عندما يختتم البرلمان الدورة التشريعية، فهذا لايعني أن المؤسسة التشريعية في عطلة، ذلك أنه إذا كان الفصل 40 من الدستور ينص على أن البرلمان يعقد جلساته في أثناء دورتين في السنة، ويرأس الملك افتتاح الدورة الأولى التي تبتدئ يوم الجمعة الثانية من شهر أكتوبر، وتفتح الدورة الثانية يوم الجمعة الثانية من شهر أبريل، على أساس أن استمرار جلسات البرلمان ثلاثة أشهر على الأقل في كل دورة يجيز للحكومة ختم الدورة بمقتضى مرسوم، فإن الفصل 54 ينص أيضا على أن مشاريع ومقترحات القوانين تحال لأجل النظر فيها على لجان يستمر عملها خلال الفترات الفاصلة بين الدورات. كما تخول الفقرة الأولى من الفصل 55 للحكومة إمكانية في أن تصدر خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين، مراسيم قوانين يجب عرضها بقصد المصادقة في الدورة الثانية للبرلمان. لقد أخذ المغرب منذ أول دستور صادر في 1962 وأول تجربة نيابية عرفتها البلاد في 1963 بنظام الدورتين التشريعيتين في السنة التشريعية على غرار النظام الذي جاء به الدستور الفرنسي لسنة 1958 في إطار عقلنة العمل البرلماني والتخفيف من قوة السلطة التشريعية خلال الجمهوريتين الثالثة والرابعة على حساب السلطة التنفيذية ليصبح معها البرلمان في الجمهورية الخامسة مجرد أداة لتمرير مشاريع القوانين التي تتقدم بها الحكومة، مما جعل بعض المختصين والمتتبعين للشأن البرلماني يتساءلون عن وظيفة البرلمان أمام تنامي دور الجهاز التنفيذي على حساب السلطة التشريعية عندما أصدر الأستاذ أندري شاندير ماكور كتابا تحت عنوان: برلمان: من أجل ماذا؟ UN PARLEMENT POURQUOI FAIRE وهذا ما جعل المشرع الدستوري الفرنسي يتخلى عن هذا النظام واعتماد نظام الدورة التشريعية الواحدة التي تبتدئ في بداية شهر أكتوبر وتنتهي في أواخر شهر يونيو من كل سنة. ومع ذلك، فإن نظام الدورتين التشريعيتين لايمكن أن يشكل عرقلة حقيقية في وجه تطوير الأداء البرلماني سواء على مستوى التشريع أو المراقبة مادامت اللجان البرلمانية الدائمة مطالبة في الاستمرار في عملها خلال الفترة الفاصلة بين الدورتين لدراسة ومناقشة النصوص التشريعية المعروضة عليها حتى تكون جاهزة للمصادقة عليها بمجرد افتتاح الدورة التشريعية العادية التالية للبرلمان، حيث تشكل هذه المدة فرصة سانحة لهذه اللجان للبت في مشاريع ومقترحات القوانين المتبقية لديها من الدورة التشريعية السابقة، خاصة عندما يتراكم عددها ليصل الى 128 مقترح قانون و 35 مشروع قانون، وذلك ضدا على مقتضيات النظام الداخلي بمجلسي البرلمان التي يتعين بمقتضاها على اللجان البرلمانية الدائمة النظر في النصوص التشريعية المعروضة عليها في أجل أقصاه ستون يوما من تاريخ الإحالة عليها لتكون جاهزة لعرضها على الجلسة العامة. وإذا كانت أشغال البرلمان تتوقف على مستوى مراقبة العمل الحكومي فيما يتعلق بالجلسات الدستورية المخصصة للأسئلة الشفهية يومي الثلاثاء والأربعاء، فإن اللجان البرلمانية الدائمة مطالبة بالقيام بهذه المهمة خلال الفترة الفاصلة بين الدورتين من خلال عقد اجتماعاتها باستدعاء من رئيس مجلس النواب أو مجلس المستشارين بمبادرة منه أو بطلب من الحكومة أو باستدعاء من رئيس اللجنة النيابية الدائمة المعنية بمبادرة منه وبعد موافقة مكتب اللجنة أو بطلب من ثلث أعضائها وذلك بهدف دراسة موضوع يرتبط بالقطاعات التي تدخل في نطاق اختصاصاتها، وبحضور الوزراء المعنيين من أجل مناقشة ودراسة موضوع يشغل بال المواطنين ويستأثر باهتمام الرأي العام الوطني. كما يحق لكل لجنة نيابية دائمة أن تطلب بواسطة رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين حسب اللجان البرلمانية المعنية، في كل مسألة تعنيها الاستماع إلى عضو من أعضاء الحكومة أو ممثل عن مجلس من المجالس العليا أو مندوب سامي أو مدير مؤسسة عمومية أو شبه عمومية أو شركة الدولة بحضور عضو الحكومة الوصية على القطاع. وبإمكان اللجان البرلمانية الدائمة أيضا، في إطار مراقبتها للعمل الحكومي، خلال الفترة الفاصلة بين الدورتين، أن تكلف بعض أعضائها بمهمة استطلاعية مؤقتة حول شروط وظروف تطبيق نص تشريعي معين أو موضوع يهم المجتمع أو يتعلق بنشاط من أنشطة الحكومة. إن استمرار عمل اللجان البرلمانية خلال الفترة الفاصلة بين الدورتين للقيام بمهامها الدستورية على مستوى التشريع والمراقبة يشكل بالفعل دعامة قوية لتعزيز العمل البرلماني وتطوير أدائه وتحسين حصيلته، خاصة فيما يتعلق بالعمل التشريعي الذي تعد اللجان البرلمانية الدائمة نواته الصلبة ودعامته الأساسية وقلبه النابض.