ينتهي العيد وتبقى الرائحة. وفي مختلف المدن والقرى المغربية تتجمع أكوام من بقايا كل شيء، وستبقى رائحة جلود الخرفان و«مصارينهم» وقرونهم لأيام طويلة مقبلة تجمع الذباب وتزكم أنوف الناس. وربما كان الأجدى تغيير اسم العيد ليصبح «عيد الرائحة»، عوض عيد الأضحى. قليلون هم الذين يعرفون معنى هذا العيد وقصة القربان بين نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل، لذلك يتصرف الناس في عيد الأضحى وكأنه حفلة للذبح والسلخ وتجميع اللحم، وهو ما جعل شركات القروض تغير اسمه إلى «عيد الخروف»، وذلك حتى يقتنع الناس بأنه عيد اللحم والشحم وليس عيدا برموز روحية عظيمة. قبل العيد، يتنافس بعض الناس في ما بينهم من أجل الغش والتدليس.. بائع الأكباش يطعم خرفانه ماء مالحا وخميرة كثيرة، وحتى بعض الكوكا كولا، لكي تنتفخ وتجلب أحسن سعر. ويبدو أن بعض أصحاب المواشي منطقيون في تفكيرهم الغشاش، فالناس نسوا أن ذبح الأضحية مسألة رمزية وأصبحوا يبحثون عن الأكباش السمينة، لذلك تباع لهم أكباش منفوخة بالهواء، لأن فكرة العيد كلها أصبحت منفوخة بالهواء. بائعو الخضر والفواكه والتبن والأواني وأدوات الشواء والملابس يمارسون بدورهم قانونهم الخاص خلال أيام العيد. بائع الفواكه يفرض السعر الذي يريده، وفوق ذلك هو الذي يختار التفاح أو الرمان أو البرتقال الذي يجب أن تأكله. يبيع بالثمن الذي يريده ويختار لك بنفسه. وبين تفاحة وأخرى تجد واحدة «خامجة»، والمناسبة هي أننا في أيام العيد، وهو أفضل مناسبة لتبادل «الخْماج» بين الناس. قبل أيام العيد، يمارس الناس حربا أهلية في ما بينهم. ومع أنه لا توجد دماء، فإن كل واحد يذبح صاحبه بطريقته الخاصة.. المتحكمون في وسائل النقل يذبحون المسافرين قبل يوم النحر. وفي كثير من الأسر تنشب مشاكل حقيقية بسبب الخروف.. الزوجة تريده ديناصورا صغيرا بقرون ملتوية، والزوج تلتوي مصارينه من الهم والغم. ولو أن مصالح الشؤون الاجتماعية تكشف عن حالات الطلاق المرتفعة خلال أيام العيد لرأينا كيف يتحول العيد إلى نقمة حقيقية بسبب الجهل. الآباء الذين يتوجهون إلى أسواق الملابس يتعرضون بدورهم للذبح، وفي كل مكان يشهر الناس السكاكين غير المرئية في وجوه بعضهم البعض. والمتوجهون إلى شركات القروض يتم ذبحهم بسكاكين مشحوذة كما يجب، بحيث تكفي تمريرة واحدة على أعناقهم لكي تسيل دماؤهم. ويبدو أنه من بين الخلق أجمعين، فإن شركات السلف هي الوحيدة التي تذبح فتحسن الذبحة، طبعا إلى جانب اللصوص الذين ينشطون بشكل كبير خلال أيام العيد. في صباح العيد، تحدث هدنة مؤقتة ويتوجه الناس إلى المساجد بجلابيب أنيقة وملابس زاهية. يبدون كمؤمنين ورعين وهم ينصتون لنصائح وتوجيهات الخطباء بأن يذبحوا ويحسنوا الذبحة. وبعد ذلك تبدأ عملية ذبح رهيبة في حق الخرفان، وكثيرون يذبحون الخرفان أمام نظرات خرفان أخرى، وتندلع النيران في كل مكان لشواء الرؤوس، ويصبح الجو كتلة من الدخان والميكروبات، ويتجول جزارون في الشوارع وهم يشهرون سكاكين أشبه ما تكون بالسيوف وثيابهم ملطخة بالدماء وهم مستعدون لذبح الخروف وسلخه ووضعه في الطاجين قبل أن تزهق روحه. وفي العمارات، يتبادل الناس الخصومات وضربات السكاكين لأن كل واحد يضع أزباله أمام باب جاره، لذلك تنشط سيارات الإسعاف صباح العيد لأنها تنقل جرحى الحروب من كل نوع، وبذلك تزهق روح العيد وتبقى فقط «الهيضورة» والمصارين وقرون الحولي في الشوارع.. والجرحى في المستعجلات. هكذا، يبدو العيد مثيرا لتساؤلات كثيرة حول أخلاق الناس وطباعهم، وهو ما جعل البعض يستغل المناسبة لكي يدخل غرفه المظلمة على شبكة الأنترنيت ويطالب بإلغاء العيد، مع أن المنطقي هو أنه لا يجب أن نطالب بتحطيم سيارة عندما لا نعرف سياقتها، بل يجب أن نتعلم كيف نسوقها. هل من المستحيل، إذن، أن نتعقل ويصبح عيدنا حقيقيا؟ ربما لن يكون ذلك مستحيلا بعد 100 أو 200 سنة.