مازالت وزيرة العدل الفرنسية تثير موجة من الاهتمام الإعلامي الفرنسي غير المسبوق، حيث باتت تحركات رشيدة داتي، ذات الأصول المغربية، والتي وضعت حملها في وقت سابق، حدثا إعلاميا بامتياز. إن رشيدة داتي هذه الأم العازبة حاليا خصصت لها عدد من القنوات والاذاعات الفرنسية حيزا مهما من مساحات البث على الشاشة والأثير، وجاء كبار الشخصيات الاعلامية والسياسية لمناقشة حالتها «الاستثنائية» إلى الحد الذي يمكن معه القول إن «حدث» وضعها للطفلة «فاطمة الزهراء» شكل موضوعا أهم من الاجتياح الاسرائيلي لقطاع غزة وما صاحبه من تقتيل. نفس الاهتمام جعل من وزيرة العدل الفرنسية «مادة إعلامية» متجددة تلتهم عشرات الصفحات من الصحافة المكتوبة وفضاءات واسعة من الصحافة الالكترونية أيضا ومادة «رمادية» لانجاز ما كتب عنها. فقد طفا إلى السطح قبل وضعها ل«فاطمة الزهراء» أسئلة من قبيل: هل المولود سيكون ذكرا أو أنثى؟ هل ستكون الولادة عادية أم قيصرية؟ وأين ستضع حملها؟.. أسئلة تبدو بسيطة في طرحها غير أن الصحافة الفرنسية بإضافاتها لبهارات إعلامية تغذي فضول القارئ والمشاهد الفرنسي وتزيد من حب المعرفة لديه وكذا رغبته في الانسلال إلى بعض «المربعات الشخصية» في حياة الشخصيات العمومية. وكلما تحركت رشيدة داتي إلا وحركت معها الاعلام الفرنسي أساسا وجعل من خطواتها مجالا خصبا لتناسل المقالات في الصحافة المكتوبة والبرامج الاذاعية والتلفزية، لكل زاويته ومقاربته. تحولت رشيدة داتي إلى قطعة لحم كل «ينهش» منها على طريقته، نميمة طبعا، وتحولت إلى محرك للنقاش والتتبع منذ تعيينها في منصب وزيرة من خلال انتظار مبادرة منها كيفما كانت لتوليد مواضيع ذات ارتباط بها وبمجالها. وبما أن رشيدة داتي أصبحت مولدة «للمواضيع» للصحافة الفرنسية ومصدر إلهامها، فقد اختارت ربما أن تتحول إلى «صانعة حدث»، لذلك بعدما جعلت من حملها حدثا استثنائيا، دفع الصحافة الفرنسية «تبحث عن الأب»، قررت ربما أن يكون الوضع خمسة عشر يوما قبل موعده حدثا إعلاميا استثنائيا أيضا، وأن لا تكون الولادة عادية، بل بعملية قيصرية يشرف عليها طاقم طبي بإحدى المصحات الباريسية، حدثا إعلاميا كذلك، وأن تختار لمولودتها اسم «فاطمة الزهراء» و ليكون هو نفسه اسم جدتها حولته أيضا إلى حدث إعلامي. استطاعت رشيدة داتي بعد ضبطها لقواعد اللعبة أن تحسن لعبة «القط والفأر» مع الصحافة الفرنسية، وأحسنت في ذات الآن أن الاستفادة منه كسند اعلامي يتحدث عنها ويجعلها حاضرة بشكل شبه يومي في الساحة الاعلامية. ففي كل مرة كانت خطواتها توقد «شرارة الصحافة الفرنسية». فعودة رشيدة داتي البالغة من العمر 43 سنة لمزاولة نشاطها الوظيفي بعد خمسة أيام فقط من إنجابها طفلة، أثارت كثير لغط في أوساط الجمعيات النسائية والنقابات، وحتى بين النساء المشتغلات بالسياسة وجعلت إجازة الامومة كموضوع يطفو الى السطح من جديد والحديث عن تمديدها أو تقليصها. فهناك من اعتبر من الجمعيات النسائية الفرنسية أن عودة رشيدة الى العمل خمسة أيام بعد وضعها لفاطمة الزهراء قرار «غير مسؤول»، وإنه «سيضغط على أخريات للقيام بالمثل»، هذا إذا ما استحضرنا أن للامهات الفرنسيات الحق في الحصول على إجازة لمدة 16 أسبوعاً مدفوعة الأجر عقب الولادة. نتائج استطلاع للرأي أجراه المعهد الفرنسي للرأي العام (اي.اف.او.بي)، على هامش حدث عودة داتي للعمل مبكرا، أكد معارضة الفرنسيين لهذه الخطوة، حيث يرى 56 بالمائة أنها «عادت مبكرة جداً إلى مزاولة عملها». وكانت الصحف الفرنسية قد أشارت في وقت سابق أن رشيدة داتي اضطرت للعودة بسرعة إلى وزارتها قبل أي إصلاح قضائي متوقع من الرئيس نيكولا ساركوزي. قرار رشيدة داتي اعتبرته سيغولين روايال من الحزب الاشتراكي أمرا عاديا كونها «تشغل منصباً استثنائياً يبرر اختصارها لإجازة الولادة التي يضمنها القانون للأمهات العاملات ومدتها ستة أسابيع». وكانت روايال أكثر دفاعا من غيرها عن داتي بالرغم من كل السياقات السياسية التي عاشتها معا قبل وبعد الحملة الانتخابية للرئاسيات الفرنسية الماضية إذ قالت «لنترك رشيدة وحالها... إن هذا التكالب ضدها غير لائق ولا عادل» و«لنتوقف عن تناول هذا الموضوع». دفاع روايال، وهي أُم لأربعة أطفال، قاسمه الأمومة. فقد مرت روايال بتجربة مماثلة حينما كانت نائبة برلمانية، واضطرت إلى اختصار إجازة الوضع بعد إنجاب آخر أطفالها. وكانت روايال قد تعرضت كذلك لانتقادات مماثلة عندما دعت مصوري التلفزيون سنة 1992 الى سريرها في المستشفى، حينما كانت تشغل منصب وزيرة البيئة لالتقاط صور لطفلتها فلورا التي كانت وضعتها للتو. نفس الدفاع جاء من وزيرة التعليم العالي فاليري بيكريس، التي عادت بسرعة الى عملها عقب ولادة طفلها، إذ قالت «بعد عشرة أيام من الولادة أشرفت على عدة مراسم هامة». وأضافت «لم يمنعني ذلك من الاستراحة فيما بعد». يستمر الاهتمام الاعلامي بحياة رشيدة داتي الخاصة، وهي التي ما تزال تحتفظ باسم أب ابنتها «فاطمة الزهراء» وتصرخ في وجه الصحافة «حياتي الخاصة معقدة وأنا أبقيها خارج متناول الصحافة، لن أقول أي شيء عن الأمر». لكن الصحافة وضعت أسماء مختلفة كأب ل«فاطمة الزهراء» فاقترحت اسم الوزير الأول الاسباني السابق ماريا أثنار، كعشيق محتمل لرشيدة، والطبيب ميشال ساركوزي، أخ الرئيس الفرنسي الحالي نيكولا ساركوزي.