عاد مجددا إلى الواجهة حديث فقراء قرى الأطلس حول "أباطرة الغابة"، الذين يحولون حياتهم في كل موسم برد قارس إلى جحيم بسبب التحكم في أسعار حطب التدفئة، التي تعرف باستمرار ارتفاعا في الأثمان لا يستطيع معيلو الأسر بهذه المناطق مجاراته، دون أن يكون كذلك بمستطاعهم العيش بدونه في بلدات تكسوها الثلوج وتتنفس بردا من شأنه أن يعرض سلامتهم الصحية لأخطار يصعب التحكم في مآلاتها، نظرا لوعورة المسالك وبعد المستوصفات التي لا تتوفر بدورها على أدنى التجهيزات. وتراوحت أثمان الطن الواحد من مادة "حطب التدفئة" ما بين 1200 و1500 درهم في مناطق تعتبر من أهم "الخزانات" الغابوية في المغرب، والتي تشير إدارة المياه والغابات إلى أنها تحرسها للمحافظة على ثرواتها، وتمنع وصول الساكنة إلى أشجارها، فيما يقول المواطنون العاديون إنها أصبحت "حكرا" على من يسمونهم ب"أباطرة الغابة" الذين يسومونهم أسوأ العذاب في كل فصل شتاء، خصوصا أن العديد من مواطني هذه القرى يعتبرون أن الحطب، في موسم البرد، لا يقل أهمية عن الخبز والشاي والسكر، وغيرها من المواد الأساسية لمعيشهم اليومي. وسبق لعدد من المواطنين، في مدينة بولمان، أن خرجوا، في فصل شتاء السنة الماضية، في وقفات احتجاجية، لمطالبة السلطات بتمكينهم من هذه المادة بعدما لم يتمكنوا من مسايرة إيقاع ارتفاع أسعارها. فيما سبق لهيئات سياسية ونقابية وجمعوية بمدينة إيفران أن طالبت بدورها السلطات بإيجاد حلول ل"معضلة" حطب التدفئة في فصل الشتاء، وذلك عبر "الحزم" في التعامل مع "أباطرة الغابة" ودفعهم إلى تخفيض أسعار الحطب بما يتماشى والقدرة الشرائية لساكنة هذه القرى التي تنتمي إلى جهة مكناس تافيلالت والتي تقدم على أنها من أفقر مناطق المغرب. وبسبب غلاء أسعار هذه المادة، قامت بعض المؤسسات التعليمية باستبدال الحطب بنوع من الفحم، لكن المصادر أشارت إلى أن هذه المادة أصبحت تهدد حياة التلاميذ بسبب انعكاساتها على جهازهم التنفسي، وما تسببه لهم من اختناقات. وأضافت المصادر ذاتها أن "فعالية" هذه المادة في محاربة البرد مقارنة مع الحطب، محدودة. ويضطر بعض المدرسين في إقليم بولمان إلى "إجبار" التلاميذ على إحضار ما يكفيهم من الحطب لتدفئة حجرات الدراسة. وكانت السلطات، في عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، تقوم بتوفير "الحطب المدعم" لساكنة هذه المناطق، وذلك إلى جانب عدد من المؤسسات الصحية والتعليمية والإدارية، إلا أنها، وفي ظروف غامضة، تخلت عن هذا "الدور"، ما فتح المجال أمام "احتكار" السوق من قبل "أباطرة" يتحكمون فيه، ويلهبون أسعاره كما يشاؤون، ما يؤدي إلى كوارث إنسانية عادة ما لا يصل منها إلى وسائل الإعلام إلا "النزر القليل"، لكن هذا "النزر" يكون مؤثرا كما حدث، في السنوات الماضية، في قرية "أنفكو" التي تتبع حاليا لعمالة ميدلت بعدما كانت تابعة لإقليمخنيفرة ، والتي تحدثت بعض المعطيات عن وفاة حوالي 40 طفلا من أبنائها في فصل شتاء واحد فقط بسبب موجة برد لم تتوفر العائلات على ما يكفي من الإمكانيات لمواجهتها.