أخذ الصراع بين المتظاهرين والسلطات المصرية منحى جديدا بعدما تواردت الأخبار عن إغلاق مواقع إلكترونية شهيرة، للحد من درجة التنسيق بين المحتجين على الأوضاع في مصر وخشية تحول الأحداث إلى ما يشبه الثورة الإلكترونية التي أطاحت أو ساهمت في الإطاحة بنظام زين العابدين في تونس. إجراءٌ أدانته مختلف الجهات الحقوقية الداخلية والخارجية، واعتبرته انتهاكا صارخا لمبدأ حرية التعبير، في الوقت الذي انتقد فيه البعض التعاطي السلبي للقنوات المصرية مع الاحتجاجات. في هذا السياق، أعلن موقع «تويتر» يوم الثلاثاء الماضي، حسب ما أورده موقع «إيلاف» أنه مغلق في مصر منذ الساعة ال16.00 بتوقيت غرينتش تقريبا، وهو التوقيت الذي اتسع فيه نطاق التظاهرات في القاهرة ومحافظات مصرية أخرى عديدة. وفي بيان صادر عنها، أدانت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وهي منظمة حقوقية مصرية، قيام السلطات المصرية ب«إغلاق عدة مواقع إلكترونية كانت تقدم تغطية للتظاهرات، وهي -إضافة إلى «تويتر»- موقعُ «بامبوزر» وموقعا جريدتي «الدستور» و«البديل» الإلكترونيتين». وذكر المصدر ذاته أن الاتصالات عبر الهاتف المحمول توقفت مساء الثلاثاء الفارط كذلك في منطقة ميدان التحرير، حيث اعتصم المتظاهرون في الميدان وفي الشوارع المجاورة له، وفق شهادات متطابقة. واعتمد الشباب، الذي أطلق هذه الحركة الاحتجاجية غير المسبوقة المستلهمة من الانتفاضة التونسية، على المواقع الاجتماعية على شبكة الأنترنيت للتواصل والتعبئة والحشد. وفي الإطار ذاته، اتهم عبد الجديد الشرنوبي، المسؤول عن موقع «حركة الإخوان المسلمين» على الأنترنيت، السلطات المصرية بإغلاق الموقع منذ الأربعاء الماضي. وقال الشرنوبي: «لاحظنا أول أمس الأربعاء في الساعة الواحدة صباحا أن موقعنا لا يمكن الدخول إليه في مصر»، مؤكدا أنه يعمل كالمعتاد خارج مصر باستثناء المملكة العربية السعودية حيث أغلق منذ شهرين. وأوضح المسؤول، حسب ما أوردته وكالة «أ.ف.ب»، أنه لكي يتسنى الدخول إلى موقع على الأنترنيت في مصر لا بد من المرور عبر إحدى الشركات الأربع الحاصلة على ترخيص، وجميعها يعمل من خلال شبكة مجلس الوزراء المصري الذي يمتلك الوسائل التقنية لمنع الدخول إلى الموقع. وأكد أن السلطات المصرية لم تخطر الحركة بهذا الإجراء الذي قال إنه يتعارض مع تعهداتها باحترام حرية التعبير وحرية الصحافة. وحركة «الإخوان المسلمين»، التي لا تتمتع بوضع قانوني، أنشأت موقعا على الأنترنيت عام 2002 كان يطلق عليه اسم «حقائق مصرية» قبل أن يتحول اسمه إلى«إخوان أون لاين». وتباينت ردود فعل وسائل الإعلام المصرية تجاه ما يحدث فوق الأراضي المصرية بين الحياد والدخول على خط الصراع، إذ إن صحيفة «الأهرام» الحكومية خصصت عنوانها الرئيسي في الصفحة الأولى ل»الاحتجاجات والاضطرابات الواسعة في لبنان». بينما جاء عنوان صحيفة «المصري» اليوم المستقلة من كلمة واحدة هي «إنذار» في إشارة إلى ما تمثله التظاهرات من تحذير للسلطة في مصر. عنونت صحيفة «الشروق» المستقلة «مصر الغاضبة في الشارع». وفي السياق، حافظت القنوات المصرية العامة والخاصة على مسافة «الحياد السلبي» مع الاحتجاجات الدموية، بعدما تحاشت مناقشة الأزمة إلا في فقرات عابرة وغير دقيقة كما حدث في برنامج «النسخة الأولى» الذي سلط الضوء على بعض عناوين الصحف، في حين تخلف برنامجا «90 دقيقة» و»العاشرة مساء» وغيرهما من البرامج الشهيرة عن الحدث. وسارت القنوات الترفيهية والغنائية على النهج ذاته، بعدما برمجت أفلاما وسهرات غنائية كوميدية بشكل يقفز على الأزمة الحقيقية التي تعصف بمصر وتهدد بإحداث تغييرات جذرية فيها، في الوقت الذي سبق أن برمجت فيه القنوات المصرية برامج وتقارير متعددة عن الثورة في تونس. وانتقلت عدوى تعطيل المواقع الإلكترونية إلى الإعلام السوري، إذ نقلت تقارير صحفية أن بعض مستخدمي الأنترنيت اتهموا السلطات السورية بكونها منعت استخدام البرامج التي تسمح بالدخول على خاصية الدردشة عبر موقع «فيسبوك» من خلال الهواتف المحمولة. وأضافت المصادر الصحفية أن السلطات السورية وضعت قيودا بالفعل على الأنترنيت في غمرة أحداث تونس. وأضافت المصادر أن برنامجي «نيمباز» و«إيبادي»، اللذين يستخدمان للسماح بالدخول إلى موقع الدردشة في «فيسبوك»، وغيرهما من برامج الرسائل لم تعود تعمل في سوريا، كما منعت صفحة «فيسبوك» الرئيسية هي الأخرى، ولكن رموزا معروفة باسم «بروكسيز» تسمح للسوريين بالالتفاف على القيود. وقال مازن درويش، رئيس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، الذي أغلقته السلطات قبل ثلاثة أعوام: «لا يوجد أي مؤشر إيجابي على أنه بعد الثورة التونسية تم إحداث أي تغيير على سياسة الرقابة المحكمة في «سوريا»». وبالكاد تطرقت وسائل الإعلام السورية الخاضعة لسيطرة الحكومة إلى الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي. وقال درويش إن «الطبقة الحاكمة في سوريا لا تبدي مؤشرات على السماح بتغطية إعلامية حقيقية للفقر أو الفساد، ولكنها قد تستمر في السماح للناس بالتنفيس عن بعض الإحباط».