الرهاب الاجتماعي هو النوع الثاني من اضطرابات الرهاب. وهو يعني الشعور الشديد والمستمر بالخوف والقلق في وضع أو نشاط في مكان يحتوي على عدد محدود من الناس مثل المطاعم والحفلات الصغيرة والاجتماعات الصغيرة، أو أثناء الحديث مع شخص آخر صاحب نفوذ أو مكانة أو مسؤولية. وفي كثير من الأحيان يزول الخوف أو يخف كثيرا بوجود فرد من الأسرة أو صديق أو ربما حيوان أليف مألوف لدى المصاب. وتكون بداية الإصابة بالرهاب الاجتماعي في الغالب في سن المراهقة أو الشباب. وقد يأخذ شكلا مزمنا على الرغم من التحسن الكبير الذي يحدثه العلاج. قد يشعر المصاب بالرهاب في موقف اجتماعي واحد فقط مثل إلقاء كلمة في جمع من الناس أو الأكل في مطعم، وقد يشعر بذلك في مواقف متعددة، وهذا النوع الثاني هو الغالب. وتشير الإحصائيات إلى أن أكثر أنواع الرهاب الاجتماعي انتشارا هو الرهاب من إلقاء كلمة أو خطبة أمام جمع من الناس، إذ يوجد لدى أكثر من تسعين بالمئة من المصابين. ويليه في المرتبة الثانية رهاب مقابلة شخص مهم أو مسؤول كبير، إذ نجده لدى حوالي ثلاثة أرباع المصابين. وعند التعرض للمواقف الاجتماعية المسببة للرهاب يشعر المصاب بقلق قد يشتد إلى أن يصل إلى نوبة هلع أو فزع حادة، مع ظهور أعراض مثل تسارع ضربات القلب وضيق التنفس والتعرق الشديد وارتعاش الأطراف والرغبة الشديدة في الهرب من الموقف المعني. كما يحس المصاب بأنه محط أنظار الآخرين يلاحقونه أو ينتقدونه ويخاف أن يحكموا عليه بطريقة سلبية. وكما هو الحال بالنسبة للأنواع الأخرى من الرهاب، فإن المصاب يعرف جيدا بأن خوفه غير مبرر لكنه لا يستطيع التحكم والسيطرة عليه. ويؤدي الرهاب الاجتماعي إلى تجنب المصاب للمواقف أو الأنشطة الاجتماعية المؤدية لديه إلى الرهاب، مما يسبب تقلصا كبيرا لأنشطته وحركته، وخصوصا أمام الآخرين، وأحيانا يمنعه من نجاحات مقدور عليها أو يدفعه إلى عزلة متزايدة نتيجة قلة الثقة بالنفس وعدم القدرة على مقاومة قلقه في المواقف الاجتماعية المعينة. وقد يصل الأمر في بعض الحالات إلى أن يكون المصاب معاقا ومعزولا عزلة حقيقية عن من حوله. لكل هذا نجده غالبا ما يعتذر عن المناسبات الاجتماعية بأسباب واهية، وإذا لم يستطع الاعتذار فإنه يحضر ويبقى منعزلا أو محجما عن المشاركة خشية أنظار الآخرين. لكن ليس هذا الانسحاب وما يؤدي إليه من إعاقة هو التأثير السلبي الوحيد للرهاب الاجتماعي. فمن مضاعفاته أيضا الإدمان على الكحول أو الأدوية المهدئة. وقد بينت دراسات أجريت في بعض مراكز معالجة الإدمان في دول متعددة أن أكثر من 30 % من المدمنين على الكحول يفعلون ذلك بسبب الرُهاب الاجتماعي، طمعا في الحصول على «الشجاعة» التي بها يتجاوزون القلق في الموقف المسبب للرهاب. أما عن أسباب الرهاب الاجتماعي فتثبت الدراسات وجود عوامل وراثية وعوامل نفسية تربوية. أما العوامل الوراثية فقد تأكد بأن الذين لهم أقارب مصابون به من الدرجة الأولى يعانون منه ثلاثة أضعاف ما يعاني منه غيرهم. كما أن نسبة وجود المرض في التوائم المتطابقة أكبر بكثير من التوائم غير المتطابقة. أما العوامل النفسية التربوية فيظن بعض المختصين أن مما يساعد على ظهور الرهاب الاجتماعي نشأة الفرد في وسط يدعم السلوك الخجول ولا يشجع النشاط الاجتماعي ولا التعبير عن المشاعر والأحاسيس، وكون تعامل الوالدين مع أبنائهم يتصف بالإهمال الزائد أو بالاهتمام الزائد، أو يتسم ببرود العاطفة أو بنبذ أبنائهم. إن التعرف على الرهاب الاجتماعي واستشارة الطبيب النفساني شيء حيوي، لأن علاج هذا النوع من الاضطراب اليوم ممكن، وممكن جدا. وهو علاج يرتكز على أمرين اثنين هما: العلاج النفسي السلوكي: وهو يرتكز أساسا على مواجهة المصاب التدريجية للمواقف المسببة للرهاب، وتدريبه على الاحتكاك بالناس وبالأنشطة الاجتماعية. ومن المعينات أيضا ممارسة تمارين الاسترخاء والتنفس العميق التي تمكن من مقاومة القلق لدى المصاب, العلاج الدوائي: وخصوصا مثبطات إعادة تثبيت السيروتونين والتي أثبتت نجاعتها في هذا المجال. وهي أدوية ذات تأثير علاجي مباشر وليست مهدئات كما يظن الكثيرون. والمزاوجة بين النوعين من العلاج يعطي نتائج إيجابية وتحسنا تدريجيا في أكثر من ثمانين بالمئة من الحالات. طبيب مختص في الأمراض النفسية