قدم مسرح أفروديت أول أمس، في إطار المسابقة الرسمية للمهرجان، عرضه المسرحي «حديقة معلقة» فاتحا باب التأويل على مصراعيه، وتلك ميزة يمتاز بها المخرج والسينوغراف المغربي عبد المجيد الهواس. إنه يؤكد على سوية الممارسة المسرحية الناضجة البعيدة عن خفة البدايات والملتزمة بأصول صناعة الفرجة المسرحية، ففي لقاء يجمع كاتبا مسرحيا من طينة يوسف فاضل ومخرجا له العلم الأكيد بمهن المسرح يكون المنجز المسرحي بحثا خالصا. وفي نفس الليلة قدم حسن علوي الأمراني عرضه «تمارين في التسامح» عن نص لعبد اللطيف اللعبي. في البداية ينفتح الفضاء الركحي على خشبة فارغة إلا من علامات تدل على المكان المسرحي، والعلامات هي عتبة المعرفة، لذلك يحرص عبد المجيد الهواس على أن يكون الفضاء المسرحي الذي تدور فيه «معركة» العرض مكتملة وغير منقوصة، الصحراء هي الصحراء، وهي عين التجريد وأعيان التجسيد، وفي حضرتها لا تتلف الحواس فقط ولكن تتمزق خرائط الروح، وتتوه البوصلة، ولا يجد الإنسان من مفر غير أن يلهو قليلا بأحلامه وأوهامه، محققا وجوده بالفعل وبالقوة. لا مكان هنا للتساهل أو للتسامح، ولا يوجد طيبون ولا حسنو النيات، كل خطأ مهما كان صغيرا يؤدي إلى كارثة وإلى ثمن فادح. فحين يختار الجندي الأول «عادل أبا تراب» مغادرة المنطقة الحدودية، في المنفى الصحراوي، يكون قد ذهب في اتجاه تخليص حياته من بحر الرمل، وعانق حديقته المعلقة المحلوم بها. نزعة التمرد هذه وعدم الامتثال للأوامر لم تطاوع زميله الجندي الثاني «خالد جنبي»، الذي يختار البقاء للدفاع عما يعتبره واجبا وطنيا في حماية الثغور والحدود، لكن الوحدة الصحراوية تسقطه في شبكة أوهام وفي أحابيل العبد مقيد الحرية فمن عالم معدوم أو هو رمز للعدم، تتجلى له امرأة جميلة ومغوية تحرضه على الرحيل، تغويه بالكلام وبالأحلام، وتبني معه عالما في الافتراضي، لكن العبد القابع في داخله يحول بينه والخلاص، وحين تزحف الصحراء إلى أعماقه لا يجد بدا من الهروب في اتجاه حديقته المعلقة الخضراء، المبحوث عنها والمحلوم بها، فللحدود رب يحميها، والصحراء ملك للقوي الباطش، وليس للأعزل المستكين. في فضاء التيه هذا تتناسل كائنات أخرى مجبولة على حب التملك والسيطرة، كائنات تحلم بزمن آخر، وتريد أن تعيد شكلا محددا من أشكال الحياة، وفي ذلك تتحالف مع كل شيء من أجل أن تحقق مشروعها، القائم أساسا على التحريم، لأن التحريم هو البوابة الحقيقية التي تمكنها من تقديم البديل الأخلاقي للنفوس المعطوبة. إن شعارها مختصر في «لا تفعل»، حيث يجسد عزيز الفاتحي دور الأصولي المتطرف الغامض، المشكوك في الجهات التي يعمل معها، وهل هو حقيقة صاحب مشروع ام مجرد قاطع طريق، ومتاجر بآلام الناس، لينكشف الغطاء في نهاية العرض عن كون المتطرف مجرد لص كبير ورجل متسلط يستعبد البشر، فهو في كل الأحوال ينتهي صريعا على يد مريده أو عبده سيان. ليس المقام هنا للقراءة الشارحة لعرض «حديقة معلقة»، لأن ثراء العرض ينفتح على كثير من القراءات المؤولة، ولكن الإشارة تقتضي التنويه بكل مكونات العمل، والذي أخضع نفسه لشروط المنتوج المحترف، فمن جهة هناك الاختيارات التقنية بالغة الصعوبة، من قبيل اللعب على الكشافات المتوازية، مما يتطلب هندسة جيدة للفضاء الركحي، ومن جهة أخرى هناك الأداء المتميز للممثلين في بطولة متقاسمة وفي «ديمقراطية» لا تعترف بالدور الكبير ولا الدور الصغير، فكل حياة مهما كانت صغيرة هي في نهاية المطاف بطولة كبيرة. في العرض الثاني من المسابقة الرسمية للمهرجان، اختار حسن علوي الأمراني مخرج مسرحية «تمارين في التسامح» أن ينفتح على نص مختلف وخطاب آخر وكتابة غير مهادنة ومؤلف من الأزمنة البهية هو عبد اللطيف اللعبي. إنه نص يقوم على الثوابت الفكرية والإبداعية المعروفة عند اللعبي في كل أعماله حيث لا مجال لمهادنة الواقع أو القفز فوق تناقضاته، وهذا بالضبط ما سعى العرض إلى إبرازه أكثر، عبر مجموعة من اللوحات المتمايزة ظاهريا في تيمتها، والمتوجة ضمنيا حول عنف اللاتسامح في الواقع، والعلاقة مع الآخر، والمرأة، والسجن، والاختلاف الثقافي. لقد انبنى عرض «تمارين في التسامح» على مجموعة من اللوحات منها: رامبو وشهرزاد، والضجيج والروائح، والتائبات، واللااندماج، والزعيم، ورحمة بحراس السجن، والرجل البيتي، وبابل المرحة.. تقر باللاتسامح كحقيقة في علاقات المجتمع العامة والخاصة. وقد اقترح الإخراج عناصر عديدة لبناء جماليات العرض، منها: المراهنة على الرقص والغناء والكوريغرافيا والموسيقى لتلطيف عنف اللاتسامح، وهو ما أثرى أيضا بهاء اللون وتعبيرية الجسد عند الممثلين، خاصة حسن بوعنان وعدنان مويسي وعالية الركاب، وشفافية السينوغرافيا التي جعلت من فضاء الكواليس خلفية فاعلة لبناء جمالية العرض. إلا أن الجوهر الذي ميز العمل هو خطابه، وهو بالضبط، ما جذب المخرج إلى النص، فالعمل حسبه يطرح قضايا إشكالية وفيه جرأة فكرية وإيديولوجية، ويقترح معنى للتسامح يقوم على تفجير التناقضات. عروض اليوم < تقدم فرقة ورشة إبداع دراما مسرحيتها «السويرتي» وتجري أحداث المسرحية في ساحة على هامش تجمع سكني كبير قد يكون قرية أو مدينة، وبجانب مقبرة، تم نصب علب ومؤثثات الفرجة الشعبية التي كانت تقام في ساحات على هوامش المدن أو قرب الأسواق الكبرى بالبوادي. هذه الفرجة الشعبية هي ما يعرف عند العامة ب»السويرتي». المسرحية من تأليف: عبد اللطيف فردوس إخراج: عبد العزيز بوزاوي سينوغرافيا و ملابس: الحسين الهوفي موسيقى: عبد الكريم والعياض تنفيذ الملابس: الحبيب رشدان المحافظة: منير سيكوني- عبد الرحيم ريضا تشخيص: عبد الجبار بلوزير ماجدة أزناك عبدالهادي توهراش عبد العزيز بوزاوي عبد الرحيم ريضا. < كما تعرض فرقة إتري ميديا مسرحية «النواعري» وتحكي عن شيخ متسلح بحكمة رفيق لا يفارقه يتحكم في مجموعة من الدواوير، سيشكل أب عروب وابنه رمزا للخطر نتيجة امتلاكهما لحصان وبندقية، إضافة إلى أن الإبن الشاب عروب لا يستجيب لإغراءات الانحراف، عقله مشغول بعصر ماء الأرض، يطوف حول ناعورة و قلبه متعلق بحليمة. سيحرم الشاب من الزواج بحليمة. والنواعري: من تأليف خالد ديدان وإخراج: عبد الله ديدان سينوغرافيا: محمد أنوار زهراوي ملابس: فاطمة الزهراء ديوان تشخيص: محمد الحوضي- عبد السلام بوحسين - نزهة عبروق - خالد ديدان-محمد متوكل - شفيق بيسبيس - العربي زهراوي