تواجه الغابات المغربية للسنة الثانية على التوالي مخاطر تزايد الطلب على الحطب بفعل تساقط الثلوج وانخفاض درجات الحرارة إلى مستويات يستحيل معها الاستغناء عن التدفئة. ما يواجه الغابات من مخاطر لم يعد يخفى على أحد، فبعد أن أصبح الحطب يصنف في خانة أولى أوليات الأسر المقيمة بالمناطق الباردة، ومع تزايد الطلب ترتفع الأسعار، وفي هذا خير محفز على قطع الأشجار سواء بشكل قانوني أو خارج القانون. لقد أصبحت كلفة التدفئة في المناطق الباردة تلتهم نسبة هامة من الدخل الإجمالي للأسر المعوزة، أما الأسر التي لا تتوفر على دخل، فهي إما تلجأ للإتجار في الحطب كمورد موسمي للعيش، وإما تكون عرضة للمعاناة وربما للموت. إن استعمال الحطب كوقود للتدفئة لايقتصر على القرى والدواوير النائية، ولكنه يشمل حتى المدن والمرافق السياحية، بل إنه يتجاوز المناطق التي تعاني فعلا من شدة البرد لينتشر في المدن الكبرى وخاصة في الأحياء الراقية منها، فمن ينفق ملايين السنتيمات من أجل تجهيز «فيلته» بمدخنة يصعب عليه الاستغناء عن المتعة بنيران الحطب وهي تحول لهيبها إلى دفء يعطي للإقامة رونقا خاصا وللسهرات متعة نادرة. عندما تتساقط الثلوج وتهبط درجات الحرارة إلى مستويات جد متدنية، فإن الأسر التي تتعامل مع الحطب على أساس أنه مادة أولية تصبح مطالبة بشرائه بأسعار قد تزيد عن الأسعار المتداولة في المدن الراقية، وبذلك تصبح كلفة المتعة والرفاهية أقل من كلفة الحماية والوقاية من عواقب البرد القارس. إن استحضار الفوائد التي تجنيها الغابة من تساقط الثلوج يفرض استكمال الدورة الطبيعية بتدبير يوافق بين متطلبات حماية الغابة وبين حاجيات الإنسان من الحطب والأخشاب، وهذا التدبير لا يمكنه أن يكون مجديا إلا إذا قام على أساس أولويات تميز بين ماهو ضروري وبين ماهو ثانوي وبين ماهو كمالي. إذا تحقق الإقرار بهذا النوع من التدبير فحينها سيكون من الممكن التخفيف من حدة الطلب على الغابة باعتماد إجراءات توفيقية مطبوعة بطابع التضامن الاجتماعي، فكما أن الدولة تمكنت من تنويع مصادر الطاقة ووضعت حدا للمتاعب التي تعرض لها القطاع الصناعي من جراء الانقطاعات المتتالية للتيار الكهربائي، وكما أنها قبلت باعتماد تسعيرة للطاقة خاصة بالقطاع الصناعي وبقطاع الصيد البحري، فإنه لا شيء يمنع من إقرار نظام يحفز سكان المناطق التي يضطر سكانها إلى شراء كميات هامة من الحطب بأسعار جد مرتفعة، لأن ضيق مساكنهم لايسمح بتخزينها من الصيف إلى الشتاء، على اقتناء آلات كهربائية للتدفئة بأسعار مدعومة مع الاقتصار خلال الفترات الباردة على تطبيق تسعيرة الشطر الأول، دون سواها في فاتورات الكهرباء المنزلية العمومية . إن العنصر البشري ضمن أولى الأولويات يمر بالضرورة عبر حماية الغابة من سوء استغلال الانسان لخيراتها، أما عشاق الطبيعة الذين يختارون إنفاق آلاف الدراهم في اليوم مقابل التمتع بمناظر الغابة المكسوة بالثلوج فسيتمتعون أكثر إن هم قضوا عطلهم بين مقيمين عاديين بدل أن يقضونها بين أسر ينخر البرد القارس عظامها ويحكم عليها بالتخلي عن أنشطتها، فالثلج والغابة يمكنهما أن يلعب دورا حيويا في بلوغ هدف جلب 10 ملايين سائح ابتداء من سنة 2010 التي هي السنة الجارية. أما الاقصاء فلا خير يرجى منه.