تشرق شمس يوم عيد الأضحى كل عام بمشاعر الفرح عند الكبير والصغير، تتوجها عبارات التهليل والتكبير، وفيه تكثر الدعوات والزيارات، لكن قبله بأيام يشغل بال الكثير من الأمهات والآباء على السواء، كيفية تدبير ثمن الأضحية على أجواء الأسرة. فكيف يدبر المغاربة ثمن اقتناء أضحياتهم؟ وهل جميعهم يستطيع شراء أضحيته بيسر ودون تبعات مالية أو مشاكل اجتماعية واقتصادية تؤجج من حدتها شركاتُ القروض المتناسلة هنا وهناك بعروضها المغرية؟ وما حكم الشرع في تكلف بعض الأسر الفقيرة وتكبدها المشاق وانتهاجها لكافة السبل من أجل شراء الكبش الموعود؟ ليس لدي خيار رضى إطار مسؤول في أحد الأبناك الكبرى بالرباط لا يرى في اقتناء خروف العيد ما يثير همه أو يُشغِل تفكيره، يقول رضى: في الحقيقة، أنا غير آبه بما يمكن أن تشكله مصاريف عيد الأضحى، فليس لدي مشكل في هذا الجانب، وكبش العيد أشتريه ليلة العيد كل سنة بما يفوق مبلغ 2500 درهم. تركنا رضى راضيا بوضعيته الاجتماعية التي تسمح له بشراء الأضحية دونما أدنى هم أو غم، لنلتقي بالمختار ذي الثلاثين سنة، مهنته كنجار لا تسعفه لشراء الأضحية. يشرح لنا المختار كيف يتدبر أمره: أكره أن أرى الدمع في عيون أطفالي إذا ما حُرموا من العيد، لذا أقترض من صاحب المحل الذي أكتريه مبلغ ألف درهم قُبيل مناسبة العيد، فأشتري الكبش بهذا المبلغ وأسدده بأقساط على امتداد أربعة أو خمسة أشهر، وعن تأثير هذه الطريقة على ميزانية الأسرة بعد عيد الأضحى، يجيب المختار: ليس لدي خيار آخر، وتلك الأقساط المالية تؤثر بالطبع على ميزانية الشهر، إذ لا أتنفس الصعداء حتى تمر تلك الشهور الخمسة، وأضاف مبتسما: آكل لحم الكبش في يوم، وأسدد ثمنه في نصف عام... أثاث معروض للبيع.. وإذا كان المختار يختار طريقة السلف بلا ربا، ليشتري أضحية العيد، فإن أناسا آخرين يضطرون لبيع أثاثهم وممتلكاتهم بغية عدم انفلات فرصة العيد من بين أيديهم، وهم بذلك حبسوا عيد الأضحى في مفهومه الضيق جدا، ألا وهو شراء الخروف والتمتع بأكل لحمه وشحمه بأية وسيلة كانت. تحكي سيدة من مدينة سلا أن ظاهرة بيع الأثاث المنزلي تكثر في سوق الخميس قبل عيد الأضحى عكس الأيام العادية، وطبعا هناك من المشترين من يغتنم هذه الفرصة بالذات لشراء ما يحتاجه من الأثاث المعروض بثمن بخس. أما رابحة، ربة بيت في الخمسين من عمرها، فهي لا تخفي سرا أن زوجها يضطر لبيع جهاز التلفاز أو بعض الأثاث المستعمل لتدبير ثمن أضحية العيد.وعن الأسباب التي تدفعهما إلى هذه الطريقة، تجيب رابحة وفَيْحُ الألم يحرق كلماتها حرقا: مَن عنده سبعة أبناء مثلي، ماذا يمكنه أن يفعل سوى أن يعثر له عن أية طريقة لشراء الأضحية حتى لو كلفنا ذلك بيع متاعنا كله، المهم أن لا يشعر أبنائي بالحكرة، أمام أبناء الجيران وأمام أصدقائهم. وقبل أن تختم كلامها، سكبت دمعة من عينيها وهي تتمتم: نبيع التلفزيون وغيره، وبعدها الله يحن علينا... كبش بقرونه.. وتصب شهادة جميلة، 39 سنة معلمة، في المنحى نفسه، إذ تؤكد أنها حضرت غير ما مرة لمشادات حامية الوطيس بين زوجين جارين لها، قبل عيد الأضحى من كل عام تقريبا حول شراء الأضحية: تضغط الزوجة على زوجها وترفع عقيرتها مطالبة إياه بضرورة شراء كبش العيد، وليس أي كبش..إنها تشترط عليه أن يكون سمينا بقرونه مثل جاراتها، والرجل المسكين، الذي يشتغل سائقا بسيطا في إحدى الشركات، في حيرة من أمره يصيح ويتوسل إليها أن ترحم ضعفه ومدخوله، لكن هذه المرأة لا يهدأ لها بال حتى ترى زوجها السائق يسوق كبشا سمينا أمامه ليلة العيد، وتضيف جميلة: كم مرة كاد الزوجان أن يقعا في الطلاق بسبب السلوك الأرعن للزوجة. أجواء العيد لا تعوض أبو محمد أمين من الرباط يهمه، قبل مسألة تدبير ثمن الأضحية، أن يحيي العيد في أجواء عائلية متميزة في بلدته في جنوب المغرب، حيث سمة التجمعات العائلية ما تزال تحظى بأهمية قصوى. يقول أبو محمد أمين: بالنسبة لتدبير ثمن أضحية العيد، أوصي صديقا لي يشتغل هناك بالبلدة للذهاب إلى أحد الفلاحين ممن اعتدت شراء الأضحية عنده وفق المواصفات الصحية، وأعطيه ثلثي الثمن على أن أسدد له الثلث المتبقي حينما يتيسر لي الأمر.. ويكشف أبو محمد أمين عن ظاهرة متميزة في بلدته الجنوبية، حيث إن العادة عند سكانها أن يتم تهييء الأضحية كجزء من مشروع اقتصادي للسنة، فتقوم أرملة مثلا بشراء خروف صغير وترعاه بمده بالأكل والعلف وغيره، إلى أن يكبر، وبعض النساء هداهن تفكيرهن الإيجابي إلى الانخراط في جمعيات تنموية محلية تشجعهن على النهوض بمثل هذه المشاريع الصغرى. كبش جر ربا قبل عيد الأضحى بأيام عدة، تنتشر إعلانات هنا وهناك تقدمها شركات ومؤسسات للقروض الصغرى، مستغلة حاجة الأسر الفقيرة لشراء أضحية العيد، بتنميق صورة هذه القروض الربوية، فتحدد مبلغ القرض مثلا في قدر 5 آلاف، يمتد تسديدها خلال سنتين بنسبة فائدة تصل إلى 10 أو15%، أو تسديد مبلغ 169 درهم شهريا، وأحيانا لا تحدد نسبة الفائدة على القروض، لتترك ذلك إلى حين الاتصال المباشر بينها وبين الزبون، كطريقة جديدة من فن الماركتينغ لجلب الناس إليها. موظف بإحدى وكالات بريد المغرب بالرباط يزيد في توضيح هذه الصورة بتأكيده على أن بعض الأبناك ومؤسسات القروض، تستخدم شبكة بريد المغرب في تقديم عروض خاصة على أنها وصفة عيد الأضحى لهذا العام، فيدفع الموظف المستفيد أقساطا شهرية بقيمة 200 درهم في الشهر مقابل سلف بمبلغ 8000 درهم على مدى52 شهرا. وبعملية حسابية بسيطة، نجد أن المقترض سيضطر إلى تسديد مبلغ 10400 درهم خلال مدة 52 شهرا، بمعنى زيادة مبلغ 2400 درهم على المبلغ المقترَض، وهي زيادة ربوية ولا شك. ويعلل الحسين، موظف بإحدى الوزارات بالرباط، قبوله الارتماء في أحضان القروض الربوية بقوله: إنها شركات وأبناك تقدم تسهيلات ذكية لموظفي القطاع العام وحتى موظفي القطاع الخاص، خاصة بالنسبة للوثائق المطلوبة للاستفادة من القرض: شيك ملغى وفاتورة الكهرباء وآخر بيان للأجرة أو للحساب البنكي أو البريدي فقط، هذه الأمور شجعتني على أن ألتجئ إلى الاقتراض من تلك الشركات لشراء أضحية العيد، رغم أنني أشتريها مثلا في هذا العام وما زلت أسدد قرض العام المنصرم... توزيع اللحوم على المحتاجين بمناسبة عيد الأضحى المبارك، تقوم بعض الجمعيات الفاعلة في العمل الاجتماعي بمساعدة الأسر المعوزة حتى يتأتى لها أن تعيش أجواء العيد وطيباته مثل سائر الأسر الأخرى، التي مَن الله عليها بالقدرة على شراء أضحية العيد. إحدى الجمعيات النشيطة في هذا المجال بمدينة الرباط، تقوم وفق اللوائح المسجلة لديها، بزيارات معاينة للأسر المحتاجة من أجل ضبط الحالات الاجتماعية الجديرة بالرعاية والمساعدة، اعتمادا على مؤشرات السكن والمدخول ومن يعيل الأسرة، فلا يكفي أن يأتي الشخص إلى الجمعية ويخبرها بأن حالة أسرته مزرية، فلا بد من تلك الزيارات المباشرة لتحديد الحالات المعنية بمساعدة الجمعية. وتتمثل مساعدات هذه الجمعية بمناسبة عيد الأضحى في تقديم مساهمات مادية لشراء الأضحية، وفي جمع اللحوم وتوزيعها خلال اليوم الثاني من أيام العيد السعيد، بحيث يتصدق كثير من الناس باللحوم، فيتم جمعها وتوزيعها في اليوم نفسه على الأسر المحتاجة، بعدما كانت تُجْمَع اللحوم في السنوات الماضية كمرحلة أولى وتخزن في آلات التبريد، ثم في المرحلة الأخيرة توزع على أصحاب الحاجة. وأحيانا، يتصل بعض المحسنين بالجمعيات الفاعلة في المجال الاجتماعي للاستفسار عن عناوين الأسر المحتاجة، فيسلمونها الأضاحي يدا بيد عن طريق إرشاد الجمعية لهؤلاء المحسنين، حتى تتم ظروف التسليم في أجواء يطبعها التنظيم وحسن التأطير.