بالرغم من أن الساعة لم تتجاوز الثامنة مساء فإن بعض الحانات بمركز مدينة الدارالبيضاء كانت تلفظ زبناءها وهم في حالة سكر طافح مساء أول أمس الأربعاء، أما زنقة الأمير مولاي عبد الله، أو «البرانس» كما يسميه سكان العاصمة الاقتصادية، فقد كانت تعج بالمارة وباعة تذكارات احتموا من رذاذ المطر تحت أسقف محلات تجارية تعرض ملابس في «فترينات» مضاءة. قرب ممر «الكلاوي»، المطل على شارع محمد الخامس بمركز الدارالبيضاء، تمدد شخص مخمور على الأرض والناس يعبرون بالقرب منه ولا يعيرونه اهتماما، أما سيارات الأجرة من الصنف الكبير، الرابضة قرب محل «الماكدونالدز» المغلق بنفس الشارع، فكانت تقف محملة بالركاب وتغادر مركز المدينة شبه فارغة. عصام سائق «المساء ميديا» الذي رافقنا في رحلة «البوناني» عرج على مقر الشرطة السياحية في شارع الحسن الثاني، لم تتجاوز عقارب الساعة الثامنة والنصف ليلا، هناك ألفينا المقر فارغا إلا من رجال شرطة كانوا واقفين بالخارج ينتظرون تعليمات رؤسائهم للشروع في الانتشار في النقط الحساسة بمركز المدينة، فغادرنا المكان صوب قسم المستعجلات التابع للمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد. لا ضغط على المستعجلات أمام باب قسم المستعجلات استوقفتنا سيدة في الأربعينيات من عمرها، كانت تمسك بعكاز وتتسول زوار المصلحة مخيرة إياهم بين منحها درهما أو تركها تهش عليهم بعكازها المعدني. داخل المستعجلات مرضى يئنون وهم ممددون فوق نقالات طبية، شاهدنا شيخا مسنا جاوز السبعينيات من عمره ممددا بدون حراك فوق نقالة، نساء ينتظرن دورهن في صالة كتبت عند مدخلها عبارة «قاعة الانتظار» وعندما سألنا إحداهن عن الطبيب المسؤول عن المصلحة قالت إنه غير موجود، وأضافت أن جهاز «السكانير» معطل وهي تنتظر دورها إلى حين انتهاء تقني يعمل في جهاز آخر لتتمكن من أخذ صور بالأشعة. مرافق قسم المستعجلات تعج بمرضى ينتظرون حلول دورهم للخضوع للفحوصات الطبية أو الفحص بالصدى، وحسب أحد العمال المكلفين بالحراسة فإن ليلة رأس السنة الميلادية تظل عادية هذا العام، مشيرا إلى أن برودة الطقس والمطر أفقدا الاحتفال بحلول السنة الميلادية الجديدة الطابع الاحتفالي الذي كان سائدا في السنوات الماضية، لكن عندما ذهبنا إلى عين الذئاب اكتشفنا طعما آخر للاحتفال بحلول العام الميلادي الجديد. سيارة تفر من حواجز الشرطة جاء صوته مستعجلا عبر الهاتف، «أين أنت؟ «أنا أمام سينما «فيردان» برفقة عناصر من شرطة «الصقور» وقد ألقوا القبض لتوهم على مروج مخدرات ضرير وبحوزته كمية من الحشيش»، يسأل الزميل كمال من يومية «لوبينيون» مستحثا إيانا على القدوم إلى مسرح الحادث. دقائق بعد ذلك كنا نتواجد بدورنا في «عين المكان»، أخبرنا شرطي بزي مدني أنهم اعتقلوا تاجر مخدرات كان بصدد تصريف بضاعته للمدمنين على تدخين لفائف مخدر الحشيش. ومن خلال جهاز «التولكي وولكي» الذي كان يحمله، سمعنا «برقية» قرابة الساعة العاشرة وخمسين دقيقة تحذر عناصر الشرطة من سيارة من طراز «إيكس فايف» يسوقها شخص مبحوث عنه بتهمة سرقة السيارات والاتجار في المخدرات، وزاد شارحا أن السائق يتواجد مع آخرين داخل السيارة وقد فر عبر شارع غاندي في اتجاه مدار الواحة. اشتكى الشرطي من كثرة الضغط على شبكة الاتصال ليلة رأس السنة، وقال إنه ما زال ينتظر أن يخف الضغط على الشبكة لينادي على سيارة النجدة باستعمال جهاز «التولكي وولكي»، أما سائق السيارة فعرفنا أنه اتجه إلى حي «الكليات» ومنه إلى وجهة مجهولة بعد أن تمكن من تضليل رجال الأمن ومغادرة المجال الحضري للمدينة. شاهدنا «سربا» من بائعات الهوى يترجلن من سيارة خصوصية، اللافت أن شابا مخنثا كان يتقدمهن وقد سهر بنفسه على إركابهن في سيارة أجرة من الصنف الكبير قادتهن إلى كورنيش عين الذئاب. ثم ونحن نجوب شوارع مركز المدينة مررنا بزنقة محمد بلول، المتاخمة لشارع للا الياقوت، وما إن توقفنا أمام دورية للشرطة حتى تراءى لنا رجال أمن بزي مدني وهم يقتادون مشتبها بهم إلى داخل السيارة. في الطريق إلى ولاية أمن الدارالبيضاء بشارع الزرقطوني عرفنا أن بين الموقوفين شخص ضبطته عناصر فرقة الشرطة القضائية لأمن آنفا وهو يهم بسرقة أحد المواطنين تحت التهديد بالعنف. الضحية مجرد بائع متجول والمتهم شخص نحيف الجسم وبدا ذا شأن وهو يرتدي لباسا أنيقا ويتحدث لرجال الشرطة تارة عن كونه يطمح إلى اجتياز مباراة الولوج إلى سلك الأمن وطورا عن كونه هو من كان سيتعرض للسرقة وليس مقترفها وقد كانت صفعة قوية وجهها إليه أحد رجال الشرطة القضائية لأمن آنفا كافية لإخراسه طوال الرحلة باتجاه مقر ولاية الأمن. لغط داخل المركز القضائي ما إن ترجلنا من سيارة النجدة حتى بدأ المعتقلون في استعطاف رجال الأمن لإطلاق سراحهم، أحد من الموقوفين كان يتبجح في الطريق بأن له معارف قادرون على إخراجه من السجن كما الشعرة من العجين وبكونه أحد أقرباء وكيل للملك لكنه سرعان ما تحول إلى شخص آخر وهو يهبط من «السطافيط» داخل ولاية الأمن، وقد حاول تقبيل رجل شرطة ليطلق سراحه، لكن هذا الأخير تصرف بحزم وخاطبه قائلا: «آشريف راك راجل خلينا من هادشي تاع الدراري الله يرحم الوالدين». ارتقينا درجا قادنا إلى الطابق الثاني، يسارا سلكنا ممرا تنبعث منه رائحة رطوبة ممزوجة بدخان السجائر، حيث يوجد مقر فوق بابه لافتة كتبت عليها عبارة «المكتب القضائي الثاني». مكتب صغير يضم أربع طاولات، فوق إحداها يوجد جهاز حاسوب وآخر وضعت فوقه آلة كاتبة تقليدية، وعلى كرسي طويل جلس طابور من الموقوفين المحالين على المصلحة. انخرط شاب في البكاء وهو يزيل بقع دم متخثر من على شفتيه، سأله ضابط شرطة عن مصدر الدماء والكدمات التي كانت بادية على محياه فرد عليه الشاب بغبن، وهو يشير إلى شخصين كانا مكبلين بالأصفاد «هادو آشاف، تعداو عليا وخداو ليا ثلاثين ألف ريال كانت بحوزتي وانتزعوا مني هاتفي النقال»، وعاد الشاب للانتحاب. أما الشخصان اللذان يتهمهما بسرقته فقد ضبطت بحوزتهما أوراق مالية وخمس قطع بلاستيكية صغيرة وقد لفت بداخلهما «النفحة»، وقال أحدهما، ردا على سؤال للضابط حول مصدر النفحة، إنه اقتناها من تاجر معروف، مبديا استعداده لإرشاد عناصر الشرطة القضائية إلى الشخص الذي ابتاع منه «النفحة». بعد أن سلم رجال فرقة الأخلاق العامة الموقوفين إلى زملائهم بمقر الولاية، توجهنا رفقة العميد رشيد بكراوي رئيس فرقة الأخلاق العامة للشرطة القضائية وسبعة مفتشين وضابط إلى كورنيش عين الذئاب وهناك اكتشفنا عوالم أخرى. «نايضة» في عين الذئاب كانت الساعة تشير إلى الواحدة والنصف صباحا عندما وصلنا إلى مخفر الشرطة المطل على كورنيش عين الذئاب، رغم أن الشرطي المكلف بسياقة سيارة النجدة كان بين الفينة والأخرى يطلق العنان لزعيق منبه السيارة أملا في أن تفسح أمامه الطريق، فإن سرب السيارت المتدفق من المدينة صوب الكورنيش جعل وصولنا أقرب إلى مشي السلحفاة. في الطريق مررنا على سيارات سائقوها وركابها في حالة سكر طافح، من داخل بعض السيارات كانت تصدح موسيقى صاخبة، كل سائق يغني على ليلاه في ليلة رأس السنة، وفي طريق كورنيش عين الذئاب غنى عبد العزيز الستاتي ونانسي عجرم إلى جانب «إيديت بياف» و«بوب مارلي».. من يهتم لهذا الكرنفال الموسيقي المنبعث من آلات تسجيل عربات معظم ركابها في حالة سكر بين؟ وحتى عندما تدخل شرطي مستعينا بصفارة لتنبيه راكب إحدى السيارات، كان يطل بنصف جسمه العلوي على الشارع، فإن جهود الشرطي ذهبت سدى بعد أن غطى صوت منبهات طابور سيارت كانت متراصة الواحدة وراء الأخرى على صفارة شرطي المرور. أما عندما تجولنا في كورنيش عين الذئاب فقد شاهدنا طوابير من الناس تصطف أمام أبواب مراقص استعدت خصيصا لهذه المناسبة وفرضت شروطها على الراغبين في ارتيادها. مصدر مطلع أكد ل«المساء» أن قنينة الويكسي المغشوش بيعت في حانات ومراقص عين الذئاب بسعر تراوح بين 2000 و2500 درهم، شريطة أن يدخل شخصان فقط لاحتسائها بالداخل، وهكذا تطلب دخول أربعة أصدقاء إلى مراقص الكورنيش دفع مبلغ 5000 درهم. داخل مخفر الشرطة بكورنيش عين الذئاب أحضر رجال الشرطة امرأة مخمورة سرعان ما طفقت تسب الحاضرين وتدعو رجال الشرقي الضريس إلى التوجه إلى قطاع غزة لمواجهة إسرائيل، «بدل اعتقال العاهرات المقهورات اللواتي يبحثن عن رزقهن في كورنيش عين الدياب». جيء بلص حاول نشل شرطي بزي مدني وببائعات هوى انخرطت إحداهن في البكاء، وقالت إن والدها سيذبحها إن هو علم بأمر إلقاء القبض عليها وعادت لتلوم رفيقتها الموقوفة معها، معتبرة إياها جالبة للنحس بدليل أنها وقعت في قبضة الشرطة. حديقة نيفادا بالكاد تمكنت دورية الشرطة من المرور من كورنيش عين الذئاب والعودة إلى مركز المدينة، وفي رحلة العودة وجه العميد رشيد بكراري تعليماته إلى مفتشي الشرطة القضائية، تضمنت التوقف بمدار شارعي باريس وعبد القادر الصحراوي والتفرق في مجموعات صغيرة لتمشيط حديقتي «نيفادا» و«الأممالمتحدة» المطلتين على مبنى ولاية جهة الدارالبيضاء الكبرى. بعد أن ترجل رجال الشرطة من السيارة، قرابة الساعة الرابعة والنصف صباحا، انقسموا إلى مجموعتين، الأولى سارت في اتجاه حديقة نيفادا والثانية كنت ضمنها وتفقدت الساحة التي تضم النصب التذكاري لضحايا أحداث 16 ماي الإرهابية. في الطريق شرح لنا شرطي كيف أن هذه الحديقة المكشوفة والمفتوحة على الهواء الطلق تتحول ليلا إلى وكر لممارسة الشذوذ الجنسي وتعاطي المشروبات الكحولية والسرقة تحت التهديد بالسلاح الأبيض أيضا. لكن لم يعثر رجال الشرطة في الحديقتين على أي شاذ جنسيا. سلكت سيارة النجدة طريقها مجددا في اتجاه ولاية أمن البيضاء وهناك عاينا تنقيط الموقوفين على الآلة الناظمة قبل أن يقرر رجال الشرطة اعتقالهم أو الإفراج عن بعضهم وفق ما تتضمنه تعليمات النيابة العامة. أما عندما وصلت الساعة إلى الخامسة والربع صباحا فقد أخبرنا ضابط شرطة بأن رفع الترتيبات قد بدأ وأن شوارع المدينة بدأت تفرغ من الناس، مشيرا إلى أن منطقة عين الذئاب لا تزال لوحدها تعرف بعض الاكتظاظ المروري. خارج مقر ولاية الأمن هواء صباحي منعش وسيارات أجرة تطوي الإسفلت بشارع إبراهيم الروداني، وفي مقهى «الزهور» المطل على مبنى الجريدة استقبلنا عامل بابتسامة، متمنيا لنا سنة سعيدة بعد أن رفض استيلام ثمن القهوة الصباحية مصرا على أنها «كادو» من المحل.