تختلف عادات المغاربة في الاحتفال بعيد الأضحى، وإن كانت المناسبة دينية وسنة نبوية يحتفي بها جميع المسلمين في مختلف بقاع العالم بإقامة صلاة العيد وذبح الأضحية؛ إلا أن للمغرب تقاليد خاصة تختلف حسب كل منطقة على حدة. إن لالعيد الكبير لدى المغاربة نكهة خاصة وفرحة كبيرة، فبعد صلاة العيد التي تُقام في المصلى أو في المساجد يتبادل الجيران والأقارب الزيارات قبل ذبح الأضحية، كما تحرص النساء على وضع الحناء على رأس الخروف؛ احتفاء بها. ويستمر الاحتفال بعيد الأضحى وفق مراحل تمتد على أيام إلى ما بعد يوم العيد، فاليوم الأول يخصص في الغالب لتناول ما يطلق عليه المغاربة اسم الزنان أو الملفوف، إذ يلفون كبد الذبيحة بالشحم وتجتمع العائلة حول المجمر لتناول الشواء مع الشاي، وفي مناطق أخرى يأكلون الدوارة أو الكرشة وهي معدة الخروف. اليوم الثاني هو يوم الريوس، إذ تقوم ربة البيت بتبخير رأس الذبيحة في الكسكاس بعد إزالة شعره بالنار، وفي الغالب تبقى الذبيحة كاملة إلى اليوم الثالث للعيد حيث يتم تفصيل الخروف وتوزيعها على أكياس بلاستيكية ووضعها في الثلاجة، والسبب كما يقول محمد وهو تاجر في الأربعين من عمره؛ لأن تناول لحم الذبيحة في اليومين الأوليين لا يكون صحيا. هذه في الغالب هي عادات التعامل مع الذبيحة، لكن مناطق أخرى لها عاداتها المختلفة في التعامل معها، ففي بعض المناطق في جنوب المغرب يحرص السكان على عدم إشعال النار في البيت للطهي أو لغيره طيلة يوم النحر، اعتقادا منهم أن إشعالها فأل سيئ ينبغي ألا يقام به في يوم سعيد مثل عيد الأضحى. للأطفال نصيب والأطفال لهم نصيب أيضا واحتفاء خاص بالعيد الكبير، فكما تحكي هناء: كانت والدتها تحرص منذ صغرها على شراء طاجين صغير لكل طفل، وما تزال هذه العادة مستمرة، فبعد أن كبروا، تحولت الأم إلى شراء هذه الطواجن لأحفادها الصغار الذين يقضون العيد معها، ويحصل كل طفل غداة العيد على بعض اللحم ليقوم تحت إشرافها بإعداد وجبته الخاصة، ومن العادات القديمة التي ما تزال تمارس في مناطق متفرقة في المغرب نجد بوجلود أو ما يسمى في مناطق أخرى السبع بولبطاين، وتشرح فاطمة من الدارالبيضاء هذه العادة قائلة: يقوم بعض الشباب والأطفال في الحي في اليوم الأول للعيد بوضع جلد الذبيحة فوق أجسادهم، ويتجولون على البيوت ليحصلوا من كل أسرة على ما جادت به من عطايا وخاصة النقود، ويقوم الشباب بعد ذلك بإقامة احتفال جماعي يمول مما جمعوه من مال. هذا وارتبط عيد الأضحى لدى المغاربة بعدد من الوجبات التقليدية التي تناقلتها ربات البيوت عبر الزمن،، وتحرص الأسر المغربية على إعددها في أيام العيد كجزء من تقاليد الطبخ المغربي الأصيل. وقد كان لهذه الوجبات طرق خاصة في الإعداد، إذ يمكن الاحتفاظ بها لمدة طويلة خارج الثلاجات التي لم تكن متوفرة لدى الجميع في السنين الماضية، ومن هذه الوجبات طبق المروزية الذي يعد برقبة الخروف، وقد كان هذا الطبق في البداية من الطرق التي يتم فيها الاحتفاظ بلحم الخروف من التلف والتعفن، لكنه وبالرغم من توفر وسائل حفظه إلا أنها ما تزال من الأطباق الرئيسية والتقليدية التي تحرص كثير من الأسر على تناولها كجزء من تقاليد العيد. هذا وما تزال بعض النساء تصنع القديد الذي تحتفظ به إلى يوم عاشوراء، إذ يقدم مع الكسكس في وجبة الغذاء. وتقبل الأسر المغربية على شراء الطاجين التقليدي، إذ تحرص ربات البيوت على إعداد الوجبات فيه وعلى نار المجمر، سواء الحديدي أو الطيني، خاصة وأن إعداد الوجبات بهذه الطريقة يتطلب وقتا لا يتوفر في ظروف أخرى، وأيضا إحياء لتقاليد مغربية أصيلة، كما تنتعش في هذه المناسبة أسواق التوابل والأقمشة والحناء والملابس التقليدية والنعال التي يفضل النساء والرجال والأطفال لبسها صباح العيد والذهاب إلى المصلى. ويحرص المغاربة على اقتناء الفواكه الجافة كالبرقوق واللوز والمشمش التي يتم طهيها مع اللحم في الطاجين. مهن تنشط في العيد الفرحة بادية على محيا محمد وهو يبيع التبن للزبناء الذين اختاروا شراء الخروف قبل عيد الأضحى بأيام قليلة، كان محمد بارعا في تجارته، يعرف كيف يتعامل مع الزبناء، لاسيما السيدات اللائي تستهويهن المساومة قبل اقتناء أي شيئ. محمد، طفل في الحادية عشرة من عمره، لم يكمل تعليمه، واختار مساعدة والده في الدكان، فالتجارة تجري في دمه، كما يقول بافتخار في حديث مع التجديد: منذ صغري وأنا أتحين أي فرصة لممارسة التجارة، وفي المدرسة كنت أستمتع بإعادة بيع أقلامي لزملائي من التلاميذ بالرغم من تأنيب والدتي لي. في كل عيد يختار محمد تجارة معينة، ليس لجمع المال بقدر ما هي هواية يشعر خلال مزاولتها بنشوة كبيرة. وعن المال الذي يجمعه من عمله اليومي، قال إن رأس المال لوالده، وبالتالي فهو يمنح كل ما ربحه لوالده، وبدوره يعده هذا الأخير بملابس جديدة بعد العيد، ويمنحه قسطا من المال يكفيه لتناول أكلات خفيفة، والذهاب إلى الملاهي التي حلت بحي التقدم هذا الأسبوع للعب. وغير بعيد عن محمد اختار طفلان يقارب سنهما عمره بيع قطع تساعد في إشعال الفحم، وبفرحة الصغار يصرخ كل منهما درهم للقطعة، تعالوا لتكتشفوا شيئا يساعد على إشعال الفحم في دقيقة واحدة... ففي حين اختار بعض الشباب بيع القطبان والشوايات، ملحين على كل من وقف يسأل عن الثمن باقتنائها لكي لا تبقى بحوزتهم للسنة القادمة. فرصة للربح يمثل عيد الأضحى فرصة للعمل للكثيرين ، ففي الوقت الذي اختار فيه محمد بيع التبن لجأ آخرون إلى بيع رزم الحبال بالأسواق التي تباع فيها الخرفان، واختارت فئة أخرى بيع الأكياس البلاستيكية. اقتربنا من طفل لا يتجاوز السابعة من عمره، ودون أن نسأله بادر بالقول كومة البلاستيك ب4 دراهم، إنها أكياس جيدة ليست كتلك الأكياس التي تباع في المناطق الأخرى.... وعن مصدر رأس المال بالرغم من بساطته، أكد أنه يعمل لصالح تاجر كبير، يمنحه مجموعة من الأكياس؛ وما إن ينتهي من بيعها حتى يذهب جاريا لمنحه المال الذي ربحه، ليقدم له هذا الأخير مجموعة أخرى، وفي آخر النهار تذهب والدة الطفل لتحاسب صاحب الدكان. ولا يوفر العيد فرص الربح للكبار فقط، فهناك بعض الشيوخ ينتظرون دورهم في الأسواق لحمل أكباش العيد على ظهورهم لإيصاله إلى سيارات الزبون أو العربات المجرورة أو الهوندات.. حسب رغبة الزبون. وعن الأجرة التي يحددها هؤلاء، يقول من التقتهم التجديد: حسب فرحة الزبون بالعيد، أحيانا يكون الزبون كريما معنا، إذ يعتبر ما منحه صدقة أكثر منه مقابل خدمة، وأحيانا نصادف أشخاصا يساوموننا قبل حمل الخروف... مهن عيد الأضحى لا تتوقف قبيل حلول العيد، فخلال الصباح يطرق بعض أطفال وشباب الحي أبواب الجيران ليطلبوا منهم منحهم رؤوس الأكباش للقيام بشوائها، بعد أن يكونا قد هيأوا للأمر بجمع الحطب، والأخشاب..