أخذت الأمور تنطلق إلى الأمام. فبعد لحظة، ستحط في ميدان التحرير طائرات باراك أوباما وأنجيلا ميركل ونيكولا ساركوزي وبنيامين نتنياهو. وسيُخرجون من حقائب ظهورهم لافتات مرتجلة ويرفعون قبضاتهم في الهواء صارخين مع المتظاهرين «العالم يريد إبعاد مبارك». لنترك لحظة النفاق. فليس الحديث عن صدّيقي أمم العالم، بل عن زعماء لا تصدر عنهم كلمة عن ملك السعودية أو عن سلطان عُمان أو عن معمر القذافي أو عن نظام الحكم في الجزائر، وقد كانوا إلى ما قبل لحظة يرون مبارك جزيرة سلامة عقلية موالية للغرب وصادا مركزيا لانتشار تأثير إيران. وفجأة، أصبحت حقوق المواطن في مقدمة اهتماماتهم. وحرية التعبير وحرية التظاهر الآن مصباح يهدي من عارضوا بقوة نتائج الانتخابات في السلطة الفلسطينية، التي جاءت ب«حماس»، والذين يرون كيف تنقل «الديمقراطية» الرائعة في العراق الدولة إلى سيطرة إيران ويخشون اللحظة التي يُسقط فيها الجمهور في الأردن الملك. الثورة أمر رومانسي. فمن المدهش أن نرى نساء محجبات يسرن قرب رجال ذوي لحى شبابية، ومن ليست لهم بيوت يحتفلون قرب أبناء الطبقة الوسطى، والمتدينين الى جانب العلمانيين. هذه في الحقيقة ثورة مدنية في كل ما يتعلق بتصور الجمهور لقوته، وللأبحاث الأكاديمية عن الأنترنيت باعتباره مجال مقاومة مجد آخر الأمر. لكن يوجد أيضا يوم الغد. يمكن أن نُجمل مبارك مع القذافي وعمر البشير ومحمود أحمدي نجاد، وأن نُعرف «محور الشر» من جديد ونقضي بأن الدولة التي لا تحترم حقوق الإنسان أو التي تحتل شعبا آخر هي مثل دولة إرهابية. لكن ما يحدث في مصر يجب أن يثير الخوف عند من يفحص عن الخريطة السياسية للمنطقة. لم تنجح مصر مبارك في حل صراعات إقليمية ولا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ولا الأزمة في لبنان، ولم تستطع أن تمنع الحرب في العراق أيضا. كانت قوة مصر مبارك، الزعيم الذي ليست له عقيدة والذي سعى دائما إلى إحداث توازنات، في إعطاء المسارات السياسية الشرعية أو سلبها إياها. فالرعاية التي بذلتها مصر للحوار الإسرائيلي الفلسطيني، ونضالها من أجل المبادرة العربية، وتأييدها لاستفتاء الشعب في السودان، ودعمها الذي منحته للأردن في مجابهة الفكرة الإسرائيلية عن «الوطن البديل»، والنضال الذي لا هوادة فيه لتأثير إيران خاصة، كلها قد رسمت حدود مجال الاتفاق العربي. إذا أُبعد مبارك فورا نتيجة ثورة لا في نطاق نقل منظم للسلطة حتى لو كان أطول مما يطلبه المتظاهرون فستصبح مصر مختلفة وهوجاء ومنطوية على نفسها. ففي حين ستكون مشغولة بالحروب الداخلية وجمع التبرعات من أجل التغلب على الخسائر الضخمة التي سببتها لها الأيام الأخيرة ومحاسبة الولاياتالمتحدة ستأخذ دولة أخرى مكانها في قيادة المنطقة. ستكون السعودية في أفضل الحالات، وهي دولة ديمقراطية على نحو رائع، تتعلق حمايتها بالولاياتالمتحدة، لكنها تستطيع أن تُقرب الصين أو روسيا وقت الحاجة. وستكون في أسوأ الحالات سورية التي تستطيع أن تستخدم المحور التركي العراقي الإيراني الذي صعب عليه حتى الآن إقرار برنامج عمل للشرق الأوسط لأن مصر والسعودية صدته بمساعدة دول الخليج (عدا قطر). بغير مصر مبارك ستتضاءل جدا قدرة الغرب على تدبير «سياسة عربية». صحيح أن هذه السياسة كانت وهما دائما، لكن العادة السياسية قضت بأنك إذا نجحت في إقناع مصر فإن أكثر الدول العربية ستتبعك. ما يزال مبارك لم يذهب رغم الحجارة التي يُرمى بها من واشنطن. يمكن فقط أن نُخمن ما الذي يشعر به نحو أوباما.. أوباما خاصة الذي جدد مبارك العلاقة به بعد خمس سنين من القطيعة مع جورج بوش. لكن الأمر هذا أقل أهمية الآن. والسؤال هو كيف يشعر الآن كل زعيم مصري محتمل وكل زعيم عربي نحو واشنطن؟ أي درس تعلمه الملك السعودي أو حاكم قطر؟ ولماذا يحتفل أحمدي نجاد وعلي خامنئي؟ حتى عندما تستكشف الولاياتالمتحدة الشعب المصري فجأة، وحتى لو لم يكن لها أي مصلحة سياسية أخرى في المنطقة، يجب عليها أن تطمح إلى إجراء انتقال تدريجي كما يقترح مبارك. قد يرى هو الأمر أمر كرامة، أما من جهة واشنطن والمنطقة فهي مصلحة استراتيجية. عن ال«هآرتس» تسفي برئيل