في حلقة ليلة الخميس -صبيحة الجمعة، 11 مارس الجاري، من "أنيس المبدعين"، على أمواج "إذاعة طنجة"، فتح عبد الحميد النقراشي دفترَ الحي المحمدي على صفحة واحدة من الفنانات المغربيات اللواتي أنجبهُنّ هذا الحي البيضاوي، الذي أعطى أسماء كبيرة ولامعة في سماء الفن المغربي، صفحة الممثلة عائشة ساجد، التي عُرِفت، بالخصوص، بعطاءاتها المتميزة فوق ركح المسرح، الذي أعطت فيه الكثير للخشبة المغربية... وعن الطفولة والحي المحمدي، قالت ساجد إن طفولتها اقترنت بالخصوص ب"حظوة" خاصة من والدها، الذي كان يرافقها إلى قاعات السينما، لتبرز لديها موهبة التشخيص في زمن مبكر، قبل أن تتعرف على "مسرح البدوي"، الذي حظيت فيه باهتمام كبير. كما تحدثت ساجد عن فرقة "كناوية" كان والدها يعشقها وينعت ابنتَه، مازحاً، بكونها من "أبناء عمومتها"... وقد كانت أول من أدلى بشهادته في حق الفنانة المحتفى بها فتيحة وتيلي، الصديقة، التي اعتبرت أن مثيلات ساجد من الفنانات قليلات في الساحة الفنية المغربية، إذ إن "ساجد تمارس خليطا من الفن، يتوزع بين الدراما والكوميديا وتؤدي وأي دور يُسنَد إليها بصدق وإحساس فني عميقين". كما قالت إن "مسرح البدوي يمثل بالنسبة إليها "مدرسة قائمة الذات، تميزها احترافيتُها واحترام أعضاء الفرقة لأدوارهم المنوطة بهم، كل حسب تخصصه، في إطار من التنظيم والانضباط، الذي يمكن اعتبار فرقة البدوي من الفرق القلائل جدا التي تتبعه كمنهجية في اشتغالها"... أما الزميل توفيق ناديري، فقال في شهادته إن "المحتفى بها تشكل لبنة لا غنى عنها في صرح التاريخ الفني للحي المحمدي"، وتابع قائلا إنه "حينما نتحدث عن ساجد، فإننا نستحضر طفولتها بين فضاءات الحي المحمدي، الذي تشربت فيه أصول الفن المغربي المتنوع، لتنتقل في مرحلة أخرى إلى من مسارها إلى "فرقة البدوي"، التي تعد من أقدم الفرق المسرحية التي ما زالت تواصل عطاءاتها المسرحية منذ ما يزيد على 60 سنة، وهو أمر ليس بالهيّن، في ظل العوائق والمثبطات التي رافقت وترافق الاشتغال الفني في المغرب"... كما ذكر ناديري في شهادته أن "أهم ما يمكن التوقف عنده في مسار عائشة ساجد هو ارتباطها بأنواع فرجوية كانت تمارسها فرق متعددة في الحي المحمدي، كفن الحلقة و"تاكناويت" مع "فرقة رحمون" وأيضا بداياتها الأولى بعد التحاقها ب"مسرح البدوي" وارتباط المحتفى بها بالعديد من المسارح ودور السينما وبالفنانين الذين اشتغلت إلى جانبهم، مما يشكل نوعا من "التأريخ" للأسماء والفضاءات في العاصمة الاقتصادية، تركت بصماتها في الذاكرة الفنية في البيضاء". وختم ناديري بالحديث عن "رعاية" والد ساجد ومرافقته لها إلى مسرح البدوي، ليقف بنفسه على ظروف اشتغالها المرتقَب، وهو ما يمثل، في نظر ناديري "بعدا أخلاقيا وكذا تعاقديا بين الفنان والفرقة التي يشتغل فيها، وهو ما اختفى -للأسف- من مشهدنا الفني المغربي، كما إن اختيارات المحتفى بها -على قلتها- كانت ناجحة، وهي فنانة أصيلة تم "إقصاؤها" من أداء أدوار تستحقها في السينما المغربية"... ومن جانبه، توقف المسرحي عبد الرزاق البدوي (الزوج ورفيق المسار الفني) عند أهم ما يميز ساجد كواحدة من الفنانات القليلات اللواتي باستطاعتهن أداء الأدوار التركيبية، "حيث أسندنا إليها –في بدايات اشتغالها معنا- دور "الحاجة قرنينة"، رغم أن سنها لم يكن يتجاوز حينها ال16، إلى درجة أن العديدين يفاجؤون من أدوارها المركَّبة التي تتفنن في أدائها بشكل يجعلها "تتسيّف" علي بنفسي... كما أنها "تتهيّب" من الأدوار التي تسنَد إليها، والتخوف من الدور من سمات صدق الممثل الصادق، الذي يحترم عمله"... من جانبه، توقف الناقد الفني مصطفى طالب، عند صدق المحتفى بها في أدائها، حيث ذكر أن "ساجد من رائدات المسرح المناضل، الذي يقارب ظروف المرأة ويتناول مشاكلها ومشاغلها، حيث إن مراكمة تجارب فنية ناجحة في مسيرة فنية ناهزت 45 سنة ليست بالأمر الهيّن، خصوصا إذا كان مسارا "نقيّاً" يشرف المرأة المغربية ويمثل نموذجا يحتذى بالنسبة إلى "الفنانات"، اللواتي صارت الكثيرات منهنّ يلجن الميدان الفني، ربما، ب"وسائل" ومن أجل "أهداف" أخرى"... وتابع طالب قائلا إن "الفنانة ساجد تظهر ملامحها الفنية من خلال العديد من الأدوار في السينما والمسرح، التي تعكس طاقتها الكبيرة، النابعة من عشقها للمجال، في مزاوجة بديعة بين الحياة الفنية والزوجية، في تناغم جميل، لتشكل بذلك رفقة زوجها "ثنائيا" نموذجيا في المغرب ممن زاوجوا بين الفن والحياة الزوجية"...