يأتي عيد الأضحى فنكتشف أننا في حاجة إلى عقل أكثر مما نحتاج إلى خروف. الناس يتسابقون إلى شركات القروض لكي يذبحوا أنفسهم قبل أن يذبحوا الخروف، وهذه القروض التي يحصلون عليها خلال أيام العيد تتحول، خلال باقي الأيام، إلى قرود تلعب فوق رؤوسهم، وعندما ينتهون من تأديتها يكون العيد الآخر قد وصل. من الغريب حقا أن ذبح الأضحية، وهي سنة مؤكدة فقط لا غير، تجعل الكثيرين ينهجون طريق الحرام، إذا اتفقنا على أن الربا حرام، فيستدين الناس آلاف الدراهم لكي يؤدوا سنة كان من الممكن أن يستغنوا عنها، فلا أحد سيدخل النار لأنه لم يذبح كبشا في العيد. هناك أشخاص كثيرون لا يؤدون الفرائض الواجبة ثم يفعلون المستحيل من أجل تطبيق سنة غير مفروضة. ومن المضحك أن رجلا لا يصوم رمضان، مثلا، يقوم أيام العيد ببيع عدد من مستلزمات منزله لشراء الكبش. عيد الأضحى يشبه رمضان في ممارسته دور الطبيب النفسي الذي يكشف عيوب واختلالات المرضى. إنه يفضح تناقضاتنا الدينية والاجتماعية والنفسية. ويبدو أن هذه التناقضات تنعكس حتى على التقارير التي تنجزها هيئات أكاديمية دولية حول درجة تديّن المغاربة. فمرة يقول تقرير ما إن المغاربة على رأس أكثر الشعوب الإسلامية تدينا، ثم يأتي تقرير آخر ويقول إن المغاربة حائرون مع تدينهم، وبعدهما يصدر تقرير ثالث يقول إن تدين المغاربة في تراجع، ثم يظهر تقرير رابع يقول إن تدينهم واثق الخطوة يمشي قدما. هذه التقارير حائرة معنا لأننا نحن أيضا حائرون مع أنفسنا. يأتي رمضان فنحوّله إلى مناسبة للسب والشتم وتقيؤ مكبوتاتنا، ويأتي عيد الفطر فنجد الطوابير أمام محلات بيع الخمور مباشرة بعد أذان آخر مغرب في رمضان، ويأتي عيد الأضحى فنجد أشخاصا قد يكونون لا يصومون ولا يصلون لكنهم يبيعون أثاث منزلهم لشراء كبش العيد. حيرتنا مع تديننا وأنفسنا نكتشفها من خلال حالات أخرى غريبة ومضحكة. ففي الحانات، بمجرد أن يفرغ زبون أول كأس في جوفه يبدأ في الحديث عن الإسلام وعن الدين، وأحيانا يبدأ في سرد الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فيتحول «الكونطوار» إلى فضاء للموعظة والإرشاد، بينما «البارمان» يهز رأسه باستمرار موافقا على كل شيء وهو يمسح، بين الفينة والأخرى، قطرات النبيذ التي تسقط على «الكونطوار» الصقيل. التناقضات الصارخة في تعامل المغاربة مع الدين تظهر أيضا في سلوك الكثير من المومسات اللواتي يصطدن الزبائن على الأرصفة وهن يستعذن بالله من الشيطان الرجيم. وهناك مومسات، بمجرد الانتهاء من «عملهن»، يتوجهن مباشرة إلى «الدوش» للاغتسال وأداء ما فاتهن من صلوات. هناك قضية أخرى مضحكة مع تديننا الغريب. ففي الشوارع المغربية سيارات جديدة اشتراها أصحابها بالكريدي، يعني بالفوائد الربوية، ومع ذلك يلصقون في زجاجها الخلفي عبارة «لا تنس ذكر الله». في مرات أخرى، تخرج إلى الشوارع مظاهرات لتيارات سياسية شيوعية، تعتبر الدين أفيون الشعوب، بينما صور كارل ماركس وإنجلز ترفعها فتيات محجبات. ارتباكنا مع الدين محير أيضا في مجالات أخرى كثيرة. وخلال الأشهر الماضية، كنت أسمع كثيرا عن شخص مسؤول تُحكى قصص بلا نهاية حول ارتشائه وممارسته الابتزاز وتخويف المواطنين من أجل جعلهم يدفعون له مرغمين لقضاء أغراضهم. لم أكن أعرف ذلك الشخص ولم أره من قبل، لكن بالصدفة رأيت صورته خلال حفل لتغيير مسؤولين، فرأيت على جبهته «دينارا» كبيرا من أثر الصلاة، ولم أفهم إطلاقا كيف أن مسؤولا لصا ومرتشيا يمكن أن يواظب على الصلاة إلى درجة يبدو أثرها على جبهته. الجميع يعرف أن المسلم هو «من سلم الناس من لسانه ويده»، فكيف ينهب هذا المسؤول اللص جيوب الناس، ثم يرسم على جبهته تلك البقعة التي ستكون أول بقعة تأكلها النار، لأن المنافقين في الدرك الأسفل من جهنم. ما أفهمه شخصيا من تديننا هو أننا في الأصل مسلمون، لكننا في الواقع مسلمون علمانيون ورعون ليبراليون ماركسيون متقون منافقون... وربما مرضى نفسانيون. نحن كل شيء.