يحتفل المغاربة بعيد الأضحى المبارك، ويحيون ذكرى إبراهيم الخليل عليه السلام، التي خلدها القرآن الكريم عندما فدى الله تعالى سيدنا إسماعيل بذبح عظيم، إنه عيد كبير في الثقافة المغربية، لما يخلقه من فرح وبهجة في نفوس الكبار والصغار، ولما له أثر إيجابي على السلوكات والأخلاق الاجتماعية. ففي العيد تطفو إلى سطع العلاقات الإنسانية والسلوكات الاجتماعية خصال تكون ضامرة لدى البعض ولا تسلط عليها الأضواء، لكن الفاعلين في العمل الخيري يؤكدون على أن المغاربة يحملون في داخلهم جينات تكافلية وتضامنية قلما تتوفر في شعوب أخرى، و هذه الجينات تظهر بشكل واضح وجلي في عيد الأضحى المبارك، ومن المظاهر التي تسود في أوساط الأسر المغربية والقائمة على التضامن والتسامح والتزاور وغير ذلك. تقوم السنة النبوية على أن يأكل المضحي من لحم أضحيته هو وأهل بيته، وأن يطعم منها الفقراء، ويهدي الأقارب والأصحاب، وقد قال العلماء بأنه يستحب للمسلم أن يأكل من ذبيحته الثلث، ويدخر الثلث، ويتصدق بالثلث، لقوله صلى الله عليه و سلم: كلوا و ادخروا و تصدقوا ، وهذا الكلام يجد صداه عمليا لدى كثير من الأسر المغربية التي تحرص على أن تعم فرحة العيد على الجميع، وتعمل على التصدق بجزء من الأضحية كل حسب قدرته واستطاعته، كما تحرص على دعوة الأقارب والجيران إلى مائدة الطعام في ولائم يتشاركون معهم فيها فرحة العيد ويتقاسمون نفحاته. هذا وتنشط الجمعيات الخيرية التي تتكفل بالأسر الفقيرة في مثل هذه المناسبات الدينية، حيث تبذل جهودا محترمة في توفير ما تحتاجه الأسر لقضاء عيد بطعم غير طعم الحاجة، جمعية السلام للأعمال الاجتماعية بالرباط تعمل في هذا المجال منذ سنين وتتكفل بما يقرب 500 أسرة فقيرة 80 في المائة منها أسر تعولها نساء مطلقات أو أرامل ولهن أبناء صغار كما قالت فاطمة معنان رئيسة الجمعية لـالتجديد. نداء للتصدق وفي خطوة عملية وجهت جمعية السلام نداء وزعته على عموم المواطنين تدعوهم فيه إلى الاجتهاد بقدر الإمكان للتصدق من لحم الأضحية على من لم تسعفه إمكاناته المادية للعمل بهذه السنة الحسنة، وقد تضمن النداء ثلاث خيارات تكافلية يمكن للراغبين من المحسنين أن ينخرطوا فيها، أولها تخصيص مبلغ مادي لشراء أضحية العيد لأسرة فقيرة، أو المساهمة بجزء من ثمن الأضحية أو التصدق بجزء من لحم الذبيحة بعد العيد. وتوضح معنان أن الجمعية تسعى لتكريس مفهوم يقوم على سنية الأضحية يؤديها من توفرت لديه القدرة المادية دون تكلف، وتجاوز ما توافق عليه المغاربة من حكم الوجوب الذي فرضه المجتمع على هذه المناسبة. وتوزع الجمعية على الأسر التي تتكفل بها أظرفة تحتوي على مبالغ مادية تختلف حسب عدد أفراد الأسرة ومقدار حاجتها، وتبدأ عملية جمع الصدقات من اللحوم حسب معنان ابتداء من عصر يوم العيد، حيث تتبرع بعض الأسر بثلث ذبيحتها وتتبرع أخرى بالربع وقد يصل أحيانا حجم التبرعات ما يوازي 50 إلى 60 كبشا، تقوم الجمعية بتوزيعها على الأسر المحتاجة. وتسجل المتحدثة نفسها إقبال المغاربة بشكل ملحوظ على العمل بهذه السنة الحسنة وزرع الفرحة في وجوه أطفال قدر لهم أن يعيشوا قريبين من الفقر ومن قلة ذات اليد. وللمرضى واجب الزيارة من جهة أخرى تعمل جمعية النصر بسلا كما يشرح أحد أعضائها لـالتجديد على شراء أضحية العيد للأسر التي تتكفل بها والتي سيتراوح عددها هذه السنة مابين 40 و 50 أسرة، كما تفكر الجمعية في تكرار مبادرة تكافلية وتضامنية بدأتها السنة الماضية، حيث قامت الجمعية كما قال عز العرب حليمي مباشرة بعد عيد الأضحى بإعداد أطباق متنوعة وفواكه وهدايا وزيارة مستشفى الأطفال بالرباط ومستشفى السرطان، وذلك من أجل التخفيف على المرضى الذين يقضون العيد بعيدين عن أسرهم، وكان المرض حائلا بينهم وبين تواجدهم في الأجواء الحميمية التي يخلقها العيد السعيد. والعيد في النهاية ليس سوى امتحان يختبر فيه الإنسان قدراته الإنسانية والاجتماعية، وقدته على تحقيق المقاصد الكبرى التي شرع من اجلها، فهو ليس عيدا للاكل والشرب والذبح، بل إن أهدافه ومعانيه أسمى من ذلك بكثير، فهو فرصة لإحياء كل ما اندثر من علاقات ولإعادة الروح فيما جف من صداقات، ولشكر الله على كل ما منحنا إياه من نعم وبركات.