لكي يحترم نص الدستور الذي يعطيه حق افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان الجمعة الثانية من شهر أكتوبر، لم يسافر الملك لحضور قمة سرت التي جمعت القادة العرب عند الزعيم الليبي. إنها رسالة قوية إلى كل البرلمانيين الذين يقاطعون أشغال هذه المؤسسة التشريعية التي تُعرض عليها قوانينُ مهمة ترهن حاضر ومستقبل المغرب والمغاربة. لذلك، فنواب البرلمان معنيون باستيعاب دلالات هذه الإشارة الملكية، وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين. واستيعاب مضامين هذه الإشارة الملكية لا يكون كما فعل رئيس مجلس النواب عبد الواحد الراضي عندما أعطى لجريدة حزبه حوارا كال فيه الشتائم لمجلس النواب الذي يترأسه ووصف صورته لدى الرأي العام بالبشعة. كما لا يكون بقرض الشعر في مجلس المستشارين كما صنع الشيخ بيد الله عندما قال إن المجلس الذي يترأسه ليس سوى «مش» يحاكي انتفاخا صولة الأسد. إن التجاوب الحقيقي مع مضامين الخطاب الملكي حول إعطاء العمل التشريعي مصداقيته لا يكون بالخطابات الجوفاء والقصائد العصماء ولا بالتلذذ بجلد الذات في جريدة الحزب وترديد الكلام البائت الذي يعرفه الجميع حول هذه المؤسسة. إن أول شيء يجب أن يطبقه عبد الواحد الراضي والشيخ بيد الله هو قانون الحضور والغياب. كل من يتغيب بدون عذر قاهر عن حضور جلسات البرلمان يتم خصم ذلك من راتبه الشهري، والبرلمانيون الذين يتغيبون باستمرار يجب فصلهم من «العمل» النيابي لأنهم موظفون أشباح يتقاضون رواتبهم من أموال دافعي الضرائب دون أن يقدموا ما يبررها. ولذلك على إدارة مجلس النواب ومجلس المستشارين والآمر بالصرف في هذه الحكومة أن يتحملوا جميعا مسؤولياتهم أمام الشعب وأمام الله، وأن يمتنعوا جميعهم عن التأشير على صرف رواتب هؤلاء الغشاشين الذين يسرقون أموالنا بلا حياء أو خجل، لأن الاستمرار في صرف رواتب وتعويضات البرلمانيين المدمنين على الغياب يعتبر تواطؤا مفضوحا معهم وتبذيرا فاضحا للمال العام يستوجب المحاسبة والمحاكمة. إن النائب البرلماني يجب أن يعطي، بجديته وحرصه على الحضور والمتابعة، المثال الحي على ممثل الأمة الحريص على مصالح الفئة التي يمثلها أمام الحكومة. أين هم كثير من نوابنا من هذه الصورة المشرفة لممثل الأمة. لقد أصبح اسم «برلماني» في المغرب مرادفا للغياب والاستخفاف بالمسؤولية والعبث بصورة البلاد التشريعية أمام العالم الخارجي الذي يرى صور الغرفتين التشريعيتين المغربيتين في قنوات الإعلام العمومي شبه فارغتين. لذلك، فالواجب الوطني والديني يحتم على علمائنا، الذين تخصصوا في الإفتاء في مواضيع الخمر والحمل والعادة السرية، أن ينسوا هذه المواضيع قليلا وأن ينخرطوا في معركة رد الاعتبار إلى العمل التشريعي عبر تحسيس هؤلاء البرلمانيين، المسجلين في ركن المتغيبين، بخطورة ما يقومون به على بلدهم وعقيدتهم. لقد جربت إدارة البرلمان حلولا كثيرة لإجبار البرلمانيين على الحضور، كضرورة استعمال البطاقة والنداء بالأسماء وتسجيل المتغيبين مثلما يصنع الأستاذة مع التلاميذ المتغيبين. وقوبلت هذه الإجراءات من طرف هؤلاء البرلمانيين بالرفض. ولذلك، فإنه لم يبق من حل آخر لإجبار البرلمانيين على «تحليل» رواتبهم سوى تجريم الغياب وحرمان كل من يقاطع البرلمان من راتبه. وإذا استمر البرلماني في غيه، فآنذاك يجب انتزاع صفة برلماني منه وحرمانه من التقاعد الذي يسعى كثير من البرلمانيين المتغيبين إلى تأمينه على حساب ضرائب المغاربة. بدون برلمان قوي، حيوي، متفاعل مع مطالب الشعب، مدافع عن مصالحه، فلن تقوم للديمقراطية قائمة في هذا البلد. لقد أثبت البرلمان أنه، عندما يريد، يستطيع أن يكون قوة اقتراحية وسدا منيعا أمام جشع «اللوبيات» التي تتعامل مع أموال المغاربة كثدي كبير لا يصلح سوى للحلب، وقد رأينا ذلك في العمل الجبار الذي قامت به اللجنة البرلمانية حول «ثمن الدواء»، وكيف فضحت جشع صناع الأدوية وتواطؤ وزارة الصحة معهم. ورأينا كيف اعترضت فرق برلمانية على تمتيع شركات المشروبات الغازية بدعم صندوق المقاصة، ورفعت في وجهها ضريبة الاستهلاك الداخلي مقابل السماح لها بدعم صندوق المقاصة الذي اكتشفنا أن الفقراء لا يستفيدون إلا من 9 في المائة من أمواله في الوقت الذي تذهب فيه 43 في المائة منها إلى جيوب الأغنياء. نريد برلمانا يدافع عن هذه التسعة في المائة من الفقراء التي يأكل رزقَها 43 في المائة من الأغنياء. نريد برلمانا يناقش القضايا الآنية التي تمس الخبز اليومي للمواطن، مثل مشروع دمج قطاعي الماء والكهرباء في ما بينهما، وهو المشروع الذي سيعرض أمام لجنة برلمانية في الأيام المقبلة. وفي الوقت الذي يدعو فيه الملك إلى إعادة الاعتبار لدور البرلمان كسلطة تشريعية، نرى كيف أن وزيرة الطاقة والمعادن تحتقر وظيفة البرلمان عندما تتحدث أمام برلمانيين أجانب عن مشروع دمج الماء والكهرباء في مكتب واحد كواقع حتى قبل أن يتم عرضه ومناقشته أمام البرلمان المغربي. ويبدو أن بنخضرة وزيرة الطاقة والمعادن تعودت على «تسبيق العرس بليلة». فقد كانت وراء جر المغرب إلى إعلان اكتشاف البترول في «تالسينت»، وعندما تأكد أن الأمر ليس صحيحا وأن القضية كلها كانت من أجل رفع أسهم شركة نفط أمريكية متهاوية في البورصة، توارت بنخضرة عن الأنظار ودفع الثمن وزير الطاقة مكانها. وبسببها، لم تعد شركات البترول الدولية ترغب في التنقيب عن النفط داخل المغرب. ألم تقدم بنخضرة أمام الملك سنة 2007 الاستراتيجية الطاقية التي أعدها لها مكتب «ماكينزي» بالمغرب، بالتوازي مع إعداده للاستراتيجية الطاقية لصالح الجزائر (يا لها من مصادفة)، وتحدثت عن مشروع المحطتين الخامسة والسادسة في الجرف الأصفر، حتى قبل أن يتم التوقيع على تفويت المحطتين وضدا على إرادة المكتب الوطني للكهرباء الذي رأى في تفويت المحطتين خطرا استراتيجيا على السيادة الطاقية للمغرب. ورغم خطورة صفقة تفويت المحطتين إلى الشركة الإماراتية فإن البرلمان بغرفتيه ظل محافظا على صمته المتواطئ ولم نسمع أن لجنة برلمانية رأت النور لتتبع تفاصيل هذه الصفقة الغامضة التي يقول بشأنها مدير شركة «طاقة» السابق في الصحافة الأمريكية الرصينة أنه كان مجبرا على دفع رشاوى لمسؤولين مغاربة لإتمام الصفقة. أين هو البرلمان من كل هذا؟ إن أول امتحان يواجهه البرلمانيون خلال دخولهم النيابي الجديد هو مشروع دمج الماء والكهرباء في مكتب واحد تسيره إدارة واحدة، لما لهذا المشروع من انعكاسات سلبية على الخدمات التي يستفيد منها المواطنون يوميا. لقد كان البنك الدولي ومكتب «ماكينزي» واضحين عندما أجريا دراساتهما سنة 2006 حول مشروع دمج الماء والكهرباء في مكتب واحد، واستخلصا أن عملية الدمج لن تكون في صالح المغرب. اليوم يعود مكتب «ماكينزي» نفسه بمديره «التازي» نفسه، المولع بتلميع شعره، لكي يتراجع عن نتائج دراساته السابقة ويلمع مشروع دمج المكتبين اللذين تقودهما بنخضرة وعلي الفاسي الفهري. وبالنسبة إلى بنخضرة، فهي متعودة على جمع ما لا يجمع. فهذه ليست المرة الأولى التي تخلط فيها شعبان مع رمضان، فقد سبق لها أن دمجت شركة BRPM البترولية مع شركة ONAREP المنجمية من أجل إحداث تجاذب بين القطاعين، مع أن قطاع التنقيب عن النفط لا علاقة له بقطاع التنقيب عن المعادن. هل شاهد أحدكم شركة total أو شركة EXXON أو شركة BP البترولية تغامر بالاستثمار في المناجم؟ مستحيل. فالبترول والمناجم، مثل الكهرباء والماء، قطاعان مختلفان كليا، ولكل واحد منهما مجال اختصاصه. والنتيجة التي ربحها المغرب من دمج وزيرة الطاقة لشركتي البترول والمعادن في بعضهما البعض هو أن المغرب لم يتقدم شبرا واحدا لا في التنقيب المعدني ولا في التنقيب البترولي. وحتى المناجم التي انتهت من استغلالها وزارة الطاقة أهملت ولم يتم إغلاقها بطريقة تحترم مجالها البيئي، مما حولها إلى قنابل بيئية مفتوحة على السماء. فهل هذا هو المصير الذي يعدونه لقطاعي الماء والكهرباء بعد دمجهما في مكتب واحد بقيادة علي والأربعين حرامي الذين يدورون في فلكه. هذا هو السؤال الذي يجب أن يخز الضمائر المستترة لبرلمانيينا المحترمين. هذا إذا كان لا يزال لبعضهم ضمير أصلا. ملحوظة : ورد في عمود الأمس أن سيارة «أودي 6»، التي حصل عليها وزير الشغل جمال أغماني، كانت من إهداء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والصحيح أن هذه السيارة، التي يصل ثمنها إلى 70 مليون سنتيم، حصل عليها وزير الشغل من ميزانية الوزارة بعد أن «مل» من ركوب سيارة «بوجو 607» التي يستعملها جميع وزراء فرنسا في تنقلاتهم، بمن فيهم الرئيس الفرنسي. وبه وجب التصحيح والاعتذار إلى صندوق الضمان الاجتماعي والقراء الكرام.