تستأثر أضحية العيد باهتمام كبير وشأن عظيم بين عموم المغاربة، ويتجلى ذلك في حرصهم الشديد وسعيهم الحثيث في الحصول على كبش العيد بكل ما أوتوا من جهد ومال، فالاهتمام بالأضحية ونوعيتها وأثمنتها، يحضر في كل بيت مع قدوم أيام عيد الأضحى، حيث تنتهج الأسر لكافة السبل من أجل شراء الكبش الموعود، بل وتتحمل تبعات مالية أو مشاكل اجتماعية واقتصادية تؤجج من حدتها شركات القروض المتناسلة هنا وهناك بعروضها المغرية، والتي تستفيد من الحرص الشديد الذي يبديه المغاربة لشراء الأضحية مهما كلفها من ثمن.سيما وأن عددا منهم لا يترددون في تقديم الغالي والنفيس من أجل الحصول على الخروف بالمواصفات المطلوبة. هذا الاندفاع المشحون بالمزايدات الاجتماعية يجعل موضوع خروف العيد يطغى على تفكير وانشغالات الناس مدة طويلة قبل يوم العيد، فينخرطون في سباق محموم للتفاخر والتباهي الاجتماعي بحجم الخروف الذي أصبح علامة على الأفضلية والسمو الاجتماعي، ويضطرون إلى القبول بالقروض الربوية.ف ''أم الأولاد'' لاتتوانى عن أي جهد حتى يكون خروفها ناصع من خروف الجارة، كما أنه لا أحد يتحمل أن يأتي الأقارب للزيارة ومعاينة الخروف دون أن يكون الخروف في المستوى ''المشرف''. وإذا كان هذا العيد يعود بالفرحة والسرور على كثير من الناس، فإن يتحول عند البعض الآخر إلى كابوس حقيقي يطرد النوم من جفونهم، ويعيشون قلقا وتوترا غير مسبوقين، بسبب التفكير في تدبير خروف العيد، الذي عادة ما يتجاوز ثمنه دخل الأسر الفقيرة،التي تحاول البحث عن جميع الطرق والوسائل، من أجل جمع ثمن الأضحية، وإن كان على حساب أثاث منزلها، أو رهن أغلى ممتلكاتها.لأن الأعراف أصبحت تقتضي عند الكثير من المغاربة، أن يكون خروف العيد مكمن افتخار وتباهي، والأضحية التي هي في حكم التعبد ذات شروط يسيرة، أضحت في حكم التعود بفعل هذه الأغلال الاجتماعية، تشديد و تكليف بما لا يطاق، ومن أوجب الواجبات وأشد الضرورات. رغم أن المشرع رفع الحرج عن الأسر الفقيرة والمعدمة، أو التي لا تملك ثمن شراء الأضحية.مما يعني أن الأضحية لم تعد عند هؤلاء تعبدا خالصا ولا قربة يبتغون بها صادقين وجه الله وثوابه، وإنما أصبحت عادة اجتماعية مقدسة، لا عذر في تركها ولا رخصة في التخفيف من تكاليفها، بل أصبحت لها أغلال توحي وكأن هذا الدين يكلف الناس ما لا يطيقون، تؤكد فاطمة النجار الواعظة بمسجد بالدار البييضاء.مضيفة بأن هذا المنسك خرج من بعده التعبدي ومن بعد الإقبال على الله فيه، ومن بعد أخلاق العطاء والنظر إلى اليتيم والمسكين والمحتاج، إلى أن يصبح عادة اجتماعية تعود المغاربة أن يذبحوا فيها كبشا أقرن استطاعوا أم لم يستطيعوا، كانوا مصلين أو غير ذلك، مدركين لمقاصد العيد أم غير مدركين لأبعاده. بل الخطير بحسب فاطمة النجار، في أن تتحول الشعيرة التعبدية إلى فريضة اجتماعية ، هي أن تنحرف هذه العبادة عن مسارها، فتصبح عبارة عن ''موسم للحم''، لا يقصد فيه التدين ولا التعبد، بدليل جرأة على الاقتراض بالربا لشراء الأضحية، في حين أن القاعدة ''الله طيب لا يقبل إلا طيبا''، بما في ذلك انحراف عن مقاصد الدين حيث يصبح التقرب إلى الله بالحرام، ليؤدي نافلة لا تجب عليه، ولو تركها متعمدا إذا كان معدما في حكم الشرع، فإن تيسرت بالمال الحلال.داعية الخطباء والعلماء إلى التصدي لهذه الظاهرة، لرحمة العبد مع ربه، ثم مع دينه، ومع المجتمع، لأجل رد الاعتبار للشعيرة ورد الأغلال عن الناس ولو بالتدرج، ومواجهة هذا الجهر بالتطاول على الشعيرة، بجرأة في تصحيح التصور والسلوك. ولم يفت فاطمة النجار أن تذكر بأن هذه المناسبة الجليلة المنطلقة من بعد شرعي عظيم، وأن الأضحية لها بعد إيماني وإسلامي وتاريخي، لها قصة هي رمز الفداء والتضحية ورمز للقربان الذي يقدمه المسلم لله تعالى، ورمز لبعد هذا القربان الذي هو التقوى، قائلة ''ذلك أن الله سبحانه وتعالى يذكر بأن هذه الأضحية التي يضحي بها المسلم على رأس كل سنة ويقدمها من ماله وصدقته وهي تعود إليه، يقدمها باسم الله عن نفسه وعن أهله وعن أولاده، بحيث أنها كصدقة لها عنوان، وهو حضور بعد التضحية في حياته، أي التضحية بما يملك إذا جاء نداء الواجب'' وذكرت النجار بالبعد المقاصدي لهذه الأضحية في استحضار بعد التقوى في نفس المسلم ''لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم''. مشيرة إلى أن نسك التضحية استقبلته الأمة بالقبول حينما جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم سنة للقادر فبقيت هذه الشعيرة محاطة بكثير من الأجواء التي تجعل الانسان يرقى في علاقته مع ربه.ومع مجتمعه بحيث أنها تحرك وشائج وأخلاق و تأتي في أجواء التكبير، ولها ارتباطات قوية جدا في الاسلام كعقيدة وكأخلاق .. والعلماء يشيرون في هذا الباب، إلى المقصود من أضحية التعبد أمران: الأكل منها، والتصدق ببعض منها عملا بقول الله عز وجل: (فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير)، أما المقصود من أضحية ''التعود'' فهو أكلها كلها، والمباهاة بلحمها وشحمها والمفاخرة بمحاسنها في المجالس، ومن الأسئلة التي تكثر بين الناس أيام العيد أن يسأل بعضهم بعضا: كيف كان الكبش، كيف كانت (الدوارة).. كيف كانت الكبد..