بينما أفصح جميع أعضاء الحكومة الفرنسية، بمن فيهم رئيسهم ساركوزي، عن وجهاتهم السياحية بين استراحة شاطئية أو جبلية تنتهي في 21 غشت، مع تعليمات رئاسية ودية بعدم الابتعاد كثيرا عن باريس تحسبا لطوارئ محتملة كما حدث سنة 2003، عندما حصدت موجة الحرارة ما يزيد عن أربعين ألف شخص، اختارت وزيرة العدل رشيدة داتي التكتم على وجهتها، وسط أنباء شبه مؤكدة تفيد بأنها مدعوة إلى قضاء بضعة أيام مع الزوج الساركوزي بمنزل كارلا بروني. والمراد من الدعوة الرئاسية تفنيد ما تناقلته بعض وسائل الإعلام من كون وزيرة العدل دخلت في خانة المغضوب عليهم من قبل سيدة فرنسا الأولى التي تأخذ عليها تمسكها الشديد بعلاقتها المتميزة مع طليقة الرئيس سيسيليا. افترق أعضاء الحكومة الفرنسية الخميس في آخر مجلس للوزراء على نغمات أسطوانة كارلا بروني الأخيرة، التي حرصت عقيلة الرئيس ساركوزي على إهدائها شخصيا لكافة الوزراء للاستئناس بها في عطلتهم الصيفية التي ستنتهي في 21 غشت مع تعليمات رئاسية ودية بعدم الابتعاد كثيرا عن باريس. فبينما اختار ساركوزي وعقيلته بلدة لوفار، فضل الوزير الأول فرانسوا فيون الذي يشكو من ألم في الظهر، منطقة طوسكان الإيطالية في إجازة مستحقة بعد تبني ثلاثة قوانين هامة، على حد قوله. أما كاتبة الدولة لما وراء البحار التي تجوب بحكم وظيفتها العالم باستمرار، فقد قررت الاستراحة بحوض أركاشون بفرنسا ومقاطعة الطائرة التي قضت 238 ألف كلم على متنها في غضون أربعة أشهر. وتحتل السياحة الشاطئية الأولوية بالنسبة إلى معظم الوزراء قبل السياحة الجبلية على غرار وزير الاقتصاد والمالية الذي اختار جزيرة لوفار الصغيرة، ووزير التعليم العالي الذي قسم عطلته الشاطئية بين لاكوريز ولابول، ووزيرة الثقافة التي اختارت جزيرة فاندي، فيما فضلت كاتبة الدولة المكلفة بسياسة المدينة التوجه في نزهة جبلية إلى المغرب، كما هو الشأن بالنسبة إلى كاتب الدولة المكلف بالعلاقات مع البرلمان الذي اختار رحلة سياحية على الأقدام بقمم الأطلس المتوسط. مداومة لمدة 24 ساعة بباريس وتبقى وزيرتنا في العدل رشيدة داتي الوحيدة التي اختارت التكتم على وجهتها على خلاف معظم نظرائها الذين توخوا الشفافية تفاديا لتأويلات إعلامية هم في غنى عنها، لاسيما بعد أن أصدر الإليزيه تعليمات بإلزام كافة الوزراء بمداومة لمدة 24 ساعة بباريس تحسبا لطوارئ محتملة كما حدث سنة 2003 عندما حصدت موجة الحرارة ما يزيد عن أربعين ألف شخص، غير أن مصادر إعلامية موثوقة أكدت أن السيدة داتي مدعوة في نهاية العطلة إلى قضاء بضعة أيام مع الزوج الساركوزي بمنزل كارلا بروني بالقرب من الجبل الأسود. والمراد من الدعوة الرئاسية تفنيد ما تناقلته بعض وسائل الإعلام من كون وزيرة العدل دخلت في خانة المغضوب عليهم من قبل سيدة فرنسا الأولى، التي تأخذ عليها تمسكها الشديد بعلاقتها المتميزة مع طليقة الرئيس سيسيليا. وحول ما إذا كانت بالفعل من غير المرغوبات ضمن حاشية الرئيس، كما سألتها هذا الأسبوع مجلة «لوبوان»، لم تقتصر داتي على الإجابة بالنفي، بل ذهبت إلى حد القول بأنها ستقضي عطلتها مع صديقتها كارلا. تعقيب الإليزيه على تصريحات داتي شابه بعض الغموض، حيث لم يذهب إلى حد النفي، واكتفى بالإشارة إلى أن اسم رشيدة داتي غير وارد حتى الآن ضمن لائحة المدعوين. وبين تأكيدات داتي التي تلقى سندا قويا من الصحافة ومصادرها المختلفة، وتحفظات الإليزيه الخجولة، يبقى الشيء الأكيد هو أن وزيرة العدل ستقضي يومين أو ثلاثة بشاطئ بيلا الجنوبي مع صديقتها المخرجة ياسمينا بنجيجي العضوة الاشتراكية بمجلس باريس. شعبية داتي في أدنى مستوى وفي خضم هذه التباينات، تشهد داتي حاليا تدنيا غير مسبوق في شعبيتها، بعد أن أكدت آخر استطلاعات الرأي أن شعبيتها تراجعت إلى 33 في المائة في يوليوز 2008 مقابل 59 في المائة في نفس الفترة من السنة الماضية. وتدني شعبية الوزيرة المغربية بدأ مع الاستقالات المتتالية لمستشاريها والتي بلغت 11 استقالة، كانت آخرها لمدير ديوانها المساعد ماتيو إيروندار الذي رحل مؤخرا إلى الإدارة العامة للتجهيز بوزارة العدل. وكان قد سبقه قبل شهر مستشارها الدبلوماسي برنار بوساروك الذي واجهها قبل أن يهم بالانصراف بدون رجعة: «أمنعك من أن تخاطبيني بمثل هذه اللهجة الصراخية». ومن أبرز الهاربين من «صداع الرأس» مع رشيدة كما يقولون، مدير ديوانها، ميشيل دوبكين، الذي ودعها بعد شهرين فقط من التعايش، وذلك في سياق موجة الشكوك التي سادت داخل الأوساط القضائية بشأن كفاءتها وملابسات تعيينها. ولحقت به الصحفية جاييل تشاكالوف التي لم تتحمل العمل مع رشيدة بسبب انتقاداتها اللاذعة، ثم جاء بعد أسبوع دور فرنانوا غيان، نجل الكاتب العام للإليزيه، الذي كان لسيسيليا زوجة ساركوزي آنذاك، دور كبير في مساعدتها على إقصائه بالرغم من تحفظات الرئيس الفرنسي واستياء الوزير الأول فرانسوا فيون. واللائحة تطول مع مستشارين آخرين، إلى أن علق أحد المقربين بالقول: «المساكين لم يطيقوا التعايش مع سيدة تجيد الصراخ أكثر من الفعالية والكفاءة». تراجع سياحي مقلق ومقابل الإجازات المختلفة للوزراء وأعيان الدولة بين سياحة جبلية وشاطئية ورحلات خارج فرنسا، فإن سحر بلد الأنوار آخذ في الانطفاء سياحيا تحت ثقل ارتفاع سعر اليورو من جهة، والأجواء الممطرة التي لم تعد تبارح منذ صيفين متتاليين سماء فرنسا. فصيف 2008 لا يختلف كثيرا عن موسم 2007، حيث تقلبات الطقس بين برودة قاسية وشمس محتشمة، أرغمت الفرنسيين وحتى الأجانب أن يحولوا سياحتهم الشاطئية والاستحمامية إلى سياحة تثقيفية عمرانية، أو ما يصطلح على تسميته بسياحة الجدران. فقد عجت نوطردام وساحة لامادلين وساكري كور ولوبيرا وغيرها من المواقع الخالدة في الذاكرة المجتمعية الفرنسية، بآلاف السياح من مختلف الأجناس والأعمار، حتى الأطفال وبعض الشبان الذين يرون فيها مجرد حيطان بلا روح ولا انتماء. وأظهرت آخر الإحصائيات تراجع نسبة الحجز في الفنادق بفرنسا بنسبة 7%، كما لوحظ تراجع عدد السياح الأمريكيين والأسيويين والخليجيين الذين غيروا وجهتهم إلى أماكن أكثر دفئا وترفيها. ويخشى القائمون على الشأن السياحي بفرنسا أن تنتزع بلدان مثل إسبانيا وإيطاليا الصدارة من فرنسا التي تستقطب ما يقارب ثمانين مليون سائح بأرباح تفوق أربعين مليار يورو سنويا. السياحة الداخلية في تراجع وبخصوص السياحة الداخلية، أفاد استطلاع معهد إيفوب نشرت نتائجه جريدة «لومانيتي» (الإنسانية)، بأن 42 في المائة من الفرنسيين لن يستمتعوا بعطلة هذه السنة، وفي مقدمتهم العمال والمستخدمون الذين لازموا منازلهم في يوليوز وسيلازمونها في غشت، مقابل 26 في المائة سنة 2006. ومن أسباب العزوف الرئيسية ارتفاع الأسعار، وتدني القدرة الشرائية وأجواء الطقس الممطر. ومن شأن هذا التراجع أن يلقي بتداعياته السلبية على القطاع السياحي والقطاعات الأخرى المرتبطة به كالفنادق والمطاعم والصناعة التقليدية ومختلف الخدمات ذات الصلة. وقد انخفضت نسب الحجز بين 7 إلى 21 في المائة حسب المناطق مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2006 التي كانت سنة قياسية بالنسبة إلى الرواج السياحي الوطني. وحتى المواقع المعروفة بجاذبيتها السياحية وأسعارها المغرية، شهدت تراجعا بنسبة تفوق الأربعة في المائة، وفق ما أعلنته وكالات الأسفار الداخلية. وتشهد المقاهي الشاطئية والمطاعم المجاورة حالة إقبال محتشمة بسبب أحوال الطقس، ما بين عواصف رعدية وإطلالة شمس قصيرة. أما «باري بلاج»، الذي هو عبارة عن مهرجان صيفي تنظمه بلدية باريس سنويا على ضفاف نهر السين، لتوفير أسباب التسلية والترفيه للباريسيين وللسياح الوطنيين والأجانب، فقد حولته الأجواء الشتوية الباردة إلى فضاء كئيب علق عليه أحد الظرفاء بقوله إنه «باري التزحلق» وليس «باري بلاج». وسواد الغيوم ليس وحده المسؤول عن الوضع السياحي المتأزم، فقد زاده غلاء البنزين وارتفاع سعر اليورو تأزما، حتى إن منطقة لالورين الرائدة في المجال السياحي، جانبت الكارثة بعد أن هجر السياح الوطنيون والأجانب مطاعمها وفنادقها تحت وطأة الكآبة والتذمر من شروط سياحية منعدمة، ألزمتهم الرحيل في غياب المعاطف الشتوية الضرورية للاحتماء من موجات البرد القارص. مجتمع بلا هوية أخلاقية ما من فرنسي تسأله اليوم عن أنماط الحياة التقليدية والعادات القديمة، التي شكلت على امتداد العصور مصدر اعتزاز وتفاخر بالنسبة إلى الفرنسيين، إلا ويجيبك بأن وتيرة الحركية الاجتماعية المطبوعة بالسرعة والروح الاستهلاكية التي تريد تنميط كل شيء حتى إنسانية الإنسان، أدخلتنا في عملية تذويب لا سابق لها، ونخشى أن نصبح في غضون عقود قليلة مجتمعا بلا مرجعية ولا هوية أخلاقية كالمجتمع الأمريكي تماما. مجتمع يصعب فيه على الأبناء معرفة آبائهم الشرعيين من آبائهم المصطنعين. وحجة هؤلاء مستقاة من آخر البيانات الإحصائية التي تثبت أن عدد الأطفال المولودين خارج إطار الزواج في فرنسا أصبحوا منذ سنة 2006 أكثر من الذين يولدون لآباء متزوجين، وهو ما يؤكد تراجع فرنسا عن أنماط حياتها التقليدية وعاداتها القديمة، علما بأن ما لا يقل عن 55 في المائة من الفرنسيات يعشن اليوم وحيدات، إما مطلقات أو رافضات عبء الزواج وما يرافقه من متاعب حسب اعتقادهن. وعزا المكتب الفرنسي للإحصائيات هذه الظاهرة إلى اختفاء معظم الحوافز المالية الخاصة بالزواج، فيما أصبح إنجاب غير المتزوجين للأطفال أمرا مقبولا في مجتمع تخلى باسم الحرية والانفتاح عن مؤسسة الزواج كمنظومة أخلاقية واجتماعية لها دور حاسم في التوازن العائلي وتربية النشء، وأصبح ينظر إلى الزواج على أنه مجرد احتفال لجمع الأقارب والأصدقاء. وقد ارتفعت نسبة الأطفال المولودين خارج إطار الزواج إلى 50.5 في المائة من جميع حالات الولادة، وأصبحوا أغلبية للمرة الأولى في المجتمع الفرنسي. وقد وضعت فرنسا تشريعا للزواج المدني في عام 1999 كوسيلة لتوفير الوضع القانوني لغير المتزوجين يماثل وضع الزواج. ودخل أكثر من 350 ألف زوج في ما يسمى «اتفاق التضامن المدني» منذ ذلك الوقت. ومع أنه تعرض في البداية للهجوم من جانب اليمين والكنيسة الكاثوليكية لأنه كان متاحا للشواذ الذين ضغطوا من أجل إقراره، فإن الإحصاءات توضح أن الزواج المدني ارتفعت شعبيته بين الأشخاص الطبيعيين. وتشير تقديرات فرنسا إلى أن التعداد الكلي للسكان ارتفع إلى أزيد من 63 مليون نسمة في فاتح يناير 2008، بزيادة 361 ألفا عن نفس الفترة في العام السابق. غير أن 71 ألفا منهم فقط جاءوا من الهجرة، مقابل 91 ألفا في العام الذي سبقه. وتتمتع فرنسا بواحد من أعلى معدلات المواليد في الاتحاد الأوروبي.