ما زال عدد كبير من تلاميذ المؤسسات التعليمية في مدينة فاس وضواحيها يعيشون على إيقاع يوميات العطلة الصيفية، بالرغم من أن شهر شتنبر قد انتهى، فيما دشَّنت مؤسسات التعليم الخصوصي، التي «غزت» عددا من الأحياء الراقية في المدينة، دخولَها المدرسي الفعليَّ منذ بداية الشهر الحالي. حيث ما تزال أعداد كبيرة من عائلات التلاميذ تقف صفوفا متراصة أمام المكتبات، لاقتناء اللوازم الدراسية. وتفضل بعض هذه العائلات «التنقيب» في سوق صفيحي للكتب المُستعمَلة، في المنطقة الفاصلة بين حيَّيْ «الليدو» و«الأطلس» في مركز المدينة، طمعا في الحصول على «سلة» كتب لأبنائها، بأقل تكلفة مادية ممكنة... وإذا كان الدخول الدراسي الحالي لم يسجل أي «أعطاب» كبيرة من جهة المدرسين ونقابتهم في فاس، فإن مدينة تاونات، وكعادتها في السنين الماضية، قد عاشت بداية موسم دُشِّن بالاحتجاجات والاعتصامات. فقد دخلت أستاذة، رفقة ابنتيها، داخل بهو النيابة، في اعتصام مفتوح، للمطالبة باستفادتها من حركة انتقال محلية. وتشير تقارير نقابية إلى أن نيابة التعليم في المدينة وعدت الأستاذة نعيمة السعدي، طبقا لمحضر رسمي يعود إلى السنة الماضية، بالاستفادة من الحركة المحلية، قبل أن تتملص نيابة التعليم من التزامها. وغير بعيد عن هذه العائلة التي تبيت في معتصَمها، دخل المكلَّف بالتواصل داخل النيابة، بدوره، في اعتصام لمدة أسبوع. ويقول المدرس المكلف بالتواصل في النيابة، عبد الرحيم العلمي، إنه سيخوض بعد ذلك، إضرابا مفتوحا عن الطعام، لمطالبة النيابة بالتراجع عن قرار إنهاء تكليفه بالمهمة التي أُسنِدت إليه. وبالقرب من نيابة التعليم، التي اعتادت احتجاجات النقابيين، تعيش «إعدادية النهضة»، في مركز تاونات، اعتصام أطرها التربوية وحراسها العامين ضد إدارة المؤسسة التي يتهمونها، حسب تقارير نقابية لم تدخل في تفاصيل إضافية، بانتهاج سلوكات لا تربوية «تتنافى مع التدبير الجيد والحكامة»، اللذين يقول المسؤولون إن البرنامج الاستعجالي جاء من أجل ترسيخهما. وإلى جانب ارتباك يطبع اْلتحاقَ التلاميذ بمؤسساتهم العمومية، فإن قطاع التعليم في نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب يتحدث، كذلك، عن ارتباك كبير في تدبير الموارد البشرية من قِبَل أكاديمية التربية والتكوين. وتشير نقابة الإسلاميين إلى أن قطاع التربية والتكوين في الجهة يعرف خصاصا يصفه ب«المهول» في الموارد البشرية، بسبب الأعداد الكثيرة للمتقاعدين وعدم مد الجهة بالتوظيفات المباشرة وضعف نتائج الحركة الوطنية. وقامت الإدارات، أمام هذا الواقع، باعتماد العمل بالساعات الإضافية والعمل في مؤسستين وحذف ساعات الجمعية الرياضية المدرسية. ويبدو أن هاجس النقابيين في مدن عدة في الجهة، كصفرو وبولمان ومولاي يعقوب، هو إعلان المناطق التي يُدرِّسون فيها مناطق نائية وصعبة، حتى تتأتى لهم الاستفادة من التعويضات التي أقرّتْها وزارة التربية الوطنية لفائدة المدرِّسين الذين يعملون في مناطق نائية. وقد سُجِّلت، خلال السنة الماضية، عدة حركات احتجاجية في هذا الاتجاه. ومع تفجُّر ملف الاعتداءات والسرقات في مدينة فاس، فإن أبرز تحد تواجهه السلطات المحلية المشرفة على قطاع التعليم يتعلق ب«استتباب الأمن» قبالة المؤسسات التعليمية العمومية ومنع المجرمين والمنحرفين وتجار المخدرات بالتقسيط من الاقتراب منها. وقد أُعلن، في وقت سابق، عن إقرار لجن محلية للأمن أسندت إليها هذه المهمة، ضمن مهامّ أخرى. ويُرتقَب أن تعمد هذه اللجن إلى تكثيف الدوريات قرب المؤسسات التعليمية وجعل رجل من القوات المساعدة ورجل أمن رهن إشارة بعض المؤسسات التعليمية، التي توجد في بعض المناطق المدرَجة ضمن خريطة النقط السوداء في المدينة. وبالرغم من هذا الوضع الأمني المعقَّد في المدينة، فإن عددا من أولياء التلاميذ قد تنفّسوا الصُّعداء مع الحرب التي شنّتها السلطات على مقاهي الشيشة في جل أحياء المدينة. فقد ظلت هذه المقاهي التي لا تتردد «لوبياتها» في فتحها بالقرب من المؤسسات التعليمية تعتمد على الفتيات القاصرات كأهم ركائزها لجلب الزبناء. وتحولت الفضاءات المقابلة للمؤسسات التعليمية إلى فضاءات استقطاب «مناسبة». وفي ضواحي مدن الجهة، ما زالت أعداد من الأطفال تكبر خارج فصول الدراسة، في وقت تؤكد السلطات على إجبارية التعليم الأساسي وتعمد إلى منح تسهيلات للعائلات القروية، لتشجيع أبنائها على التمدرس. ومن أبرز المعيقات التي لم يتمكن برنامج «تيسير»، إلى حد الآن، من تجاوزها في هذه المناطق، بُعد الدواوير عن المؤسسات التعليمية الابتدائية وغياب الطرق المُعبَّدة وانعدام وسائل النقل. ولا تساعد هذه المعيقات حتى الأطفال الذكور على الاندماج في المحيط التعليمي، فما بالك بالفتيات القرويات.