صهد قائظ هذا الصباح.. رغم أن الساعة لم تتجاوز الحادية عشرة فإن شمس شهر غشت اللافحة كانت ترسل أشعتها المسننة أول أمس السبت بشكل عمودي على رؤوس ساكنة مدينة الدارالبيضاء. ركاب سيارة الأجرة الصغيرة الستة، التي أقلتنا، من مركز المدينة إلى جامع «القدس» بحي ياسمينة، كانوا يتصببون عرقا، مررنا ب«كراج علال»، الباعة المتجولون عادوا إلى احتلال شارع محمد السادس، قرب قيسارية «الحفارين» نشروا سلعا يعرضونها للبيع أمام الرصيف. قرب مسجد «القدس»، وقفت عربات خشبية مملوءة بالبطيخ و«الدلاح»، أصحابها نصبوا أغطية بلاستيكية من «الخيش» تقيهم القيظ. آخرون كانوا يمرون من شارع إدريس الحارثي على عربات تجرها دواب قصيرة محملة بالخضر، وجهتهم كانت الأزقة المحيطة بسوق ياسمينة النموذجي المتاخم لمبنى الإذاعة والتلفزة بعين الشق. عبرنا أرضا متربة من بقايا حديقة عمومية جرداء، بشارع «أمكالا» ألفينا «السوق النموذجي ياسمينة»، أمام بابه الرئيسي دراجات نارية ركنها أصحابها لدى حارس كان يرتدي سترة زرقاء، بمدخل السوق محل جزارة يبيع لحم العجل بمبلغ ستين درهما، السعر خطه صاحب المحل على لوحة صغيرة مستعينا بطبشورة. أمام محل الجزارة، يوجد مكتب الإدارة المشرفة على السوق التابع لشركة «إيطرو»، سألنا يافعا كان يجلس فوق كرسي بلاستيكي أبيض عن ممثل الإدارة في السوق، فقال إنه غير موجود. محلات السوق ضيقة، لذلك فقد نثر بعض التجار سلعهم خارجها، هناك باعة خضر وفواكه جافة، خياطون وباعة أوان بلاستيكية، آخرون يبيعون أشياء بدون قيمة. أصحاب المحلات التجارية يكترون محلاتهم تلك من الشركة المسيرة بثمن 10 دراهم لليوم الواحد، كثير منهم قال ل«المساء» إنه دفع إتاوات للسلطة المحلية وللشركة المسيرة للسوق من أجل الاستفادة من هذه المحلات، أما عن الحركة التجارية وهامش الربح الذي يجنونه فاختلفت تصريحاتهم بين الارتياح والتشكي. الأسواق النموذجية غير قانونية كشفت وثيقة إدارية أرسلتها العاملة فوزية إمنصار، ممثلة الملك محمد السادس على رأس عمالة عين الشق بالدارالبيضاء، موجهة إلى كل من محمد القباج والي المدينة ومحمد ساجد، رئيس المجلس الجماعي، عن وجود خروقات خطيرة في تدبير «الأسواق النموذجية» بتراب عمالة عين الشق. وتشير مراسلة تتوفر «المساء» على نسخة منها، موقعة من لدن العاملة إمنصار، إلى وجود 300 محل تجاري بسوق ياسمينة الذي سبق أن افتتح بتاريخ 21 غشت 2003 بموجب اتفاقية موقعة بين جماعة عين الشق سابقا وشركة «إيطرو» بتاريخ 29 ماي 2003. تضيف الوثيقة أن 926 محلا تجاريا شيدت بشكل غير قانوني فوق بقع أرضية، إحداها مخصصة لبناء مؤسسة تعليمية حسب تصميم التهيئة، وأخرى تابعة للملك الخاص للدولة مخصصة لسكن اقتصادي، وثالثة في ملك الجماعة الحضرية لمدينة الدارالبيضاء مخصصة، حسب تصميم التجزئة، لسوق أسبوعي. يتعلق الأمر بسوق «ياسمينة» المتواجد بشارع أمكالة بحي المصلى الذي سبق أن أبرمت بشأنه اتفاقية شهر ماي 2003 لاستغلال 300 محل تجاري، وافتتح يوم 21 غشت من نفس السنة، وبسوق «الشريفة» المتواجد بشارع الداخلة الذي يضم بجواره 300 محل تجاري، وافتتح يوم 25 أكتوبر من عام 2004، إضافة على سوق «بغداد» الذي يضم 326 محلا تجاريا وبقي مغلقا منذ بناء محلاته. وكشفت مصالح العمالة عن إقدام بعض التجار بسوقي «ياسمينة» و«الشريفة» على المتاجرة والمضاربة في بعض المحلات التجارية وإنجازهم لتغييرات غير قانونية بمحلاتهم واحتلالهم الممرات. وعمدت الإدارة المسيرة للسوق، تقول ممثلة الملك في عين الشق، إلى تفويت بعض المحلات التجارية رغم أنها لا تملك حق ملكية الأرض المشيدة فوقها، وهو ما يتنافى من جهة مع وضعيتها القانونية والإدارية ولا مع الأهداف التي من أجلها أنشئت، والمتمثلة في تنظيم الباعة المتجولين دون غيرهم. بدون تراخيص وشيد سوق «ياسمينة» فوق أرض تابعة للملك الجماعي، بالرغم من أنه لا يوجد، لدى مصالح عمالة عين الشق حسب الوثائق المتوفرة، ما يثبت المصادقة عليها من طرف سلطات الوصاية، بالرغم من أن مقتضيات الفصل31 من الميثاق الجماعي لسنة1976، الذي كان ساري المفعول إبان إبرام العقد، تنص على إبرام العقد المذكور، وتشدد على أن مثل هذا القرار المتعلق باحتلال الملك العمومي يستوجب مصادقة سلطات الوصاية على هذه العملية العقارية. إلى ذلك، تؤكد العاملة إمنصار أنه تم إحداث الأسواق النموذجية الثلاثة دون الحصول على تصميم يستوفي الشروط القانونية، علما بأن المصالح المختصة بعمالة عين الشق لا تتوفر على ما يفيد تأدية رسوم استغلال الملك العمومي لفائدة الجماعة الحضرية للدارالبيضاء. ودعت العاملة إمنصار والي جهة الدارالبيضاء الكبرى ورئيس مجلس المدينة إلى إعادة النظر في معالجة موضوع هذه الأسواق النموذجية العشوائية بمنطقة عين الشق، وتذكير شركة»إيطرو» المسيرة لها بإفراغها بعد أن وجهت إليها المصالح المختصة مراسلة نهاية مارس الماضي تدعوها إلى ذلك. ولم تقم شركة «إيطرو» التي تدير السوق، بتسوية وضعيتها الجبائية إزاء المصالح المختصة. وتقدر المبالغ المستحقة لمجلس مدينة الدارالبيضاء التي ماتزال عالقة بذمة شركة «إيطرو» بأزيد من ملياري سنتيم. إلى ذلك، أعرب منتخبون بمقاطعة عين الشق استمزجت «المساء» آراءهم حول الأسواق النوذجية عن أملهم في أن تعود الأمور إلى نصابها وتتدخل سلطات الولاية ومجلس مدينة الدارالبيضاء لإجبار الشركة المحتلة للأملاك العمومية على إفراغها وتسديد ما بذمتها لخزينة مجلس مدينة الدارالبيضاء.