تختلف نظرة الأحزاب السياسية لما يخطط له فؤاد عالي الهمة منذ خروجه من وزارة الداخلية، باختلاف هذه الأحزاب، بين من سارعت بالتحالف معه، ومن لا تعارض ذلك، ومن تقف متوجسة من «رجل المهام الأمنية الكبرى ومهندس قوانين الانتخابات». هل هي خطوة لمواجهة الإسلاميين؟ أم رغبة في تأسيس قطب ليبرالي؟ أم صيغة معاصرة لجبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية؟ بكثير من الشك والارتياب، تتعامل الأحزاب السياسية المغربية مع نوايا فؤاد عالي الهمة، الذي أسس «حركة لكل الديمقراطيين»، وجمع فيها أطيافا سياسية مختلفة من قدماء اليسار، وأطيافا من اليمين. قبل أن تتحدد معالم المولود الغامض الذي يبشر به الهمة في لقاءاته المتعددة عبر أرجاء المغرب، اختلفت نظرة الأحزاب إليه، بين من يرى الفرصة مواتية لإيجاد مظلة قريبة من السلطة، ومن يرى في «الوافد الجديد» منافسا مدعوما من وراء الستار، وهو القادم من وزارة الداخلية، والمقرب من الملك. فؤاد عالي الهمة ليس سياسيا عاديا يحاول أن يخطو خطواته نحو العمل السياسي الحزبي، إنه صديق الملك محمد السادس وزميله في الدراسة، فمنذ بزوغ «العهد الجديد» كان ينظر إلى الهمة بمثابة الرجل الثاني في المملكة، وذهب البعض حد تشبيهه بإدريس البصري في عهد الحسن الثاني. شغل منصب كاتب الدولة في الداخلية، قبل أن يعين وزيرا منتدبا في أم الوزارات، وكان يوصف بأنه رجل المهام الأمنية الكبرى، ومهندس قوانين الانتخابات. ومن هنا فإن تحركاته هنا وهناك بقدر ما تثير فضول الطامحين إلى البحث عن مكاسب سياسية ومنافع شخصية، فإنها تثير ارتياب أطراف أخرى تخشى أن تكون الدولة وراء هذه المبادرة، ولا تتردد في تشبيهها بمبادرات سابقة مثل تأسيس جبهة الدفاع عن المؤسسات، الفديك. عندما قرر الهمة في الصيف الماضي مغادرة موقعه في الداخلية، وأعلن عزمه على الترشح للانتخابات، لم تستطع الأحزاب فهم هذه الخطوة، وتناسلت التساؤلات حول نوايا الرجل، وما إذا كان خروجه كان بسبب إقالته أم استقالته، ولم تمض إلا شهور قليلة حتى اتضح أن الهمة سينزل بثقل كبير في الانتخابات التشريعية في دائرة الرحامنة مسقط رأسه. كانت لائحته التي حملت شعار التراكتور هي الوحيدة التي حصدت جميع مقاعد الدائرة، وكانت حملته استثنائية، ونتائجه استثنائية، ولم يتردد بعض المنافسين من اتهامه بتلقي دعم من السلطات المحلية. ومباشرة بعد إعلان فوزه، أطل بوجهه منتشيا من خلال القناة الثانية، وشرع في مهاجمة حزب العدالة والتنمية. كانت أولى القراءات لهذا الخروج الإعلامي تشير إلى أن للهمة مهمة تتمثل في مواجهة الإسلاميين، لكن قياديي العدالة والتنمية لم يتأخر ردهم كثيرا، حيث أمطره مصطفى الرميد برد قوي، من خلال حوار نشر في «المساء». وأثناء تشكيل الحكومة، التي عين عباس الفاسي رئيسا لها، برز مشكل رفض حزب الحركة الشعبية المشاركة في الحكومة بسبب ضعف العرض الذي قدمه إليها عباس الفاسي، وهنا اتضح دور الهمة، ليس فقط من خلال دفعه لعدد من الشخصيات التي كانت معروفة بقربها منه إلى الاستوزار رغم أنها غير متحزبة، ومنها عزيز أخنوش وزير الفلاحة، وأحمد اخشيشن وزير التربية الوطنية، وثريا جبران قريطيف، وزيرة الثقافة، بل إنه عمل على تشكيل فريق برلماني من ستة أحزاب صغيرة، وضمن لحكومة عباس الفاسي الأغلبية البرلمانية دون أن يشارك فريقه الأصالة والمعاصرة فيها. وتجنبا للاتهامات التي قد توجه إليه من طرف الأحزاب بتشجيع الترحال السياسي، فقد عمل الهمة على تشكيل فريقه من برلمانيين ينتمون إلى أحزاب لم تتمكن من تشكيل فريق، وتمكن من الحصول على منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية والدفاع والشؤون الإسلامية. كان الهمة يتحاشى الإدلاء بتصريحات مستفزة خلال لقاءاته التي عقدها من خلال حركة لكل الديمقراطيين، في عدد من المدن، لكن عندما قرر الإدلاء بحوار مع جريدة «لا غازيت دي ماروك»، عاد ليهاجم حزب العدالة والتنمية، وخاصة مصطفى الرميد رئيس الفريق البرلماني، وهنا سيتلقى الهمة ردا أقوى ربما لم يكن يتوقعه، حيث كشف الرميد لأول مرة، في سياق رد الصاع صاعين، عن الضغوطات التي تعرض لها الحزب من طرف الهمة عندما كان وزيرا منتدبا في الداخلية، أبرزها حث قيادات في الحزب على التظاهر أمام مقر جريدة لوجورنال بسبب اتهامها بنشر الرسوم المسيئة للرسول (ص)، ووصفه حركة حماس الفلسطينية ب»الإرهاب»، والضغط من أجل تقليص المشاركة في الانتخابات الجماعية سنة 2003. المقربون من الهمة يقولون إن مواجهة الإسلاميين ليست النقطة الوحيدة في جدول أعمال الحركة المعروفة باسم «حركة لكل الديمقراطيين»، بل إن هناك مهمة أكبر بكثير، تتمثل في خلق قُطب ليبرالي ديمقراطي، فبالنسبة إلى الهمة، حسب هؤلاء، فإن المشهد السياسي المغربي يعرِف وجود قُطب يساري، وقُطب محافظ يضم الإسلاميين، لكنه يفتقر إلى وجود يعتقد أنه يستطيع خلقه. عندما سئل عباس الفاسي، الوزير الأول، عن «حركة لكل الديمقراطيين»، أجاب بأن الهمّة «يرغب في تكوين نادٍ يضُم شخصيات من تيارات مختلفة للحوار والنقاش، ولا يمكن أن أصف حركته إلا بوصف نادٍ للتأمّل»، وأكد الفاسي أن الملك «لن يقبَل بتشكيل حِزب للملك»، كما أن الهمّة «لن يقبل هو أيضا ذلك»، كان هذا هو التوضيح الوحيد الذي أدلى به الفاسي بعد إعلان تشكيل الحركة، التي كانت معالمها لم تتضح بعد، لكن الهمة رد، خلال الندوة الصحافية التي أعلن فيها تشكيل الحركة، قائلا: «لسنا مجرد ناد للتأمل». وعدا موقف عباس الفاسي، فإن مؤسسات حزب الاستقلال وإعلامه لم تصدر أي موقف من «الوافد الجديد»، ويشرح أحد مناضلي الحزب سبب عدم إصدار الحزب لأي موقف، بكون الحزب يركز حاليا على «إنجاح تجربة الحكومية التي يقودها الفاسي، ومادام الهمة يدعم حكومة عباس فإنه لا يمكن أن يكون الموقف منه سلبيا»، لكن مع ذلك فإن مناضلي الاستقلال يتحاشون حضور اجتماعات الهمة. أما الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي تراجع في الانتخابات إلى الرتبة الخامسة، فتبنى موقِفا متشدِّدا من الهمّة الذي وصفه ب«الوافد الجديد»، وجاء في بلاغ لمكتبه السياسي أن هناك «خَيطا ناظما ومُترابطا بين النتائج التي أسفر عنها اقتراع 7 سبتمبر وهندسة الحكومة وعملية تدبير الشأن النيابي، الذي عرف وافدا جديدا يُوحي بالعودة إلى أجواء مرحلة، كُنا نعتقد أن التوافق قد حصل من أجل تجاوزها». وكان موقف محمد اليازغي، الكاتب الأول المستقيل، واضحا حين قال ل»المساء» إن حركة الهمة «تقول إنها تريد تعبئة الشعب المغربي للدفاع عن المكتسبات، وانخراط البلاد في الاختيار الديمقراطي الحداثي، وهذه أمور لا تتناقض مع مواقفنا» وأضاف: «بطبيعة الحال، هل هذا التوجه مرحلة أولية لبناء قطب معين؟ هذا ما سنراه، ولكن بالنسبة إلينا في الاتحاد الاشتراكي فإننا لا نشعر بأي إشكال لأن اختيارنا الاشتراكي الديمقراطي واضح كل الوضوح. السيد فؤاد عالي الهمة، إن بتكوينه أو بتجربته، لا يمكن أن يكون اشتراكيا، ولذلك فإنني لا أرى منافسة في ما يقوم به، فنحن في الاتحاد نعمل على الوصول إلى القطب الاشتراكي الكبير، وإذا أراد أي أحد أن يلف حوله الليبراليين الحداثيين فليفعل». لكن اليازغي حذر من استغلال وسائل الدولة قائلا: «إن حركة الهمة إذا أرادت أن تشتغل بجد وشفافية فعليها أن تترك كل أجهزة الدولة بعيدة عنها»، مضيفا: «لا يمكن لأي حركة أن تعتمد على وسائل الدولة، فالملك لا يحتاج إلى حزب يؤطر المواطنين، لأن المؤسسة الملكية اليوم هي مساندة من طرف كل القوى السياسية». وقد وصل الأمر بحزب الاتحاد الاشتراكي إلى أن أصدر مذكرة تمنع المناضلين الاتحاديين من حضور اجتماعات الهمة، وشرح ذلك اليازغي بالقول: «نحن وحزب الاستقلال لا نحضر اجتماعات الهمة تجنبا للخلط». أما حزب العدالة والتنمية، فلا يختلف موقفه عن موقف الاتحاد الاشتراكي، حيث دعا عبد الإله بنكيران، الأمين العام للحزب، إلى ألا يستغل الهمة الدولة ووزارة الداخلية، لأن ذلك سيؤثر على مصداقية الحياة السياسية. أما إسماعيل العلوي، الأمين العام لحزب التقدّم والاشتراكية، فيرى أن حزبه لا يعترض على أي تحرّك سياسي، لكن يقول: «كمساهمين في الحياة السياسية ومتتبّعين لها، لا يمكننا أن نلغي التاريخ من ذاكِرتنا في فترات مُعينة، حيث انبثقت حركات أدت إلى كوارث بالنسبة إلى الشعب المغربي»، وهو موقف يبطن التخوف من الوافد الجديد. حركة الهمة تكثف لقاءاتها خاصة مع أحزاب اليمين، خاصة التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية، والاتحاد الدستوري، هذه الأحزاب التي كانت توصف بالإدارية تجد في الهمة فرصة للعودة إلى حضن السلطة، أما الأحزاب الصغيرة التي أسس بها الهمة فريقه البرلماني فتعتبر نفسها منخرطة في مشروعه.