سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عائشة ساجد: «والدي كان يقول «شوفي ولاد عمك» حينما يشاهد حفلة كناوية في الحي المحمدي» قالت إنها تعرفت على مسرح البدوي قرب سينما موريطانيا في درب السلطان
بين الأزقة الفقيرة لدرب الحي المحمدي تنبعث الذكريات الفنية التي أرخت للزمن الغيواني الأصيل، بين حي الكدية والسعادة، عاشت مواهب تعشق أن تعلن الانتماء إلى هذا الحي الشعبي. بين براريك كاريان سانطرال، تعايشت أحلام المقاومة في إعلان مغرب جديد انطلق من الحي المحمدي. من هنا مر بوجميع، باطما، عمر السيد، محمد مفتاح، عائشة ساجد، العربي الزاولي، الغزواني، خليفة، بوؤسا، عشيق... كل أعلن عن عشقه الخاص للحي، وهذه شهادات لأناس أحبهم المغاربة عبروا عن بعض حبهم للحي المحمدي... هي إحدى بنات الحي المحمدي.. حلمت بأن يكون المسرح بوابة للشهرة والتألق في المجال الفني. عاشت طفولتَها بين أرجاء هذا الحي، وفيه تربَّتْ على عشق الفن والتَّشرُّب به، هي عائشة التي تحتفظ بذكريات كثيرة عن الحي المحمدي. عن هذا الحي، تقول الفنانة عائشة ساجد: «تربّيتُ وسط عائلة متوسطة الحال، تنتمي إلى حي «سوسيكا»، الذي كان معروفاً بكثرة سكن عمال المكتب الوطني للكهرباء فيه، وهو من أحسن الأحياء بالنظر إلى مستوى قاطنيه. ومن الأشياء التي كانت تميز الحي أنه كان منغلقا على نفسه ونادرا ما يتواجد فيه غير سكانه، وهذا انعكس على دائرة معارفي، إذ إنني لم أكن أحتكُّ بالفنانين الذين ظهروا في الحي، كما لم يسعفني الحظ في أن أتعرف على المناخ الفني الذي كان يعرفه الحي المحمدي، إلا أنه في أيام الاحتفال بعيد عاشوراء كان أولاد حي مولاي الشريف يأتون إلى «سوسيكا»، حاملين ال«عْلاماتْ»، وكانت الاحتفالات تتم في جو خاص ما زلت أتذكر تفاصيله»... وتواصل عائشة ساجد النبش في ماضي الحي المحمدي قائلة: «أتذكر في هذه اللحظة صورة مدرسة الاتحاد البيضاوي التي كان يديرها حسن وأولاده، وهي مدرسة تخرَّجت منها العديد من الأسماء، أتذكر من بينها الأستاذ والمحامي الجدّاوي والفنان الزوغي وغيرهما.. تعود ذكرياتي مع مدرسة «الاتحاد البيضاوي» إلى سنة 1965، ومن حسن حظي أنني كنت أحظى بحب خاص من لدن والدي، إذ إنه بعد ولادة أختي الكبرى، كان الوالد ينتظر بشوق أن يرزق بولد، وحينما حملت والدتي، بدأ الحب والعشق للمولود القادم يستبدُّ بوالدي، وحينما رأيتُ النور، نلتُ الحبَّ كله (حْبو كْبو فيّا)، وهذا أفضى إلى العديد من النتائج الجيدة بالنسبة إلي، أولها أنني كنت، كلما طالبت بشيء إلا ومكَّنني منه، دون نقاش أو جدال. وعلى الرغم من أن الأسرة صارت في ما بعد تتكون من ثلاث بنات وولد واحد، فإنني بقيت المفضَّلةَ بين إخوتي جميعا»... وعن ذكرياتها الفنية في الحي المحمدي، تقول عائشة ساجد، في بوحها التلقائي ل«المساء»: «في سن الطفولة، اكتشفتُ في دواخلي بعضَ الميل إلى الفن وأحسست بأن لدي موهبة في التمثيل.. وتعود بداياتُ تعلقي بالفن إلى بداية الطفولة، إذ كانت فرقة «رحمون»، وهي فرقة لكناوة، تزور حي «سوسيكا»، حيث كانت تنظِّم، بشكل موسمي، حفلا فنيا في ساحة «سوسيكا»، وكان الناس يقدمون لها الهدايا و«السكر»، كما كان البعض يجلُبون «التّبْخيرة» ويقومون بالدوران في جنبات الساحة، وكان الكل يقصد ذلك الفضاء للاستمتاع.. كان والدي مهووسا بالفن «الكناوي» ويتأثر به (تيْحماقْ عْليه) إلى درجة جنونية، ومن فرط حبه لي كان يأخذني معه إلى الحفل الفني الكناوي، وحينما تتصاعد وتيرة الأداء ويشرع الوالد في التفاعل الفني والروحي مع الفرقة، كان يقول: «شوفي ولادْ عْمّك آشْ تيْديرو».. وكان يقصد بذلك أنه يفتخر بكونه يتحدّر من منطقة «أولاد تايمة» بالقرب من مدينة «أكادير».. وفي خِضَمّ تلك الأجواء، اكتشفت ميلاً إلى الفن والموسيقى والتمثيل، وأعتقد أن هذا اللقاء الذي كان يتجدد، بشكل موسمي مع الفن الكناوي شكَّل بداية تعرفي واكتشافي عالَمَ الفن، وهذا ما سيتقوى ويترسَّخ من خلال محطات أخرى»... محطات تقول عنها عائشة ساجد: «لقد شكَّل المخيم محطة مهمة في طفولتي وشبابي، إذ كانت الشركة التي كان يشتغل فيها والدي في بداية الستينيات (1961-1962) تنظم رحلات إلى مدنٍ ومناطقَ مختلفة، من بينها منطقة «إيموزار».. أثناء تلك الرحلات، كانت تقدم «السّكيتشات» وفقرات للرقص، وفي تلك الفترة، كنت قد بدأت أتمرن على الفعل المسرحي بكل عفوية الطفولة وبراءتها، ولكنْ، حينما التحقتُ بالثانوية، تغيّرت حياتي ونظرتي إلى الأمور، إذ بدأت أقترب من دائرة الفن، بشكل أكبر، وبدأ تعلقي بالفن يزداد أكثر فأكثر.. وأتذكر أن بطاقات العروض المسرحية كانت تباع في الثانوية عند «السِّي لحسن»، والغريب أنني لم أكن أعرف على وجه التحديد أين يوجد مكان العرض، وفي سنة 1965، كنت ضمن طالبات اشترين بطاقات العروض، وكانت تلك العروض تقدَّم كل يوم أحد صباحا، وأتذكر أن الأعمال التي شاهدناها كانت من إخراج الأستاذ عبد القادر البدوي ومن تأليف الأستاذ عبد الرزاق البدوي، ومن الجوانب التي كانت تُميِّز تجربةَ عبد القادر البدوي حينها أنه كان يُقدِّم عملا مسرحيا، وفي نفس الوقت يفتح المجال للشباب الراغبين في الالتحاق ب«فرقة البدوي».. وبحكم أنني كنت ميّالة إلى المسرح والفنون، فقد لبّيتُ الدعوة واتجهت إلى مسرح البدوي، وكان يتواجد بالقرب من «سينما موريطانيا» في درب السلطان.. حينما ذهبت إلى هناك، التقيتُ بالعديد من الأسماء الفنية، من بينها الزعري، الداسوكين، محمد مجد.. وكانت هناك أيضا بعض الممثلات، من بينهن سعاد هناوي، إلى جانب ممثلات أخريات غادرن المجال الفني، في ما بعدُ.. في البداية، كنت أعتقد أن أمر انضمامي إلى الفرقة المسرحية سيتم بشكل أوتوماتيكي، إلا أن عبد القادر البدوي اشترط عليّ أن أكتب طلب الالتحاق بالنادي، مع تأكيده على ضرورة مرافقة والدي كشرط لكي يقبل بانضمامي إلى الفرقة، وهذا يؤشر على قيمة الفنانة في المجال الفني، إذ كانت الممثلة محترَمة للغاية ولا يمكن أن يشير إليها أي ممثل أو مخرج بأصبع السوء»... يتبع