوة تعيقها معضلات التوزيع والبيروقراطية وهذه توصياته    أخبار الساحة    الوداد والرجاء يقتسمان نقط الديربي، والمقاطعة تفقده الحماس والإثارة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين.. نزول أمطار بمنطقة طنجة    رشيد المرابطي يحطم الرقم القياسي لماراطون الرمال وعزيزة العمراني تفقد لقبها    في قبضة القصيدة الأولى: ذاكرة النص الأول بعيون متجددة    بينبين مستاء من تغييب وزارة الثقافة له خلال معرض الكتاب بباريس    الدرك الملكي يشن حملة أمنية واسعة عبر التمشيط بالتنقيط الإلكتروني    الصين تدعو الولايات المتحدة الى "إلغاء كامل" للرسوم الجمركية المتبادلة    عبد الوهاب الدكالى يعود بجمهور الرباط إلى الزمن الجميل    مكتب الصرف يحقق في تهريب العملة من طرف منعشين عقاريين    طبيب: السل يقتل 9 أشخاص يوميا بالمغرب والحسيمة من المناطق الأكثر تضررا    اندلاع النيران في سيارة على الطريق الساحلية رقم 16 نواحي سيدي فتوح    درهم واحد قد يغير السوق : المغرب يشدد القيود على واردات الألواح الخشبية    محاميد الغزلان ترقص على إيقاعات الصحراء في اليوم الثالث من مهرجان الرحل    من خيوط الذاكرة إلى دفاتر اليونسكو .. القفطان المغربي يعيد نسج هويته العالمية    'واشنطن بوست': إيران دربت مسلحين من البوليساريو وسوريا تعتقل المئات منهم    الدورة السابعة للجنة المشتركة المغربية–العمانية تُتوّج بتوقيع مذكرات تفاهم في مجالات متعددة    المغرب وسلطنة عمان يؤكدان عزمهما على تطوير تعاونهما في شتى المجالات    دراسة: الجينات تلعب دورا مهما في استمتاع الإنسان بالموسيقى    تيفلت.. توقيف شخصين انتهكا حرمة مسجد في حالة تخدير    المغرب يستقبل 4 ملايين سائح في الربع الأول من 2025    تحسن ملحوظ في نسب امتلاء سدود المغرب مقارنة بالعام الماضي        مستقبل الصحافة في ظل التحول الرقمي ضمن فعاليات معرض GITEX Africa Morocco 2025    الدوزي يمنع من دخول أمريكا بسبب زيارة سابقة له للعراق    أمسية فنية استثنائية للفنان عبد الوهاب الدكالي بمسرح محمد الخامس    التكنولوجيا تفيد في تجنب اختبار الأدوية على الحيوانات    غموض يكتنف انتشار شائعات حول مرض السل بسبب الحليب غير المبستر    الذئب الرهيب يعود من عالم الانقراض: العلم يوقظ أشباح الماضي    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    









الرأي‮ والرأي‮ الآخر‮
نشر في المساء يوم 16 - 03 - 2011

مررت،‮ كعادتي،‮ زوال‮ الأحد‮ الماضي‮ وسط‮ مدينة‮ الدار‮ البيضاء،‮ فأثار‮ استغرابي‮ وجود‮ عناصر‮ من‮ قوات‮ التدخل‮ السريع‮ ترتدي‮ قمصانا‮ واقية‮ من‮ الرصاص‮. راجعت‮ برنامج‮ الاحتجاجات‮ التي‮ أعلنت‮ عنها‮ الهيئات‮ المكونة‮ لحركة‮ 20‮ فبراير،‮ فلم‮ أعثر‮ سوى‮ على‮ برنامج‮ لوقفة‮ احتجاجية‮ للتعبير‮ السلمي‮ عن‮ مطالب‮ الحركة‮.
مرت‮ ساعة،‮ فبدأت‮ أتوصل‮ بصور‮ التدخل‮ العنيف‮ الذي‮ قامت‮ به‮ عناصر‮ الأمن‮ ضد‮ المحتجين‮ والصحافيين،‮ وهو‮ التدخل‮ المجاني‮ والعبثي‮ الذي‮ لم‮ يكن‮ ليحدث‮ بدون‮ صدور‮ أوامر‮ من‮ وزير‮ الداخلية‮ شخصيا‮.‬
وزير‮ الداخلية‮ هذا‮ إما‮ أنه‮ لم‮ يستمع‮ إلى‮ الخطاب‮ الملكي‮ وإما‮ أنه‮ استمع‮ إليه‮ وفهمه‮ بالمقلوب‮. فعندما‮ تحدث‮ الملك‮ عن‮ تضمين‮ الدستور‮ الجديد‮ حماية‮ الحقوق‮ الفردية‮ والجماعية،‮ فإنه‮ أعطى‮ إشارة‮ قوية‮ إلى‮ دستورية‮ الحق‮ في‮ الاحتجاج‮ والتعبير‮ عن‮ الرأي‮.‬
وما‮ قام‮ به‮ المتظاهرون‮ يوم‮ الأحد‮ يدخل‮ ضمن‮ الأساليب‮ الديمقراطية‮ المتعارف‮ عليها‮ عالميا‮ في‮ التعبير‮ عن‮ الرأي،‮ طالما‮ أن‮ هذا‮ التعبير‮ كان‮ سلميا‮ وحضاريا‮ ولا‮ يشكل‮ أي‮ تهديد‮ للأمن‮ العام‮.‬
هناك‮ إذن،‮ وعلى‮ مستوى‮ وزارة‮ الداخلية،‮ صعوبة‮ في‮ فهم‮ مضامين‮ الخطاب‮ الملكي،‮ جعلت‮ سعادة‮ الوزير‮ يعتبر‮ احتجاج‮ المواطنين‮ بعد‮ الخطاب‮ الملكي‮ شكلا‮ من‮ أشكال‮ تقليل‮ الأدب‮ على‮ الملك‮.
إن‮ هذا‮ الفهم‮ المخزني‮ العتيق‮ للعلاقة‮ التي‮ يجب‮ أن‮ تكون‮ بين‮ الملك‮ والمواطنين‮ لم‮ يعد‮ له‮ مكان‮ في‮ مغرب‮ ما‮ بعد‮ خطاب‮ التاسع‮ من‮ مارس‮. ويبدو‮ أن‮ هناك‮ أشخاصا‮ داخل‮ الدولة‮ لازالوا‮ يعتقدون‮ أن‮ كل‮ من‮ عارض‮ الملك‮ يجب‮ أن‮ يتم‮ تكسير‮ أسنانه‮ وضلوعه‮.
لا‮ يا‮ سادة،‮ أولئك‮ الذين‮ لديهم‮ رأي‮ مخالف‮ لما‮ جاء‮ في‮ الخطاب‮ الملكي،‮ لديهم‮ كامل‮ الحق‮ في‮ التعبير‮ عن‮ هذا‮ الرأي،‮ بدون‮ أن‮ ينتهوا‮ إلى‮ مخافر‮ الأمن‮ أو‮ غرف‮ المستعجلات‮ مثلما‮ حدث‮ يوم‮ الأحد‮.‬
إن‮ الديمقراطية‮ الحقيقية‮ هي‮ تلك‮ التي‮ تسمح‮ للجميع‮ بالتعبير‮ داخلها‮ بحرية،‮ وتعطي‮ الكلمة‮ الفصل‮ في‮ الأخير‮ للشعب،‮ بدون‮ وصاية‮ من‮ أحد‮.‬
إذا‮ كانت‮ حركة‮ 20‮ فبراير‮ والهيئات‮ السياسية‮ والنقابية‮ والشبابية‮ المشكلة‮ لها‮ قد‮ رأت‮ في‮ ما‮ أتى‮ به‮ الملك‮ شيئا‮ إيجابيا،‮ لكنه‮ لا‮ يستجيب‮ لمطالب‮ الحركة‮ التي‮ تطالب‮ بحل‮ الحكومة‮ والبرلمان‮ وتشكيل‮ حكومة‮ تصريف‮ أعمال‮ والإعداد‮ لانتخابات‮ سابقة‮ لأوانها،‮ فمن‮ حقها‮ أن‮ تقرر‮ الاستمرار‮ في‮ الاحتجاج‮ المنتظم‮ والسلمي‮ في‮ الشارع،‮ لأن‮ الحق‮ في‮ الاختلاف‮ هو‮ أحد‮ الحقوق‮ الفردية‮ والجماعية‮ الأساسية‮ التي‮ تنص‮ عليها‮ جميع‮ الدساتير‮ الديمقراطية‮.
فهذه‮ الحركة‮ قبل‮ كل‮ شيء‮ تمثل‮ 0.1‮ في‮ المائة‮ من‮ المغاربة‮ إذا‮ أخذنا‮ نسبة‮ ال37‮ ألفا‮ التي‮ أعلنت‮ عنها‮ الداخلية‮ للمشاركين‮ الذين‮ خرجوا‮ في‮ كل‮ مدن‮ المغرب‮ يوم‮ 20‮ فبراير‮ وقسمناها‮ على‮ 30‮ مليون‮ مغربي‮ الذين‮ يشكلون‮ سكان‮ المغرب‮. وإذا‮ خرج‮ مليون‮ مغربي‮ يوم‮ 20‮ مارس،‮ فإن‮ هذه‮ الحركة‮ ستصبح‮ معبرة‮ عن‮ رأي‮ 3‮ في‮ المائة‮ من‮ المغاربة،‮ وهذه‮ الفئة‮ من‮ الشعب‮ من‮ حقها‮ أن‮ تعبر‮ عن‮ رأيها،‮ سواء‮ في‮ الشارع‮ أو‮ في‮ وسائل‮ الإعلام‮ العمومية،‮ بطريقة‮ سلمية‮ ومنظمة‮ بدون‮ أن‮ تتعرض‮ للتعنيف‮ أو‮ التضييق‮ أو‮ الاعتقال‮.‬
وفي‮ مقابل‮ ذلك،‮ يجب‮ على‮ قياديي‮ حركة‮ 20‮ فبراير‮ أن‮ يقبلوا،‮ في‮ إطار‮ الديمقراطية،‮ بوجود‮ فئات‮ أخرى‮ من‮ المغاربة‮ لديها‮ رأي‮ آخر‮ في‮ الموضوع‮ لا‮ يساير‮ بالضرورة‮ توجهاتهم‮ السياسية‮ ومواقفهم‮ الإيديولوجية‮.‬
هذه‮ الفئات‮ الأخرى‮ تعتقد‮ أن‮ مطلب‮ حل‮ الحكومة‮ والبرلمان‮ الذي‮ تنادي‮ به‮ حركة‮ 20‮ فبراير‮ هو‮ تحصيل‮ حاصل،‮ فعمر‮ حكومة‮ عباس‮ الفاسي‮ لن‮ يتجاوز‮ الخريف‮ المقبل‮ من‮ هذه‮ السنة،‮ ومن‮ يرجع‮ إلى‮ الخطاب‮ الملكي‮ سيعثر‮ على‮ جملة‮ تفيد‮ بأن‮ الحكومة،‮ التي‮ ستحكم‮ المغاربة‮ بعد‮ طرح‮ الدستور‮ الجديد‮ للاستفتاء‮ والتصويت‮ عليه‮ من‮ طرف‮ الشعب‮ بالموافقة،‮ يجب‮ أن‮ تكون‮ حكومة‮ منتخبة‮.‬
والحال‮ أن‮ حكومة‮ عباس‮ الفاسي‮ ليست‮ كلها‮ حكومة‮ منتخبة،‮ فداخلها‮ يوجد‮ عشرة‮ وزراء‮ غير‮ منتخبين،‮ بمعنى‮ أن‮ عباس‮ الفاسي‮ بمجرد‮ ما‮ ستنتهي‮ اللجنة‮ من‮ إعداد‮ الدستور‮ في‮ نهاية‮ جوان‮ وتطرحه‮ للاستفتاء‮ لكي‮ سيصوت‮ عليه‮ المغاربة،‮ سيكون‮ مضطرا،‮ في‮ حالة‮ قبول‮ الدستور‮ الجديد،‮ إلى‮ تقديم‮ استقالته‮ على‮ الملك‮ وحل‮ حكومته‮ وإجراء‮ انتخابات‮ سابقة‮ لأوانها‮ من‮ أجل‮ تشكيل‮ حكومة‮ منتخبة‮ لا‮ تتناقض‮ مع‮ روح‮ الدستور‮ الجديد،‮ بمعنى‮ أن‮ الأمور‮ إذا‮ سارت‮ في‮ هذا‮ الاتجاه‮ فإن‮ حكومة‮ عباس‮ الفاسي‮ ستسقط‮ أوراقها‮ مع‮ بداية‮ الخريف‮ المقبل،‮ وسيتم‮ الإعلان‮ عن‮ انتخابات‮ سابقة‮ لأوانها‮ بتزامن‮ مع‮ الدخول‮ السياسي‮ في‮ سبتمبر‮ المقبل‮. هكذا‮ سيكون‮ المغاربة‮ في‮ أكتوبر‮ أمام‮ خريطة‮ سياسية‮ جديدة‮ ستفرز‮ حكومة‮ جديدة‮ خارجة‮ من‮ صناديق‮ الاقتراع‮.‬
أما‮ في‮ حالة‮ حدوث‮ السيناريو‮ الأسوأ،‮ وهو‮ بقاء‮ حكومة‮ عباس‮ الفاسي،‮ لا‮ قدر‮ الله،‮ بعد‮ تبني‮ الدستور‮ الجديد،‮ فإن‮ هذه‮ الحكومة‮ ستكون‮ معرضة‮ لتلقي‮ ملتمسات‮ الرقابة‮ بسبب‮ لا‮ دستوريتها‮. وهذا‮ سيعمق‮ الأزمة‮ السياسية‮ في‮ المغرب‮ ويزيد‮ من‮ الاحتقان‮ الشعبي‮ بسبب‮ وصول‮ شعبية‮ عباس‮ وحكومته‮ إلى‮ الحضيض‮.
هذا‮ في‮ ما‮ يتعلق‮ بحل‮ الحكومة‮ والبرلمان،‮ وهو‮ أحد‮ المطالب‮ الأساسية‮ الذي‮ تتشبث‮ به‮ حركة‮ 20‮ فبراير‮ وقررت‮ من‮ أجله‮ الاستمرار‮ في‮ النزول‮ إلى‮ الشارع‮. أما‮ في‮ ما‮ تعلق‮ بمطلب‮ الملكية‮ البرلمانية‮ فهو‮ مطلب‮ تشترك‮ فيه‮ الحركة‮ مع‮ القوى‮ السياسية‮ التي‮ قدمت‮ بعض‮ أحزابها‮ مذكرات‮ بهذا‮ الخصوص‮ حتى‮ قبل‮ أن‮ يولد‮ أغلب‮ شباب‮ الحركة،‮ وأيام‮ كان‮ التعبير‮ عن‮ الرأي‮ المخالف‮ يقود‮ صاحبه‮ إلى‮ مخافر‮ التعذيب‮ وأقبية‮ الاعتقال‮.‬
أما‮ مطلب‮ محاسبة‮ المفسدين‮ والتوزيع‮ العادل‮ للثروة‮ والحق‮ في‮ السكن‮ والشغل‮ والصحة‮ والعدالة،‮ فكلها‮ مطالب‮ تشترك‮ فيها‮ الحركة‮ مع‮ الأغلبية‮ الساحقة‮ للمغاربة‮. ولذلك،‮ فمن‮ حقها‮ أن‮ تعبر‮ عن‮ مطالبها،‮ سواء‮ تلك‮ التي‮ تعنيها‮ وتعني‮ الفئة‮ التي‮ تمثلها‮ أو‮ تلك‮ التي‮ تعني‮ أغلبية‮ الشعب‮ المغربي،‮ بطريقة‮ حضارية‮ وسلمية‮ بدون‮ أن‮ تتعرض‮ للتعنيف‮ والتضييق‮ والاستفزاز‮.‬
هناك‮ اليوم‮ موقفان‮ يقسمان‮ الرأي‮ العام‮ المغربي‮: موقف‮ يقول‮ بعدم‮ وجود‮ ضمانات‮ لإخراج‮ دستور‮ ديمقراطي‮ يفضي‮ إلى‮ الملكية‮ البرلمانية‮ بسبب‮ وجود‮ أشخاص‮ محافظين‮ في‮ اللجنة‮ المكلفة‮ بإعداد‮ الدستور،‮ وموقف‮ آخر‮ يقول‮ بضرورة‮ إعطاء‮ الوقت‮ لهذه‮ اللجنة‮ لتقديم‮ اقتراحها‮ إلى‮ الشعب‮ لكي‮ يناقشه‮ ويعطي‮ رأيه‮ فيه‮ بدون‮ وصاية‮ من‮ أحد‮.‬
أولا،‮ عندما‮ نقول‮ إن‮ هناك‮ أعضاء‮ محافظين‮ داخل‮ اللجنة‮ ولديهم‮ «‬سوابق‮» في‮ الاشتغال‮ مع‮ الدولة،‮ علما‮ بأن‮ الدولة‮ المغربية‮ ليست‮ هي‮ إسرائيل‮ والاشتغال‮ معها‮ ليس‮ جريمة،‮ فهذا‮ يشكل‮ حكما‮ مسبقا‮ على‮ بقية‮ أفراد‮ اللجنة‮ المشهود‮ لهم،‮ حسب‮ القائلين‮ بهذا‮ الرأي،‮ بالاستقلالية،‮ ويضعهم‮ في‮ خانة‮ الأعضاء‮ الذين‮ سيسهل‮ استعمالهم‮ وقيادتهم‮.‬
هل‮ سيقبل‮ الأستاذ‮ عبد‮ الله‮ ساعف‮ أن‮ يتم‮ استعماله،‮ مثلا؟‮ إنني‮ مقتنع‮ بأن‮ ساعف‮ سيقدم‮ استقالته‮ من‮ اللجنة‮ بمجرد‮ ما‮ سيشعر‮ بأنه‮ يشتغل‮ مع‮ أشخاص‮ مسيرين‮ عن‮ بعد‮. والواقع‮ أن‮ كل‮ من‮ شعر‮ بهذا‮ الإحساس‮ داخل‮ اللجنة‮ يجب‮ أن‮ تكون‮ لديه‮ الجرأة‮ السياسية‮ والأخلاقية‮ لكي‮ يصفق‮ الباب‮ خلفه‮ ويغادر‮ اللجنة‮ بلا‮ ندم،‮ لأن‮ الأمر‮ لا‮ يتعلق‮ بالتفكير‮ في‮ مخرج‮ من‮ مأزق‮ سياسي‮ ظرفي‮ وإنما‮ يتعلق‮ بكتابة‮ دستور‮ سيحدد‮ العلاقة‮ بين‮ الحاكم‮ والمحكوم‮ ويضع‮ لكل‮ واحد‮ منهما‮ حدودا‮ لسلطاته‮ واختصاصاته‮.
إن‮ الديمقراطية‮ تقتضي‮ أن‮ تكون‮ لهذين‮ الرأيين‮ إمكانيات‮ التعبير‮ عن‮ نفسهما‮ بكل‮ حرية،‮ دون‮ مصادرة‮ أي‮ واحد‮ منهما‮ لحق‮ الآخر‮ في‮ الوجود‮ والتعبير‮. لذلك،‮ فاللجوء‮ إلى‮ الهراوات‮ واستعراض‮ العضلات‮ ضد‮ المحتجين‮ والصحافيين‮ وارتداء‮ القمصان‮ الواقية‮ من‮ الرصاص،‮ للتصدي‮ لمجرد‮ رأي،‮ يعكس‮ في‮ الواقع‮ تخلف‮ العقل‮ الأمني‮ وعدم‮ قدرته‮ على‮ مسايرة‮ الإيقاع‮ الذي‮ وضعه‮ الخطاب‮ الملكي‮ الأخير‮.‬
كما‮ أن‮ هذا‮ اللجوء‮ العبثي‮ إلى‮ القوة،‮ ضد‮ حرية‮ التعبير‮ عن‮ الرأي‮ المخالف،‮ يعكس‮ وجود‮ قوى‮ خفية‮ داخل‮ أجهزة‮ الدولة‮ تتعهد‮ بالرعاية‮ عقلية‮ عتيقة‮ تريد‮ أن‮ تستمر‮ في‮ ممارسة‮ الترهيب‮ على‮ المواطنين‮ الذين‮ يخالفونها‮ الرأي‮ من‮ أجل‮ ثنيهم‮ عن‮ الجهر‮ بآرائهم‮.
هذه‮ العقليات‮ الأمنية‮ المتجاوزة،‮ التي‮ تعشش‮ في‮ وزارة‮ الداخلية‮ والتي‮ ورثتها‮ الدولة‮ من‮ عهد‮ إدريس‮ البصري،‮ يجب‮ أن‮ تفهم‮ أن‮ مغرب‮ ما‮ بعد‮ التاسع‮ من‮ مارس‮ لم‮ يعد‮ يقبل‮ بإشهار‮ الهراوة‮ في‮ وجه‮ الرأي‮ حتى‮ ولو‮ كان‮ مخالفا‮ لرأي‮ الملك‮.
ولذلك،‮ فإن‮ الهراوة‮ لم‮ تعد‮ هي‮ الحل‮ لمحاورة‮ أصحاب‮ الرأي‮ المخالف‮. الحل‮ يبدأ‮ بتحرير‮ وسائل‮ الإعلام‮ العمومية‮ من‮ سلاسل‮ الجهل‮ والخوف‮ والتعتيم،‮ وإعطاء‮ الكلمة‮ للجميع‮ بالتساوي‮ لكي‮ يتحدثوا‮ أمام‮ المغاربة‮ ويقارعوا‮ أفكار‮ بعضهم‮ البعض،‮ حتى‮ يستطيع‮ الشعب‮ أن‮ يختار‮ أي‮ الأفكار‮ أقرب‮ إليه‮ وأي‮ المواقف‮ أنسب‮ للتبني‮.
عندما‮ سيتحرر‮ الإعلام‮ العمومي‮ من‮ قيوده‮ الثقيلة‮ ويفتح‮ أبوابه‮ لاستقبال‮ الفاعلين‮ السياسيين‮ والحقوقيين‮ والشباب،‮ بيسارييهم‮ وإسلامييهم‮ ويمينييهم،‮ لمناقشة‮ أفكارهم‮ ومواقفهم‮ بحرية‮ أمام‮ المغاربة،‮ سيفهم‮ هؤلاء‮ أن‮ هناك‮ مكانا‮ غير‮ الشارع‮ للتعبير‮ عن‮ الرأي‮.
أما‮ عندما‮ يصم‮ هذا‮ الإعلام‮ العمومي‮ آذانه‮ عن‮ سماع‮ شعارات‮ ومطالب‮ المحتجين،‮ فلا‮ يجب‮ أن‮ نلوم‮ هؤلاء‮ المحتجين‮ على‮ اختيارهم‮ الشارع‮ مكانا‮ للتعبير‮.
‮«‬اللي‮ عندو‮ باب‮ واحد‮ الله‮ يسدو‮ عليه‮».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.