تعيش الأسر المغربية هذه الأيام أجواء خاصة مرتبطة بعيد الأضحى المبارك، هذا الزائر الذي يطل علينا مع مرور الثلث الأول من شهر ذي الحجة من كل عام، وهو مناسبة فريدة لأداء سنة نبوية محمودة وتقوية العلاقات العائلية وإحياء الرحم بين الأهل والأقارب، كما هو فرصة لانتعاش المواطن القروي الذي يوفر دخلا إضافيا يجعله قادرا على مسايرة باقي مراحل الموسم الفلاحي، لكن ثمة ممارسات غير مسؤولة تكاد تفرغ عيد الأضحى هذا من بعده الروحي والاقتصادي لتسقطه في عالم من الفوضى والجري وراء الربح السريع دون مراعاة صحة المواطنين، في هذا الروبورتاج من مدينة مراكش نستعرض مشاهد من هذا العيد ،مع شهادات حية لمواطنين ومهتمين ومختصين. استطلاع: وفرة وصحة.. مع اقتراب موعد عيد الأضحى، يزداد إقبال الناس على الأسواق المخصصة لبيع الخرفان، وتجدهم يذهبون إليه فرادى وجماعات، وفي زيارة لسوق المحاميد وسوق سيدي يوسف بن علي بمراكش، أول ما يشد انتباهك هو تلك الوفرة الزائدة عن الحد لقطعان المواشي من كل الأصناف، أنعام مكدسة في شاحنات وأخرى على الأرض يمسك بزمامها كسابة وشناقة. الملاحظة نفسها أكدها لنا عدد من المواطنين حيث يقول السيد عبد الهادي لم أشهد لهذا الازدحام مثيلا منذ بضع سنوات، حتى أن المرء يحتار بين هذه الرؤوس الكثيرة، ويرجع الدكتور محمد شقدي رئيس قسم المصلحة البيطرية بالمدينة أسباب هذه الوفرة إلى موسم فلاحي الجيد عرفته المنطقة، ووجود العلف هذا العام مع نزول أمطار الخير .أما عن الحالة الصحية للقطيع فيؤكد نفس المسؤول على أنها جيدة في هذا الموسم (2003/2004) بخلاف الموسمين الماضيين اللذين عرفا انتشار مرض الجدري بين الخرفان، ووجد الكسابة والبياطرة أمام حالات كثيرة من هذا المرض أتت على بعض الرؤوس. الحالة الجيدة لهذا العام مردها أيضا إلى وجود الكلأ في المراعي وحملة التلقيح التي صاحبت عملية الكسب. رغم هذه التطمينات فإن البعض يتخوف من بعض الأمراض التي تصيب الماشية، نظرا لقلة المراقبة في الأسواق بخلاف اللحم المؤشر عليه في المجازر، حيث لاحظ السيد عبد العزيز كاوجي نائب رئيس جمعية المغربية لحماية المستهلك عدم وجود أي طبيب بيطري في مداخل هذه الأسواق الخاصة ببيع الخرفان، مما ينتج عنه حسب نفس الناشط الجمعوي تسرب بعض الأمراض غير المرئية بالعين المجردة إلى الإنسان، وناشد السلطات المختصة أن تعمل جاهدة من أجل توفير أطباء وتقننين في كل سوق. هذا الطلب حملناه إلى مسؤول في وزارة الفلاحة، فأكد لنا أن قلة الإمكانيات البشرية هي السبب الوحيد في عدم تغطية الأسواق بالمراقبين البيطريين، مضيفا أن مجهودات أخرى تبذل من هذا الغرض، خاصة وأن هناك أسواق كثيرة لا يمكن تغطيتها، ويبقى الأمر في الضواحي أقل ضررا حيث ينتشر فيها التقنيون الذين يقومون بجولات منتظمة. مضاربات واحتيال بالرغم من هذه الوفرة في رؤوس الأغنام، يشتكي عدد من المواطنين من غلاء الأسعار ومن وجود الوسطاء أو ما يعرف بالشناقة الذين يكونون حلقة بين الفلاح والمواطن يزيدون في الأسعار من خلال عمليات المضاربة، مما يحول هذه المناسبة الدينية العظيمة برأيهم إلى مناسبة الجري وراء الربح السريع ، حيث يقول السيد محمد يجب أن يحارب هؤلاء في كل الأسواق لأنهم يحولون هذه المناسبة عن صبغتها الدينية لأداء سنة نبوية محمودة، ويقفون حجرة عثرة أمام انتعاش العالم القروي من خلال دخل إضافي يجنيه الفلاح البسيط يعينه على مساير ما تبقى من مراحل الموسم الفلاحي العامر بالمصاريف الكثيرة. يحول إلى جيوب هؤلاء من دون وجه حق ولاقانون . أما الذين اختاروا أن يشتروا الخروف بثمن الكيلو (وصل يوم الثلاثاء الماضي إلى 40 درهما للكيلو وهو مرشح في المزيد)، فيصادفون نوعا آخر من الاحتيال، حيث يلجأ يعض الكسابة إلى علف خرفانهم بمواد غير صالحة كمخلفات الدجاج والخميرة ، بل منهم من يبلل الصوف من أجل الزيادة في الوزن، كل هذه الألاعيب يحذر منها السيد عبد العزيز الكاوجي.. أما مضاعفات هذه الممارسات عن صحة المواطن فيؤكد الدكتور شقدي أن ذلك يشكل خطرا على الصحة، لذا وجب تنبيه الموطنين إلى اجتناب الشراء ممن يحمل في يديه كبشا واحدا فقط، وينظر إلى حالة الخروف فإذا ما وجد فيه أحد العلامات من احمرار العينين وانتفاخ البطن أو غير ذلك من علامات الضعف. في هذه الحالة يذكر السيد واقعة طرأت في العام الماضي، حيث أنه ما أن سلخ الخروف السمين حتى وجده كالنعجة المريضة. وبعلاقة بالأسعار، يقول السيد مصطفى وهو جزار، أنصح الناس أن يذهبوا إلى السوق قبل أيام العيد بمدة، لأنه في اليوم الأخير، يغيب الكساب الذي يذهب لإتمام مستلزمات العيد في البادية بين أهله وأولاده، ويحضر الشناق بقوة فيفرض الثمن الذي يريد. ويتوقع أن يزداد حدة هذا المشكل خاصة وأن عددا من الموظفين سيؤخرون شراء الأضحية إلى حين نهاية الشهر حيث يقبضون أجرتهم الشهرية، والتي ستصادف للأسف هذا اليوم الأخير من السوق. لذلك يقول مصطفى يجب ألا نبقى إلى الساعات الأخيرة لأن من شأن ذلك أن يزيد من تكاليف الأضحية. قروض مناسباتية إلى جانب غلاء الأسعار وهذه الممارسات المشينة، هناك مشكل آخر يطرحه عيد الأضحى وهو هذه الإعلانات المغرية يقول السيد عبد الإله ترى الناس في دوامة لا تنتهي، وبسبب ما جرت العادة، تجد أكثر الناس حريصين على الأضحية، فمنهم من يلجأ إلى البنوك من أجل القروض، بل منهم من يكون قادرا على شراء هذه الأضحية لكنه يريدها أن تكون أكبر وأملح، وهذا ما يهدد بعض الأسر بمآسي اجتماعية، حيث نرى بعض الناس يبيعون أثاثهم من أجل سد هذه الديون. وفي هذا الشأن يوضح نائب رئيس الجمعية المغربية لحماية المستهلك السيد كاوجي قائلا:لا نفهم لماذا تترك الحكومة المواطن البسيط أمام جشع الشركات والبنوك، ولا تقنن هذه القروض المناسباتية التي تثقل كاهل المستهلك البسيط وتستنزف ميزانيته وجعله مستقبله المادي مرهونا بمناسبات ظرفية لا تنتهي وتأتي الواحدة تلو الأخرى، لا نفهم كيف يترك أمام هذا الاستنزاف وهو لا يعلم من أمور التجارة الحديثة إلا النذر القليل. ومرة أخرى يذكر كاوجي بضرورة تفعيل قانون المنافسة الذي قي حبرا على ورق تآكل ديدان الرفوف ويعلوه الغبار. تلوث.. في يوم العيد، يلبس الناس الملابس المميزة، أغلبها جلابة وطربوش وبلغة، فتمتلئ المصلى والمساجد بالمصلين والجميع يدعون بالخير للمسلمين، وبعد صلاة العيد ، يعودون إلى المنازل من أجل مباشرة الذبيحة قبل أن ينتشروا في بقاع الأرض مهنئين بالعيد. لكن ما أن تؤدى هذه الفريضة وينشغل الناس بأضحياتهم حتى تظهر مشاكل تلوث المدينة . يقول السيد أحمد وهو بقال يخيل لزوار المدينة في يوم عيد الأضحية أنه في مناسبة وطنية، لحرق الخردة، فجميع البقايا من خشب وصوف وحلفة يستعمل في هذا اليوم في جميع الشوارع من أجل حرق صوف رأس الخروف، وإعداده للطهي، وترى كثيرا من الشباب العاطلين، الذين يدورون مع المواسم، يتحولون إلى شوائين لرؤوس هذه الأغنام مع ما يخلف ذلك من دخان كثيف لا يقدر المارة على تحمله، ولا يجد غير مبرر واحد لأنفسهم هو أننا في يوم عيد!! السيد يوسف وقعت له طرفة بهذه المناسبة حيث أكد لنا أنه صادف يوم العيد أشغال بناء في منزله، و قد ترك بعض الأخشاب الخاصة بالبناء في محل سكناه الفارغ آنذاك، وما أن مر على هذا المحل حتى وجد فارغا من كل خشبه، ذلك أن أحدهم استغل فرصة غياب البنائين ليستولي على هذا الخشب ويستعمله في حرق رؤوس الأغنام. السيد عبد السلام قال إن الأمر لا يتوقف على حرق الأخشاب فقط، فالنساء يخرجن من بيوتهن كل المتبقيات بعد أن يتممن أعمال النظافة الكبرى الخاصة بالعيد، فنجد الحديد والحلفة والثوب وغيرها مما لا يتصوره أي عقل. وهناك مشكل آخر يستعرضه أحدهم حين يقول إن العيد تكثر فيه الأزبال حتى أن ذلك المنظر يذهب عنك بعض فرحته، وأرجع المسؤولية على الأعمال البلدية التي لا تقوم بواجبها في هذا اليوم، لكن عاملا بودادية أحد الأحياء قال إن البلدية لا تستطيع أن تقوم بجمع الأزبال في الأيام العادية بطرقة سليمة وفي أوقات جيدة بسبب ضعف الأسطول الذي مازال يعتمد على عربات اليد وقلة عدد العاملين، لذا يقترح هذا الشاب أن تقوم الوداديات -وهي قليلة في مدينة مراكش- بعملية تحسيسية في الأحياء من أجل حث الناس على عدم رمي مخلفات الأضحية، خاصة ما يعرف منها بالأحشاء المريضة المحتوية على الأكياس المائية، والتي يمكن أن يأكلها الكلاب وتستمر حلقات العدوى لتعود إلى الخرفان من جديد. نصائح يتحول يعض الشبان كذلك إلى جزارين في هذا اليوم، وقد يحدث أن تجد أحدهم لا يراعي شروط النظافة،يقضي باش ما اعطى السوق، لذا يحذر بعض المهتمين من ضرورة توفر الجزار على شروط معينة، مثل خلوه من بعض الأمراض المعدية حيث يكون معروفا عند من يذبح لهم بخلوه من الأمراض المعدية. كما يجب أن يحافظ على نظافة الهندام، لذلك يقول الدكتور شقدي أن يوم العيد يجب ألا يتحول إلى يوم للفوضى، لذلك يجب على الناس التي تريد أن تذبح خرفانها أن تراعي شروط النظافة، مذكرا بضرورة غسل مكان الأضحية جيدا بماء الجافيل، ويستحسن أن يترك الخروف بدون أكل باستثناء الماء 24 ساعة قبل الذبح لأن من شأنه ذلك أن يسهل عملية السلخ كما تكون جميع المخلفات قد أزيلت من جسده. أما السيد كاوجي فينصح بأن تراعى في عملية التحفيظ تقطيع اللحم إلى قطع صغيرة من أجل الاستخدام اليومي فقط، وذلك لتلافي عملية التبريد وإعادة التبريد ومما ينتج عنها من إتلاف لبعض الجودة.. كما يستحسن ألا يتناول من لحم الأضحية في يوم العيد بل يؤجل إلى اليوم الموالي لأن الخروف أثناء ذبحه يفرز مواد مضرة. هذا هو العيد نختم هذا الروبورتاج بحديث للسيد أحمد وهو إطار تربوي إذ يقول عندما استعرضنا عليه المشاكل التي تصاحب العيد لا يختلف اثنان أن العيد يبقى عيدا رغم كل هذه الممارسات، لذا وجب علينا أن نفرح بدون أن نخلف وراءنا كوارث اقتصادية واجتماعية وبيئية، فرغم ما يقال عن هذا العيد إنه يثقل كاهل المواطن فإن المشكل ليس في العيد نفسه، بل في الإنسان الذي يجب أن يغير من طرقة تفكيره، ويجب ألا ننسى أن ذبح الخرفان فيه منافع كثيرة منها ما هو ديني كالتقرب إلى الله، ومنها ما هو اقتصادي كالمال الذي يعود إلى البادية ويقدر بعدد من المليارات، كما لا ننسى أن هذا العيد يقول يخفف من عبء الضغط على المراعي ويجعلها تنتظم من تلقاء نفسها. عبد الغني بلوط