نشأ وسط عائلة محافظة واجهت رغبتَه في خوض مسيرة فنية بالرفض القاطع، خصوصا والده.. إلا أنه ثابر وواصل المسير على درب شاق، إلى أن فرض نفسه ونقش اسمه بين أسماء كوكبة من الرواد وصار واحدة من أبرز علامات الإبداع المغربي... هو حمادي التونسي، الممثل والشاعر والزجال المغربي، الذي «أغفل» اللاهثون وراء «التكريمات» الالتفاتَ إلى كل ما قدّمه من أعمال رائدة شملت الإذاعة والمسرح والتلفزيون والغناء و«تناسَوْا» إدراج اسمه ضمن لوائحهم «المكرَّمة»، وإنْ كان هؤلاء «الساهرون» على هذه التكريمات يوقنون أنه أحقُّ بها منهم.. وسعياً منه إلى رد بعضِ «اعتبارٍ» لهذا الهرم الشامخ، استضافه حميد النقراشي في حلقة ليلة الخميس -صبيحة الجمعة، 7 يناير الجاري، من «أنيس المبدعين»، على أمواج إذاعة طنجة، والتي قال فيها التونسي إن دخوله الميدانَ الفني جاء بمحض الصدفة وهو يرافق إحدى الفرق الهاوية في طفولته، حيث «غاب أحد ممثلي الفرقة ذات يوم، ليقترح عليّ رئيسها تعويض الغائب، ف«أقنعتُ» في تجسيد الدور، ومنذ ذلك الحين وأنا أشارك أعضاء الفرقة أداء أدوار أعمالهم.. إلى أن أدّينا «مالك والخيانة» على خشبة المسرح الملكي، التي نالت إعجابَ الجميع.. ومن هناك كانت الانطلاقة نحو مسيرة طويلة من التعلم والعطاء والتضحية»... وكان عبد العظيم الشناوي أولَ من «آنس» ليلة الوفاء للتونسي، إذ قال في تدخله إن الحديث عن المحتفى به يُعيده إلى «الزمن الجميل، زمن الأصالة والرقي الفني الذي ساهم فيه هذا الفنان المتميز، الذي قدم رفقة جيل الرواد المئات من التمثيليات، والذي كان يتصور كل ما يتعلق بالعمل، من ملابسَ وديكور، والذي أعطى الفنَّ في بلادنا الشيءَ الكثير، دون أن ينال في المقابل إلا حبَّ زملائه الفنانين وحبَّ الجماهير، لأدائه الجميل، بنبرته الصوتية التي تدخل القلوب بلا استئذان»... وقال المحجوب الراجي، من جهته، إن «أول مرة أرى فيها حمادي التونسي كانت وهو فوق خشبة المسرح في «ثمن الحرية»، عام 1957، فهو من الرواد الأوائل ضمن فن التمثيل.. جميلٌ في طلعته وفي تحركه فوق الخشبة، وكان بالنسبة إلى الفرقة «الفتى الأول» في المئات من التمثيليات الإذاعية، التي كان يشاركه فيها مجموعة من الممثلين الأكفاء، أمثال عبد الرزاق حكم، لزرق، الدغمي، السوسي ووفاء الهراوي وغيرهم... إلا أن حمادي لم ينل حقّه وحظّه لا في مجال السينما ولا في التلفزيون، مع أنه أعطى الكثير وما يزال»... أما عبد القادر البدوي، فقال في شهادته في حق المحتفى به إنه «من الفنانين القلائل جدا ممن يصعب العثور على مثله في الميدان الفني، وهو ممن «ضاعوا» وسط هذا الكم الهائل من «التطفُّل» والتشرذم و«اللا فنّ».. إن عطاءاته كثيرة جدا، وهو ذو تكوين رصين ومتين وذو تجربة، ورغم كل ذلك -للأسف- لم يتمَّ تكريمه ولو مرة واحدة، ببساطة لأنه «وقع» بين أيدي «أشخاص» هو «أكبرُ» منهم قيمةً وأدباً.. لقد ظلمه «أشخاص» و«مْحّنوهْ» ولم تظلمه الدولة»!... وتابع البدوي، بصراحته المعهودة، متحدثاً عن «المشهد» الفني الحالي قائلا إن «الممثلين صاروا في وقتنا الراهن «سماسرة» يعملون على «تأليب» المخرجين على أسماء معيَّنة ويدعونهم إلى ألا يتعاملوا معهم... وكل هذا -يتابع البدوي- لأننا لم نوحِّد صفوفَنا ولم نقف في وجه هذا «المدّ» الذي صار أكبرَ منا الآن، فمن «يشتغلون» حالياً لا ثقافةَ ولا تاريخَ لديهم.. لا ماضيَّ ولا مستقبل!»... أما توفيق ناديري، من هيئة تحرير «المساء»، فتحدث بالخصوص عن جانب آخرَ من مواهب التونسي المتعددة، حيث قال بخصوص أغنية «بريء»، التي أداها عبد الوهاب أكومي، إن «التونسي وهو في غمرة اشتغاله على عمل مسرحي، عنّت له فكرة تحويل «القصة» إلى «عالم الإيقاعات»، فجاءت «بريء» تعبيراً فنيا صادقا عن تعبير إنسانيّ جميل وعميق تجاه المرأة يفتقده بشكل كبير حالياً في ما يروج في الساحة من «أغان»، إن جازت التسمية»... ويتابع ناديري قائلا: «رغم أنه منحنا الكثيرَ وأغنى ربرطوارنا بالعديد من الأعمال الجميلة، التي صارت «علاماتٍ» فارقةً في الغناء المغربي، كأغنية «بريء»، التي تحيل على معاني جميلة وتؤدي وظائف على المستويَيْن الإنساني والوجداني -العاطفي، فإنه لا يجب أن ننسى وضعَ هذه الإبداعات في سياقها الثقافي، ففي حقبة الستينيات والسبعينيات كانت الساحة الفنية تشهد إرهاصات وتحولات سياسية وثقافية كان طبيعيا أن تفرز واقعا فنيا خاصا، أما الآن، فقد صار المجال مفتوحاً أمام كل من هبّ ودبّ ليقول إنه يقدم ما يمكن تسميته، «فنّاً»، مع التحفظ»...