تباينت ردود الفعل الدولية والعربية تجاه ما يجري في مصر، مع استمرار أيام الغضب وإخفاق خطاب الرئيس المصري حسني مبارك في تهدئة الغاضبين المتظاهرين الذين لم يرضهم تعيين رئيس المخابرات العامة اللواء عمر سليمان نائبا له، ووزير الطيران المدني الفريق أحمد شفيق رئيسا جديدا للحكومة. وبينما حثت دول غربية ومنظمات دولية الحكومة المصرية على عدم استخدام العنف ضد المتظاهرين، وعدم قطع خدمات الهاتف الجوال والإنترنت، فإن المواقف الرسمية العربية لم تتعد اتصالات تطمينية و''مواساة'' للقيادة المصرية. ارتباك أمريكي ففي واشنطن عقد الرئيس الأمريكي باراك أوباما اجتماعا عاجلا لمجلس الأمن القومي لتقييم رد النظام المصري على الاحتجاجات الغاضبة أعاد فيه التأكيد على ضرورة إجراء إصلاح سياسي في مصر. وقال البيت الأبيض في بيان، أول أمس، إن أوباما كرر خلال اجتماع الأمن القومي معارضته لاستخدام العنف، ودعا السلطة في مصر إلى ضبط النفس، واحترام حقوق الإنسان، والقيام بخطوات ملموسة من أجل الإصلاح السياسي في البلد. لكن أوباما لم يبد رد فعل على قرار الرئيس المصري حسني مبارك السبت بتعيين مدير مخابراته عمر سليمان نائبا له للمرة الأولى منذ توليه السلطة قبل ثلاثين عاما تقريبا. وكان أوباما قد دعا نظيره المصري في مكالمة هاتفية بعد خطاب الأخير إلى اتخاذ خطوات ملموسة على طريق الإصلاح السياسي، والامتناع عن استخدام العنف ضد المتظاهرين. وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيليب كراولي قال إن الحكومة المصرية لا يمكنها الاكتفاء ''بإعادة ترتيب الأوراق''، مؤكدا أن ''كلمات الرئيس مبارك التي تعهد فيها بالإصلاح يجب أن يعقبها عمل''، مرددا دعوة الرئيس باراك أوباما لإجراء إصلاحات. وأردف كراولي أن ''شعب مصر لم يعد يقبل الوضع القائم، إنه يتطلع إلى عملية لها مغزى لدعم إصلاح حقيقي''، موضحا القلق الأميركي بقوله ''ما دام المحتجون في شوارع مصر، فإننا سنبقى نشعر بالقلق بشأن احتمال وقوع أعمال عنف، ومرة أخرى نحث جميع الأطراف على ضبط النفس''. وحضر الاجتماع مستشار الأمن القومي توم دونيلون ومسؤولون أمنيون وسياسيون، واستمر ما يزيد على ساعة. قلق أوروبي ودعا رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رامبوي في بيان صدر أول أمس إلى إنهاء العنف الذي ''يقود إلى وضع يزيد من صعوبة إجراء حوار'' في مصر، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين. وقال رامبوي: ''أنا أدعو إلى وقف إراقة الدماء، وإطلاق سراح جميع المحتجزين ومن فرضت عليهم الإقامة الجبرية لأسباب سياسية ومنهم شخصيات سياسية، وبدء عملية الإصلاح الضرورية''. كما دعا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مبارك إلى إجراء عملية تغيير، و''تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة''، وتفادي العنف ''بأي ثمن''. وفي بيان صدر من برلين، قال الزعماء الثلاثة ''ندعو الرئيس مبارك إلى نبذ أي عنف ضد المدنيين العزل، وإلى الاعتراف بحقوق المحتجين السلمية... وإلى بدء عملية التحول التي ينبغي أن تتجسد في حكومة موسعة وفي انتخابات حرة ونزيهة''. وقال وزير الخارجية الألماني جيدو فسترفيله، أول أمس، إن ألمانيا هددت بخفض مساعداتها لمصر إذا لم تخفف السلطات إجراءاتها الصارمة ضد المحتجين الذين يطالبون بتنحي مبارك، مؤكدا أن حماية حقوق الإنسان والحقوق المدنية هي دائما معيار بالنسبة للحكومة الألمانية. كما أعرب وزير الخارجية الروسي ''سيرغي لافروف'' عن أمله في أن تظهر القيادة والمجتمع في مصر مسؤولية وطنية، ودعا السلطات المصرية لبذل ما بوسعها لضمان أمن المواطنين الروس في مصر. أما وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني، فقال إن أي تغيير مفاجئ للحكم في مصر سيحدث فوضى في الشرق الأوسط، معتبرا أن ''الاستقرار في مصر جوهري للمتوسط كله''. ''مواساة'' عربية وفيما يبدو محاولة للتخفيف من الضغط النفسي الذي يواجهه ''مبارك'' ومواساته عن المصيبة التي حلت به وبعرشه، أبدت بعض الزعامات العربية تضامنها مع الرئيس المصري. فمن الرياض إلى طرابلس إلى رام الله، تلقى مبارك مكالمات هاتفية من الرؤساء والملوك. وجاء أول موقف من ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز الذي أجرى اتصالا هاتفيا، أول أمس، مع الرئيس المصري أعرب فيه عن مساندته له، وانتقد الاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ الثلاثاء الماضي. ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن الملك عبد الله قوله: ''إن مصر العروبة والإسلام لا يتحمل الإنسان العربي والمسلم أن يعبث بأمنها واستقرارها بعض المندسين باسم حرية التعبير بين جماهير مصر الشقيقة واستغلالهم لنفث أحقادهم تخريباً وترويعاً وحرقاً ونهباً ومحاولة إشعال الفتنة الخبيثة''. وأضافت الوكالة، نقلا عن الملك السعودي الذي يقضي فترة نقاهة في المغرب، ''المملكة العربية السعودية شعبا وحكومة إذ تشجب ذلك وتدينه بقوة فإنها في نفس الوقت تقف بكل إمكاناتها مع حكومة مصر وشعبها الشقيق''. وذكرت أن مبارك طمأن الملك السعودي بأن ''الأوضاع مستقرة في مصر''. كما تلقى مبارك، أول أمس، أيضا مكالمة هاتفية من العقيد الليبي معمر القذافي، أعرب له فيها عن ثقته فى ''استقرار المجتمع المصرى وحفاظه على ما حققه من مكتسبات''. وذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية أن القذافي أعرب خلال الاتصال ''عن تمنياته باستكمال مصر مسيرتها نحو المزيد من الخير والتقدم لأبناء شعبها ومواصلة دورها الرئيسي في الدفاع عن قضايا أمتها''. ويذكر أن موقف القذافي الداعم للرئيس التونسي المطاح به زين العابدين بن علي قد أغضب التونسيين. ومن جهة أخرى، تلقى مبارك أيضا من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اتصالا، أول أمس، مؤكدا له ''تضامنه'' مع مصر في مواجهة الاحتجاجات الشعبية العارمة التي تعم البلاد وتطالبه بالرحيل.