في الوقت الذي انشغل فيه العالم بأسره باحتفالات رأس السنة وسط أجواء من الفرح والسرور والبهجة، كان المصريون، وخصوصا الأقباط منهم، على موعد مع فجيعة زلزلت أركان المجتمع المصري بأسره وحصدت أرواح أكثر من 25 شخصا في مدينة الإسكندرية وخلفت أكثر من 80 جريحا إثر حادث تفجير إرهابي استهدف كنيسة القديسين في أولى ساعات العام الجديد. وشهد تشييع ضحايا التفجير، الذي وقع أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية، هتافات طائفية، ورشق مئات من المسيحيين قوات الأمن المنتشرة في المنطقة بالحجارة وعبوات المياه، بينما تزايدت الانتقادات القبطية للحكومة ولأدائها الأمني الذي تم تحميله المسؤولية عن الحادث. وشارك نحو 5000 شخص، مساء أول أمس السبت، في تشييع ضحايا التفجير الذي وقع في الساعات الأولى من صباح نفس اليوم، حيث أقيمت مراسيم التشييع في دير مارمينا في كينغ مريوط على بعد نحو 30 كلم عن الإسكندرية. ورفعت حشود المشيعين شعارات، من بينها «بالروح، بالدم، نفديك يا صليب»، ورفضت تقبل تعازي الرئيس المصري حسني مبارك، وهتف المشيعون الأقباط «لا، لا، لا» مرارا لدى محاولة الأسقف يوانس، سكرتير بابا الأقباط شنودة الثالث، نقل تعازي الرئيس المصري. وكانت أجواء التوتر واضحة في محيط الكنيسة، حيث رشق مئات الشبان، الموزعين ضمن مجموعات صغيرة، قوات الأمن المنتشرة في المنطقة بالحجارة وعبوات المياه، وهو ما استدعى إطلاق عناصر الأمن قنابل مسيلة للدموع وطلقات مطاطية. وفي أول تعليق رسمي من الكنيسة على التفجير، قال الأنبا أرمية، السكرتير الشخصي للبابا شنودة رأس الكنيسة القبطية: «إن التفجير سبب لنا ألما كبيرا جدا، وجرحا عميقا، لأن ما حدث بعيد كل البعد عن صورة المحبة الحقيقية والتعايش السلمي الذي يحيا فيه شعب هذا الوطن». واتهم أرمية ما سماه «يدا غير أمينة» بالوقوف وراء الحادث، داعيا كل المصريين إلى «اجتثاث هذه اليد». وقال إن البابا شنودة سيترأس، كالمعتاد، قداس عيد الميلاد في الكاثدرائية المرقسية بالعباسية مساء الخميس المقبل. وقال بيان أصدره مجلس قساوسة الإسكندرية: «إذ نستنكر هذا الحادث الذي يهدد وطننا وأمن وأمان مواطنينا، نرى أن ما حدث يشكل تصعيدا خطيرا للأحداث الطائفية الموجهة ضد الأقباط». إلى ذلك، تعهد الرئيس المصري حسني مبارك بتعقب الجهات التي خططت لتفجير الإسكندرية وقال، في كلمة بثها التلفزيون المصري، إن هذا الانفجار «استهدف الوطن بأقباطه ومسلميه»، مطالبا المصريين بالوقوف صفا واحدا في مواجهة ما سماه «قوى الإرهاب والمتربصين بأمن الوطن». ووصف مبارك انفجار الإسكندرية بكونه «حلقة من حلقات الوقيعة بين الأقباط والمسلمين»، مضيفا أن «مصر برمتها هي المستهدفة». وقال مبارك إن «قوى الإرهاب لن تنال من مصر»، مضيفا: «لقد كسبنا معركتنا ضد الإرهاب في سنوات التسعينيات». وكان الانفجار قد استهدف كنيسة في حي سيدي بشر بالإسكندرية، وأدى إلى مقتل 21 شخصا وإصابة 97 آخرين، حسب مصادر وزارة الصحة. واعتُقد في البداية أنه ناجم عن تفجير سيارة أمام الكنيسة، لكن الشرطة رجحت بعد ذلك أن انتحاريا فجر قنبلة محلية الصنع. وقال مصدر أمني: «أكد فحص المعمل الجنائي أن العبوة الانفجارية التي تسببت في الحادث محلية الصنع، تحتوي على صواميل ورولمان لإحداث أكبر عدد من الإصابات». كما ذكر أن ملابسات الحادث، في ظل الأساليب السائدة حاليا للأنشطة الإرهابية على مستوى العالم والمنطقة، تشير بوضوح إلى أن عناصر خارجية قد قامت بالتخطيط ومتابعة التنفيذ. وأنهى المصدر الأمني تصريحاته بأن الإجراءات الأمنية المكثفة جارية على أوسع نطاق لتسريع وتيرة كشف كافة أبعاد الحادث. وفيما يبدو مغايرا للموقف الرسمي الذي يلقي بتبعة الحادث على قوى خارجية، يقول المسيحيون إن الحادث وقع «نتيجة للشحن الطائفي والافتراءات الكاذبة التي كثرت ضد الكنيسة ورموزها في الفترة الماضية». وقال شهود عيان إن اشتباكات وقعت بين مسيحيين ومسلمين في مدينة الإسكندرية وتم إتلاف العديد من السيارات عقب الانفجار. ووردت أنباء عن محاولة مسيحيين اقتحام المساجد المجاورة لمنطقة الانفجار، وإطلاق قوات الأمن القنابلالمسيلة للدموع، واشتباكات بين بعض المسيحيين ورجال الشرطة. وقال مصور وكالة «أسوشييتد برس» في الموقع إنه رأى أشخاصا يداهمون أحد المساجد القريبة ويقذفون بالكتب إلى الشارع، ثم تطورت الاحتجاجات إلى اشتباك بين مسلمين ومسيحيين استخدمت فيه الحجارة والزجاجات الفارغة. يذكر أن التوتر الطائفي قد تصاعد في مصر في السنة الأخيرة، ويقول المحللون إن عجز الحكومة عن التعامل مع شكاوى الأقباط من التمييز قد ساهم في زيادة التوتر. وبدأ الأقباط في مصر بالشكوى بشكل متزايد في الفترة الأخيرة من التمييز الذي يقولون إنه يتبع ضدهم. وتجدر الإشارة إلى أن يناير العام الماضي شهد قتل ستة مسيحيين ورجل شرطة مسلم في هجوم بالرصاص خارج كنيسة في مدينة قنا بجنوب البلاد، مما تسبب في اندلاع احتجاجات. وجاء هذا الحادث إثر إلقاء القبض على شاب مسيحي بتهمة اغتصاب طفلة مسلمة، في حين أن المسلمين يتهمون المسيحيين بتخزين أسلحة في كنائس وإرغام مسيحيات على العيش في أديرة رغم دخولهن في الإسلام.