أقصد بالفضاء المسرحي الفضاء الركحي الذي تدور فيه أحداث العروض المسرحية، بمختلف إحالاته التجريدية والرمزية والواقعية، فإذا كانت أغلبية عروض الدورات الأولى من المهرجان الوطني للمسرح، قد كانت مشغولة بتفضية مكانية ذات لمسة تجريدية، غير معنية أكثر بأن تكون للفضاء الركحي إحالات واقعية، فإن عروض هذه الدورة من المهرجان قد بدت أكبر حرصا على التعيين، وأكثر ميلا إلى التجسيم، وليس في الأمر صدفة العابر، إذ في طياتها يبرز أحد أمرين: إما أن الطروحات المسرحية أو لنقل على وجه التحديد الأفكار التي توطدت عند الجيل الجديد من المخرجين المغاربة ومن المسرحيين أصبحت تقضي بأهمية العمل على الابتعاد عن الفضاءات التجريدية التي تهيم في كل واد والاهتمام أكثر بلغة بصرية واصفة حية، كما هو الحال في الفضاء الركحي لمسرحية «لقدام البيضا» لفرقة باب البحر سيني، والتي عمد من خلالها المخرج الجيلالي فرحاتي إلى استثمار معرفته السينمائية، وبالتالي عمد إلى جعل فضاء مرآب في الميناء هو الساحة التي تدور فيها فصول العرض المسرحي، دون أن يعمد إلى أتباع لمسة تجريدية، اللهم في مشاهد محددة بالاستعانة بالإضاءة لتشكيل المشهد. وإما أن ضرورة النصوص، ونشلها من التأويلات المفتوحة أو من الإبهام غير المقصود هو الذي يوجه اختيار الفضاء الركحي، يمكن أن نشير هنا إلى الخيار الذي لجأ إليه بوسلهام الضعيف في مسرحيته «حياة حلمك وشعب في تيه دائم»، إذ الفضاء الركحي الذي تدور فيه أحداث المسرحية هو المستشفى من خلال السرير الأبيض، الممرضة، خيط السيروم، ثلاجة الأدوية، وحتى وإن انفتح فضاء الخشبة على أمكنة أخرى، أو واقعية، فإنه ظل حريصا على العودة إلى الفضاء الأم حتى لا تتيه عين المتفرج، وتفقد الخيط العام الناظم. وهو الاختيار الذي يتوفق فيه عبد المجيد الهواس، من خلال تأطير عرضه المسرحي في فضاء ركحي، تحضر فيه الصحراء ليس كمعطى واقعي ومادي فقط، من خلال الحرص على نقل المشهد الصحراوي برمته إلى الخشبة، فقد كان ضروريا في سينوغرافيا العرض نقل جو الصحراء فوق الخشبة: رمال وأعشاب برية وصخور متربة، في منطقة حدودية صحراوية بعيدة من الوطن، يعبر منها المهربون وتجار المخدرات والمتطرفون والباحثون عن الهجرة وتجار البشر والحالمون بوضع أفضل على الضفاف. وفي عرض تاماتارت لكريم لفحل الشرقاوي يختار ساحة المدينة كفضاء لحكايته المسرحية، ففي الميادين العامة للمدن لا تتحدث التماثيل فقط، ولكنها تمشي وتترجل من منصاتها. وأما في عرض «طايطوشة» فنجد أن المكان المديني هو مكان افتراضي توسل من خلاله المخرج البدري محاولة استغوار سيكولوجي، لذلك كان من الضروري أن يتمتع الفضاء المسرحي بلمسة تجريدية. فضاءات مسرحية في عروض المهرجان غير مبالغ في تجريديتها، وكأن هناك شبه إجماع على التفسير بدل التشفير حتى لا يولي جمهور المسرح الأدبار، إن لم يكن قد هاجر إلى القنوات منذ زمان.